زيارة الأربعين بتنوعها الإنساني ووحدتها الشعورية، تقدم درسا عمليا في أن القيم المشتركة قادرة على جمع البشر رغم اختلافاتهم، وهذا الدرس يصلح ان يكون رسالة عالمية تؤكد أن الإنسانية هي الرابط الأقوى بين الناس متفوقة على غيرها من الروابط المصلحية او الوقتية القابلة للزوال والتلاشي...

الإحصائية السنوية المعلنة بعد انتهاء زيارة أربعين الامام الحسين عليه السلام، تؤكد تجاوز العدد الكلي للزائرين الوافدين الى مدينة كربلاء المقدسة، العشرين مليون نسمة جاءوا من بلدان مختلفة في الأنماط الاجتماعية، لكن ما جمعهم هو الوحدة الإنسانية التي تربط بني البشر على اختلاف قومياتهم وثقافتهم.

في كربلاء يحدث واحد من المشاهد النادرة، تجد الزائر السعودي يجلس الى جانب الزائر الإيراني والدنماركي، والتركي يأكل مع البحريني، والسوداني يرافق الفنزويلي في رحلة الأربعين الروحية، ما جمع هؤلاء هو الهدف الروحي والإنساني المشترك، المتمثل بإحياء ذكرى اربعينية الامام عليه السلام وما يشكله ذلك من قيم سامية تجمع الشعوب على اختلاف لغاتها والوانها. 

يسألون بعض الزائرين عن سر هذا التجمع، وعن القدرة التي استطاعت ان توحد هؤلاء الافراد وجعلهم يسيرون في طريق العشق الحسيني، الإيرانيون والاوربيون وغيرهم، يجتمعون على مائدة واحدة، مُدت باسم الحسين، ولم يرجى منها سوى التقرب الى الله عز وجل.

الوحدة الإنسانية جعلت هذا التنوع الهائل يذوب في مشهد واحد، حيث يتساوى الجميع في المسير على الطريق نفسه، وتقديم أو تلقي الخدمات ذاتها من مواكب فتحت أبوابها بلا تمييز، لا تسأل عن جنسية الزائر ولا مذهبه ولا طبقته الاجتماعية، بل يكفي أنه زائر للإمام الحسين (عليه السلام) ليحظى بالاحترام والضيافة.

ومن الجدير بالذكر ان هذه المناسبة لا تقتصر على الشعائر الدينية فقط، بل تقدم نموذجا اجتماعيا يقوم على التعاون العفوي والتكافل الإنساني، فأصحاب المواكب يقدمون طعامهم وبيوتهم وخدماتهم للغرباء، والمتطوعون يتركون أعمالهم اليومية ليخدموا الزوار، بينما نجد زائرين يساعدون بعضهم البعض في الطريق، سواء في تقديم المياه، أو مساعدة كبار السن، أو حتى إسعاف المصابين.

كثيرة هي القصص الملهمة والمعبرة عن الوحدة والشعور الإنساني خلال زيارة الأربعين، ومن بين القصص المتكررة في هذه المناسبة، حكايات عن أشخاص من دول بعيدة قطعوا آلاف الكيلومترات ليشاركوا في هذه المسيرة، ليجدوا أنفسهم في قلب تجربة إنسانية تعزز شعورهم بالانتماء إلى مجتمع عالمي متضامن.

هذا المجتمع اختار التضامن، على الرغم من عدم تجانسه من حيث المرجعيات الفكرية، وطريقة التفكير وغيرها من الاختلافات الجوهرية، لكن ومع الوقت استطاعت زيارة الأربعين ان تحول مدينة كربلاء المقدسة الى قبلة لملايين البشر المختلفين في جوانب متعددة، لكنهم يجتمعون حول هدف رئيس وهو احياء ذكرى زيارة أربعين الامام الحسين عليه السلام.

زيارة الأربعين بتنوعها الإنساني ووحدتها الشعورية، تقدم درسا عمليا في أن القيم المشتركة قادرة على جمع البشر رغم اختلافاتهم، وهذا الدرس يصلح ان يكون رسالة عالمية تؤكد أن الإنسانية هي الرابط الأقوى بين الناس متفوقة على غيرها من الروابط المصلحية او الوقتية القابلة للزوال والتلاشي.

اضف تعليق