لم تعد الأتمتة رفاهية أو خيارا تكميليا، بل أصبحت ضرورة حتمية لضمان بقاء المجتمعات قادرة على التكيف مع التحديات الحديثة مثل الكثافة السكانية، وتغير المناخ، والأزمات الصحية، وضغوط الحياة اليومية المتسارعة، ومع إدراك هذه الحقيقة، ينبغي لنا توجيه جهودنا نحو بناء بيئة تشجع على تبني الأتمتة بشكل متوازن ومسؤول...

حتى وقت قريب يعد استخدام التكنولوجيا عنصرا ترفيا وليس حاجة او ضرورية مجتمعية، حيث كانت تنحصر مثل هذه الاعمال في الشركات الكبرى والمصانع التي روعي في تصميمها العنصر التكنولوجي، ومن لم يسعفه الحظ للدخول لإحدى هذه المواقع الضخمة، يبقى لم يتعرف على ابسط مظاهر التكنولوجيا الحديثة.

حصر هذه التقنية في المعامل والمصانع يعني منع دخولها المباشر في حياة الانسان قبل عقود من الآن، ولم يكن انعكاسها على حياة الافراد بشكل ملموس كما يحصل في الوقت الحالي الذي احتلت فيه الاتمتة مكانة مميزة في الاعمال اليومية العامة والمنزلية، حتى تحولت الى ضرورة مجتمعية لا غنى عنها.

لقد فرضت الاتمتة او المظاهر التكنولوجية نفسها داخل المنازل وقطاع الخدمات العامة، واوجدت لنفسها مكانا مرموقا في التعليم والصحة والحياة الاجتماعية بصورة خاصة، اذ تشكل هذه المكانة النقلة الجوهرية من الرفاهية إلى الضرورة، وتعكس تحولا عميقا في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا.

ولم تعد التكنولوجيا حكرا على الأغنياء من أصحاب المصانع وورش العمل وغيرهم، بل أصبحت متاحة في الوقت الحالي امام الجميع، اذ بات من الممكن إدارة المنزل كاملا عبر الهواتف الذكية، بدءً من التحكم بدرجات حرارة المكيفات والإضاءة، إلى مراقبة كاميرات الأمن، بل وحتى جدولة مهام التنظيف.

وقد رافق إدخال التكنولوجيا الى الحياة المنزلية الكثير من التسهيلات وتذليل المصاعب على الافراد وبالخصوص ربات البيوت اللواتي استفدنّ من هذه التقنيات اقصى درجة من الفائدة، فمثلا لا توجد امرأة في الوقت الحالي تغسل الملابس بيديها كما كانت النساء في السنين الماضية، ولم تعد ربة المنزل تحتار بغسل الاواني، بعد ان توفرت غسالة الصحون في اغلب المطابخ.

ولم تترك الاتمتة من جهد خدمي لتضيفه للقطاع الصحي، فقد ساعدت في تحسين جودة الرعاية الطبية بشكل غير مسبوق، ذلك عبر توفيرها الأجهزة القابلة للارتداء التي تقيس نبضات القلب أو مستويات الاوكسجين، فمن خلال هذه التقنيات يستلم الطبيب بيانات لحظية عن الحالات المرضية، الامر الذي يسمح لهم بالتدخل السريع وإنقاذ الحالات الخطيرة.

اما في قطاع النقل، تتجلى أهمية الأتمتة بوضوح من خلال المركبات ذاتية القيادة أو شبه الذاتية، مع توافر العديد من البرامج مثل "ويز" الذي يعتمد على بيانات آنية يخبر السائقين بوجود طرق بديلة في حالات الازدحام أو الحوادث، ما ساهم في تحسين حركة النقل وتقليل أوقات التنقل.

التعليم أيضا شهد قفزة نوعية بفضل الأتمتة، حيث انتشرت المنصات التعليمية الذكية التي توفر محتوى تعليميا مخصصا يتكيف مع مستوى كل طالب.

بحيث أصبحت هذه الأدوات ضرورة في زمن التعليم عن بُعد، إذ وفرت بيئة تعليمية مرنة وفعالة، مكنت ملايين الطلبة حول العالم من متابعة دراستهم في ظل الأزمات أو في المناطق التي تعاني من ضعف البنية التحتية التعليمية.

في المحصلة، لم تعد الأتمتة رفاهية أو خيارا تكميليا، بل أصبحت ضرورة حتمية لضمان بقاء المجتمعات قادرة على التكيف مع التحديات الحديثة مثل الكثافة السكانية، وتغير المناخ، والأزمات الصحية، وضغوط الحياة اليومية المتسارعة، ومع إدراك هذه الحقيقة، ينبغي لنا توجيه جهودنا نحو بناء بيئة تشجع على تبني الأتمتة بشكل متوازن ومسؤول، يحقق الاستفادة القصوى من التكنولوجيا دون الإضرار بالقيم الإنسانية الأساسية.


اضف تعليق