لقد تحولت مسألة الحلول المؤقتة او الاشباع الفوري الى ثقافة عامة او نهج سائد في البلد، ولا يمكن التخلص منها، طالما المسؤول يبحث عن انجاز مؤقت، تبقى الحلول المقدمة والمعالجات تصب في اللحظة الآنية، وعليه يبقى البلد يأن من قضية النتائج السريعة التي تخدع المواطن وتنتزع رضاه...

تتصفح في اليوتيوب تظهر لك مقاطع تعلمك كيف تغير حياتك في 20 دقيقة، وتشاهد اعلان عن دورة تعلم اللغة، تخبرك بإتقان اللغة الإنكليزية في أسبوع، وبينما تدخل الى متاجر بيع أدوات الطبخ، تجد الكثير منها يتسم بسرعة إكمال الاكل، وكذا الحال بالنسبة للعمل السياسي فهو الآخر ارتكز على الحلول السريعة لمعالجة المشكلات في بعض القطاعات، وكأن الجميع أدمن الحلول السريعة.

من يراقب العملية السياسية وتحركات السياسيين في السنوات الأخيرة، يدرك جديدا ان الرؤية او التوجه العام يذهب باتجاه السرعة في كل شيء، وكأن الجميع يبحث عن الاشباع الفوري، والنتائج المضمونة في وقت قياسي، فعلى سبيل المثال، أعلن رئيس مجلس الوزراء في زيارته الى كربلاء خلال زيارة الأربعين عن الشروع بعدد من المشروعات الاقتصادية والتنموية.

في الوقت الذي لم يتبقى من عمر الحكومة الحالية سوى أيام معدودة، لكن هذه الاطلاقات للمشاريع تأتي من الفكرة الراسخة لدى قيادات السلطة الحالية، ان المشاكل يجب ان تُحل فورا، وان المواطن يجب ان يكون مرفها، لا سيما وان المشروعات فيها جنبة اقتصادية تهم حياة الافراد بصورة مباشرة.

ومن صور الحلول السريعة التي ادمنتها الجهات الخدمية والحكومية، محاولة إيجاد حلول للمشكلات الخاصة بعملية سير وتفويج الزائرين في محافظة كربلاء، اذ شرعت قبل أيام الذروة بالتنسيق مع جهات خارجية، لنصب جسور مؤقته لتسهيل حركة الزائرين والعجلات خلال زيارة الأربعين بينما هناك حل جذري يخلصها من الارباك السنوي.

هذا الحل يتمثل بحفر نفق في اهم التقاطعات التي تكون نقاط التقاء بين الزائرين والعجلات، وتجنب هذه الإشكالية، بدلا من نصب الجسور المؤقتة بمالغ مالية كبيرة، وإحداث نوع من العرقلة لحركة العامة خلال أيام تسبق الزيارة، ومن ثم إعادة رفعها لانتفاء الحاجة.

اما الصورة الأخرى من صور الحلول السريعة والذي يؤكد ان الجهات الحكومية بما فيها القمة العليا تؤمن في هذه النظرية القائمة على الاشباع الفوري وترك المشكلة طيلة شهور السنة، والحديث هنا عن معاجلة مشكلة النقل خلال الزيارة، مرت أكثر من عقدين وأزمة النقل حاضرة لم تجد أي حلول او محاولات لإيجاد طريقة مناسبة للتفويج.

وبعد معاناة استمرت لسنين اوجدت الحكومة طريقة المرآب المؤقت الذي لم يساعد على تخفيف المعاناة والتخلص من الزخم الحاصل في عملية نقل الزائرين الى محافظاتهم، ولا يزال الاعتماد على الارتال العسكرية في عملية التفويج.

بينما تغيب او تُغيّب الطريقة الصحيحة عن اذهان المسؤول، وفقا لمبدأ أي شيء يحتاج الى وقت وصبرا طويلا ربما يجعله من الحلول الفاشلة، او غير المجدية، المسؤول يبحث الحلول التي تدعم موقف في الوقت الحالي، وكل حل يحتاج الى سنوات او وقت طويل يستبعده من لائحة الحلول، لأنه بالتأكيد سيحسب لغيره.

 هذا الإدمان على الحلول السريعة لا يقتصر على الجوانب الخدمية، بل يشمل جميع القطاعات الحيوية، فقطاع التعليم على سبيل المثال، لم يُعالج بالشكل الصحيح، واجتهدت الحكومة في إيجاد نظام الدوام المزدوج او الثلاثي، بدلا من العمل الجاد والمنظم لبناء ابنية تسد النقص الحاصل في المباني المدرسية.

لقد تحولت مسألة الحلول المؤقتة او الاشباع الفوري الى ثقافة عامة او نهج سائد في البلد، ولا يمكن التخلص منها، طالما المسؤول يبحث عن انجاز مؤقت، تبقى الحلول المقدمة والمعالجات تصب في اللحظة الآنية، وعليه يبقى البلد يأن من قضية النتائج السريعة التي تخدع المواطن وتنتزع رضاه.

ونتيجة لما سبق تعود الفرد المنتظر لهذه الحلول على الإجراءات السريعة، فالمواطن يقبل بتبليط شارع بأدنى درجة من المواصفات، لكنه يفضله على وضعه السابق والتخلص من الطرقات غير المعبدة وما يتبع ذلك من اذى في فصل الشتاء، اذ ينتج عن ذلك صعوبة في التنقل، لا سيما طلبة المدارس.

الخطر الحقيقي في هذا الإدمان الحكومي على السرعة في كل شيء، يتمثل في أنها تفقد القدرة على تقدير العمليات الطويلة والنمو التدريجي، لأن الحلول السريعة عادة ما تركز على النتائج وتتجاهل الرحلة الطويلة والابعاد الاستراتيجية للمشاريع التنموية، وكما هو معروف فالطبخة اللذيذة تحتاج الى نار هادئة ووقت كاف لتنضج، كما المشروعات الحكومية فهي بحاجة الى تروي وصبر لتكون أكثر منفعة واطول عمرا.

اضف تعليق