يمكن لكل من يؤمن بالحسين، طريقا، ومنهجا، ومبادئ، وانتماء أن يمضي قُدُما في الاتجاه الصحيح، وهو يتمثل بما أوضحه أئمة أهل البيت أنفسهم، حيث أخبرونا بأن كل ما يريد مؤيدو الإمام الحسين عليه السلام معرفته من الكوامن والخفايا أمر ممكن ولكن عليهم الدخول إلى مدينة العلم من الباب الذي يقودهم إلى ضالتهم...
(إن في قصة الإمام الحسين (عليه السلام) كوامن جليلة، وخفايا كثيرة) الإمام الشيرازي
هنالك الكثير من الحقائق الخفية التي لا يمكن للإنسان بقدراته الطبيعة أن يعرفها، وهذه الحقائق موجودة وحصلت بالفعل كما في الأحداث المفجعة التي رافق استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في العاشر من محرم، فكما هو معروف ومتفق عليه، أن عقل الإنسان له قدرات محددة في عالم الوجود الدنيوي، وهناك أمور من المحال على عقله أن يتعرف عليها نتيجة انضمامها إلى عالم غير عالم العقل البشري.
ولهذا هنالك الكثير من الفجائع والوقائع التي حصلت وافقت مقتل الإمام الحسين، سوف لا يطلع عليها الناس إلا في العالم الآخر، وهذا ما يؤكد عقل الإنسان على معرفة هذه الأمور كونها تفوق طاقته العقلية الحالية، ولكن قصة الإمام الحسين عليه السلام هي قصة إصلاح على الرغم من أنها ترتبط بواقع الكون الرحيب واتصالها بعمق الحياة المليئة بالمعنويات، لذا يمكن أن نستفيد منها في إصلاح أمورنا وأوضاعنا كلها، كما يمكننا أن نحصل على السعادة، ونشر الدين وإحراز الآخرة.
الإمام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي يقدم لنا في كتابه القيم الموسوم بـ (رسالة عاشوراء/ الجزء 1)، إشارات واضحة عمّا خفي من قصة الحسين عن العقل، حيث يقول (رحمه الله):
(إن قصة الإمام الحسين (عليه السلام) قصة خالدة، ترتبط بواقع الكون الرحيب، وتتصل بعمق الحياة المليئة بالمعنويات، مما يمكن الاستفادة منها لإصلاح الدنيا في كل مجالاتها، واسعاد الإنسان في جميع أبعاده، ونشر الدين بكل فضائله، واحراز الآخرة بجميع خيراتها).
ومع ذلك يمكن لمن يريد أن يعرف حقائق وواقعيات قصة الإمام الحسين، أن يصل إليها، ولكن هذا الهدف الصعب العميق يحتاج بالمقال إلى مثابر عقلية، وتدبّر عميق، ودراسة متواصلة، ومواظبة لا حدود لها، وتعمّق في البحث والاستقصاء والتدبر العالي للوصول إلى منابع هذه الوقائع وأصولها الحقيقية.
طريقة الدخول إلى مدينة العلم
الحاجة للعمق والتدبر والمدارسة والمطالعة والاستقصاء العميق، مطلوب كشرط من شروط المعرفة والوصول إلى المبتغى، وذلك لأن قصة الإمام الحسين عليه السلام لا يمكن استيحاءها إلا من الوحي ولا يمكن استقاءها إلا من السماء، لهذا تستدعي التدبر والتعمق والمدارسة والبحث والاستقصاء العميق أملا بفهم ما صاحب قصة رحلة الإمام الحسين عليه السلام من لحظة خروجه من الحجاز حتى لحظة استشهاده في كربلاء المقدسة.
يقول الإمام الشيرازي في رسالة عاشوراء:
(إن وراء ما ظهر من قصة الإمام الحسين (عليه السلام) الخالدة، حقائق وواقعيات عميقة الغور، بعيدة المدى، لا ينالها الإنسان بفكره، ولا يدركها بعقله، إلا بعد تدبّرها وتحقيقها، مطالعتها ومدارستها، وذلك لأنها قصة مستوحاة من الوحي، ومستقاة من السماء).
ولأن استظهار تفاصيل ووقائع قصة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وما حصل من تفاصيل أحاطت بها، لا تختلف في بعض جوانبها عمّا يحيط بالظواهر الكونية غير المعروفة للإنسان، لذا لابد على الإنسان أن يحيط بغوامض الظاهرة الكونية حتى تتجلى له بواطنها، والأمر هنا لا يختلف عن قصة الإمام الحسين عليه، فلا يمكن معرفتها إلا بعد انتهاج الطريق التدبري العلمي الصحيح لاستكشافها.
لهذا جاء في النص القرآني الكريم (وأْوتوا البيوتَ من أبوابها)، وهذه إشارة للإنسان أن يمشي في الطريق القويم وأن يبحث ويستقصي ويتدبر بالشكل الصحيح حتى يصل إلى ضالته، ولهذا جاء في الحديث النبوي الشريف: (أنا مدينة العلم وعلي بابًها)، ومن يريد أن يصل إلى ما متاح في مدينة العلم عليه أن يدخل هذه المدينة من بابها، بمعنى لابد أن يطالع ويقرأ ويبحث في كتب ومؤلّفات ومنجزات وأحاديث وروايات أئمة أهل البيت عليهم السلام، حتى يتسنى له بصيص من العلم يمنحه المفاتيح التي تفتح ما يصعب عليه من وقائع ومواقف واحداث وتفاصيل رافقت استشهاد الحسين عليه السلام.
لذا قال الإمام الشيرازي:
(فكما أن وراء كل الظواهر الكونية، حقائق كامنة، وواقعيات باطنة، وأعماق نافذة، ومعنويات ضافية، لا يتمكن الإنسان الوصول إليها، ولا يستطيع دركها ولا فهمها إلا عن طريق اسبابها، فكذلك تكون قصة الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد قال الله سبحانه وتعالى: ((وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها)) (سورة البقرة، الآية 189) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة والحكمة فليأتها من بابها).
خفايا وكوامن جليلة في قصة الحسين
ومن خفايا قصة استشهاد الإمام أن السماء والأرض أطلقتا البكاء عليه، وهذا الفعل يرقى إلى المعجزات، ويصعب على العقل معرفة هذا المستوى من المعاجز، ليس هذا فحسب، فالشمس والفلك، والوحش والطير، كلها بكت الإمام الحسين عليه السلام، ولكن أئمة أهل البيت عليه السلام كشفوا الكثير الكثير مما خفي من الواقع، ولهذا يمكن للإنسان أن يصمم ويقرر ويبحث من دون كلل أو ملل ليصل إلى ضالته.
يقول الإمام الشيرازي في رسالة عاشوراء:
(إن في قصة الإمام الحسين (عليه السلام) كوامن جليلة، وخفايا كثيرة، قد كشف لنا عن بعضها أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، منها: بكاء السماوات والأرض، والشمس والفلك، والوحش والطير، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (زوروا الحسين (عليه السلام) ولا تجفوه، فإنه سيد شباب أهل الجنّة.. وشبيه يحيى بن زكريا، وعليهما بكت السماء والأرض).
ويضيف الإمام الشيرازي تأكيد لما قاله في هذا المجال: (بكاء السماء والأرض وما فيهما وما بينهما على الإمام الحسين (عليه السلام) حقائق كامنة لقصة الإمام الحسين (عليه السلام) نحن لا نعلمها، وإنما كشف لنا عنها، أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين أطلعهم الله تعالى على غيبه وعلى حقائق الأمور وواقعياتها).
لقد أطلع الله تعالى أئمة أهل البيت ببكاء الملائكة على الإمام الحسين في لحظة استشهاده، وقد قام الائمة الأطهار بإظهار هذه القضايا كلها فيما قدموه من كتب ومؤلفات وأحاديث شريفة وروايات، وتم جعلها في متناول الجميع، لكن على الإنسان الذي يريد أن يتعرف على هذه الكوامن التي اقترنت بقصة استشهاد الإمام الحسين، وأن يفهم الخفايا التي صعبت عليه مما حصل في كوامن تفاصيل استشهاد الحسين، يجب أن يثابر، يتدبر، يتعمق، يبحث بلا هوادة، ويقدم ما يكفي من الجهود العقلية والعلمية في البحث الجاد.
بهذه الطريقة وحدها، يمكن لكل من يؤمن بالحسين، طريقا، ومنهجا، ومبادئ، وانتماء أن يمضي قُدُما في الاتجاه الصحيح، وهو يتمثل بما أوضحه أئمة أهل البيت أنفسهم، حيث أخبرونا بأن كل ما يريد مؤيدو الإمام الحسين عليه السلام معرفته من الكوامن والخفايا أمر ممكن ولكن عليهم الدخول إلى مدينة العلم من الباب الذي يقودهم إلى ضالتهم.
وهذا ما يؤكده الإمام الشيرازي حين يقول:
(إن ضجيج الملائكة، وكذلك بكاؤهم على الإمام الحسين (عليه السلام)، وهكذا مكثهم حول قبره الشريف، واستقبالهم لزواره، وإكرامهم لهم، هو من كوامن قصة الإمام الحسين (عليه السلام) ومن حقائقه الباطنة، التي أخبرنا عنها من أطلعهم الله تعالى عليها، وذلك ما يؤكد على عظمة قصة الإمام الحسين (عليه السلام) وكبير وقعها وأهميتها).
في الآخر، ليس أمامنا نحن الذين نحب الحسين ونعلن انتماءنا له، ونتشدق بهذا الانتماء ونعلنه علنا وخفية أي أمام الذات، ليس أمامنا كي نحقق حياة سعيدة، وإصلاحا صحيحا، ومكانا مضمونا في الدار الأخرى، سوى أن نتمسك بمنهج الحسين وطريقه وعلومه ومبادئه كونها تمثل الامتداد الواضح والصحيح والأصيل للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، أما إهمال هذا الطريق أو التغاضي والابتعاد عنه والبحث في سبل أخرى، فهذا يعني أن حياتنا بائية خالية من السعادة وآخرتنا غير مضمونة، مما يتطلب منا التمسك بالعروة الوثقى إلى أبد الآبدين.
اضف تعليق