يحمل قرار ترمب بإقالة ماكينتارفر وتعيين مفوض جديد لمكتب إحصاءات العمل صدى تاريخي يصعب تجاهله. فقد دأب الاتحاد السوفيتي والصين على تزوير البيانات الاقتصادية لدعم سياساتهما. أعدم جوزيف ستالين مسؤول الإحصاء الذي وجد أن عدد سكان الاتحاد السوفيتي أقل مما أعلنه ستالين. لن نبالغ مهما كررنا أن البيانات التي ينتجها مكتب...
بقلم: مايكل آر سترين
واشنطن، العاصمة ــ بعد إقالة مفوض مكتب إحصاءات العمل (BLS) يوم الجمعة، أشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى أنه سيعين الرئيس القادم للوكالة هذا الأسبوع. ومن الأهمية بمكان أن يُـنظَـر إلى مرشح ترمب من جانب رجال الأعمال والمستثمرين على أنه غير حزبي ومستقل عن البيت الأبيض. ولأن الثقة في نزاهة البيانات الحكومية هي أساس الازدهار، فمن مصلحة ترمب السياسية المباشرة أن يعين رئيسا مستقلا لمكتب إحصاءات العمل.
جاءت إقالة إريكا ماكينتارفر، مفوضة مكتب إحصاءات العمل، مباشرة بعد أن أصدر المكتب تقرير التوظيف لشهر يوليو/تموز، والذي وجد أن الاقتصاد الأميركي أضاف 73,000 وظيفة فقط. وكما هي الحال في كل شهر، تضمن تقرير مكتب إحصاءات العمل الأميركي أيضا بيانات منقحة للشهرين السابقين. كانت هذه المراجعات ضخمة، حيث أظهرت أن الاقتصاد أضاف 19 ألف وظيفة جديدة صافية فقط في مايو/أيار و14 ألف وظيفة جديدة صافية في يونيو/حزيران.
استشاط ترمب غضبا، وأكد على وسائط التواصل الاجتماعي أن ماكينتارفر "زيفت" أرقام الوظائف، وتلاعبت بها "لأغراض سياسية". لكي نكون واضحين، لا يوجد أقل دليل يدعم هذه الادَّعاءات، وتتوفر كل الأسباب التي تدعو إلى الاعتقاد بأنها كاذبة. حتى بافتراض وجود نية شائنة، سيكون من الصعب للغاية تزييف الأرقام. فكما أوضح ويليام بيتش، سلف ماكينتارفر المعين من قبل ترمب، لـصحيفة "بوليتيكو"، يتولى مئات المحللين وضع الأرقام، التي يراجعها نحو أربعين شخصا خدموا تحت رؤساء من كلا الحزبين. وأضاف بيتش: "لا يَـطَّـلِع المفوض على هذه الأرقام حتى يوم الأربعاء الذي يسبق إصدارها يوم الجمعة". وأكمل: "ليس للمفوض أي يد أو أي تأثير أو حتى أي طريقة لمعرفة البيانات قبل أن ينتهي العمل عليها بالكامل".
من خلال التأكيد بشكل غير صحيح على أن بيانات الوظائف متحيزة، يقوض ترمب مصداقية المعلومات التي يعتمد عليها صُـنّـاع السياسات، والشركات، والأسر، والمستثمرون. والآثار الاقتصادية المترتبة على ذلك بعيدة المدى. فبدون إدراك جيد للحقائق الاقتصادية على أرض الواقع، قد يرى المستثمرون أن مستويات المخاطر أعلى، وقد تؤجل الشركات مشاريع جديدة، وقد يرتكب الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خطأ مكلفا في تحديد أسعار الفائدة.
يحمل قرار ترمب بإقالة ماكينتارفر وتعيين مفوض جديد لمكتب إحصاءات العمل صدى تاريخي يصعب تجاهله. فقد دأب الاتحاد السوفيتي والصين على تزوير البيانات الاقتصادية لدعم سياساتهما. (أعدم جوزيف ستالين مسؤول الإحصاء الذي وجد أن عدد سكان الاتحاد السوفيتي أقل مما أعلنه ستالين).
لن نبالغ مهما كررنا أن البيانات التي ينتجها مكتب إحصاءات العمل ــ والبيانات الاقتصادية الحكومية الأميركية في عموم الأمر ــ هي المعيار الذهبي. فلا يوجد بديل لها ببساطة. ورغم أن بيانات القطاع الخاص تُعد مكملا مهما للإحصاءات الرسمية، فإنها تُـقارَن غالبان بالبيانات الحكومية وهي ليست على ذات القدر من اتساع التمثيل والجدارة بالثقة.
على نحو مماثل، سنجد أن المراجعات التي تجرى على الإحصاءات الرسمية ــ السبب وراء إقالة ماكينتارفر ــ مجرد ممارسة روتينية ولا تدعو إلى القلق. يجب أن تعمل الوكالات الحكومية على إيجاد التوازن بين الحاجة إلى بيانات عالية الجودة وضرورة إعداد التقارير في الوقت المناسب.
تشكل أرقام الوظائف تقديرا لإجمالي عدد الموظفين العاملين برواتب أثناء الأسبوع الذي يتضمن اليوم الثاني عشر من الشهر. تخضع الشركات للمسح، لكن بعضها ترسل ردودها في وقت متأخر، بينما تدفع شركات أخرى أجور عمالها شهريا، في نهاية الشهر. ويتمثل التحدي الذي يواجه مكتب إحصاءات العمل في تزويد صناع القرار بالمعلومات الحيوية بأسرع وقت ممكن، في حين يعلم أنه كلما تريث، كلما ازدادت جودة بياناته.
على سبيل المثال، كان بوسع مكتب إحصاءات العمل أن ينتظر حتى شهر أغسطس/آب للإبلاغ عن بيانات شهر مايو/أيار، لكن هذا كان ليجعل من الصعب على الاحتياطي الفيدرالي تحديد أسعار الفائدة خلال الصيف ويزيد من الصعوبة التي تواجهها الشركات في اتخاذ قرارات مهمة تعتمد على حالة سوق العمل. لذا، بدلا من ذلك، يصدر مكتب إحصاءات العمل تقديرا لشهر مايو/أيار في شهر يونيو/حزيران، ثم يصدر تقديرا آخر بناء على بيانات أكثر اكتمالا في شهر يوليو/تموز، قبل أن يصدر الرقم النهائي في أغسطس/آب.
بالإضافة إلى المشكلات المرتبطة بالاستجابة للمسح، يتعين على مكتب إحصاءات العمل أن يتعامل مع التحدي المتمثل في تقدير الانخفاض في التوظيف من الشركات التي خرجت من السوق في مايو/أيار، وعدد الوظائف الجديدة الصافية في الشركات التي تأسست في مايو/أيار. كما يجب أن يأخذ في الحسبان التقلبات الموسمية في تشغيل العمالة.
الخلاصة هي أن المراجعات مجرد مراجعات وليست تصحيحات.
علاوة على ذلك، برغم أن مراجعات الأسبوع الماضي كانت ضخمة، حيث جرى تعديل إجمالي تشغيل العمالة في شهر مايو/أيار بمقدار 125 ألف وظيفة وشهر يونيو/حزيران بمقدار 133 ألف وظيفة، فإنني لم أجدها مثيرة للقلق أو مُـغالية. وفقا لحساباتي، على مدار العقود الثلاثة الأخيرة شهدنا عشر حالات من المراجعات نزولا تزيد عن 100 ألف وظيفة و26 حالة من المراجعات صعودا تزيد عن 100 ألف وظيفة.
ينبغي لترمب أن يفكر مرتين قبل أن يحاول تعيين خادم في مكتب إحصاءات العمل. من الحكمة أن يتذكر أن الأرجنتين عندما تلاعبت ببيانات التضخم ــ وتوقفت الأسواق عن الثقة في الإحصاءات الرسمية ــ ارتفعت أسعار الفائدة وتفاقمت أزمة الديون هناك.
ولكن حتى لو عَـيَّـن ترمب رجلا يوافقه الرأي في منصب المفوض، يجب أن نستمر في الثقة في نزاهة البيانات ــ التي يصعب التلاعب بها ــ إلى أن يعطينا موظفو الوكالة سببا يجعلنا نحجب هذه الثقة.
لقد اتخذت ماكينتارفر قراراتها في مكتب إحصاءات العمل بعيدا عن التأثير السياسي. وينبغي للرئيس القادم للوكالة أن يكون مستقلا بذات القدر. إذا لم يحدث ذلك، فقد يبدأ صناع السياسات، وقادة الأعمال، والأسر، والمستثمرون في النظر إلى البيانات الحكومية على أنها معيبة، وقد يخلف هذا تأثيرات ضارة ومتعاقبة على مختلف قطاعات الاقتصاد الأميركي. ومن مصلحة ترمب السياسية المباشرة أن يتجنب مثل هذه النتيجة. ولكن بالنظر إلى تاريخه في تسجيل الأهداف في مرماه شخصيا، فلا أملك إلا أن يساورني القلق.
اضف تعليق