شرُوط لتكونَ الكَثرة فاعِلة ونافِعة ومُفيدة تتحقَّق فيها القوَّة بغضِّ النَّظرِ عن الخلفيَّة وهي؛ الإِجتماع وعدَم التَّفرقة، الطَّاعة بعد اتِّخاذِ القرار وهي من أَعظمِ حقُوقِ الرَّاعي على رعيَّتهِ في إِطارِ منظُومةِ الحقُوقِ المُتبادَلة بينهُما، أَداءُ الأَمانة والتي تتجلَّى في إِعطاءِ موقعِ المسؤُوليَّةِ حقَّهُ من الإِجتهادِ والجُهدِ والعملِ، النَّزاهة...
وهي من أَبرزِ خصالِ العاشورائيِّينَ، ومن أَعظمِ دروسِ كربلاء للذينَ يريدُونَ التَّتلمذِ في مدرسةِ الحُسينِ السِّبطِ (ع).
والشَّجاعةُ في ساحةِ القتالِ جزءٌ من القوَّة وليسَ كلَّها، فالقوَّةُ أَعم من الشَّجاعة بمعناها الحَرفي، والقرآن الكريم يشرحُ لنا هذا المَعنى في عدَّةِ آياتٍ مِنها قولهُ تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)، وقولهُ تعالى (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ)، و(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، و (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) و (يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) و (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ).
أَمَّا الذينَ يتصوَّرونَ بأَنَّ القوَّة تعني المال فقَط دونَ سائرِ الأَسبابِ والمُقوِّمات، فقد ردَّ القرآن الكريم هذا المفهُوم الأَعوج بقولِ الله تعالى في قصَّةِ طالُوت الذي آتاهُ الله المُلكَ في بني إِسرائيل (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
والقصَّةُ التي قلَبت مفهُوم القوَّة وأَدواتها في عقولِ المُجتمعِ تحدِّثنا عن مصادرِ القوَّةِ الحقيقيَّةِ في الزَّمكان المُحدَّد.
كما ردَّ القرآن الكريم المفهُوم الأَعوج للقوَّة الذي يعتمِد على الكَثرةِ فقط [العدَد] إِذ يتصوَّر البعض أَنَّ عددَ إِلجماعةِ إِن كانَ كبيراً فلابدَّ أَنَّها تمتلكَ أَسباب القوَّة فيما تفشل الجماعة ذات العدَد القليل في تحقيقِ ذلكَ!.
تقولُ الآية الكريمة (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
ولقد عانى أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) من الكثرةِ التي لم تتحقَّق بشرطِها وشروطِها ومن ذلكَ قولهُ (ع) (أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ وإِنِّي واللَّه لأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ وبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ وطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي الْبَاطِلِ وبِأَدَائِهِمُ الأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وخِيَانَتِكُمْ وبِصَلَاحِهِمْ فِي بِلَادِهِمْ وفَسَادِكُمْ، فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلَاقَتِه).
والنصُّ يحدِّد [٤] شرُوط لتكونَ الكَثرة فاعِلة ونافِعة ومُفيدة تتحقَّق فيها القوَّة بغضِّ النَّظرِ عن الخلفيَّة وهي؛
أ/ الإِجتماع وعدَم التَّفرقة (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
ب/ الطَّاعة بعد اتِّخاذِ القرار وهي من أَعظمِ حقُوقِ الرَّاعي على رعيَّتهِ في إِطارِ منظُومةِ الحقُوقِ المُتبادَلة بينهُما كما يرسمها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً ولَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ؛ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وتَعْلِيمُكُمْ كَيْلَا تَجْهَلُوا وتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا، وأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ والنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ والْمَغِيبِ والإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ والطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ).
ج/ أَداءُ الأَمانة والتي تتجلَّى في إِعطاءِ موقعِ المسؤُوليَّةِ حقَّهُ من الإِجتهادِ والجُهدِ والعملِ (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) و (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).
د/ النَّزاهة ونظافَة اليَد وعدمِ الإِنغماسِ بالفسادِ سواءً كانَ فَساداً ماليّاً أَو إِداريّاً أَو أَخلاقيّاً، لا فَرق! كما يصفُ ذلكَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) (كَانَ لِي فِيمَا مَضَى أَخٌ فِي اللَّه وكَانَ يُعْظِمُه فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِه وكَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِه فَلَا يَشْتَهِي مَا لَا يَجِدُ ولَا يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ).
ولأَنَّ الكَثرة التي كانت معَ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) لم يتحقَّق فيها أَيٍّ من هذهِ الشُّروط الأَربعَة لذلكَ لم يكُن يتوقَّع منهُم أَن يُحقِّقُوا الأَهداف السَّامِية التي مِن أَجلِها قادهُم الإِمام فظلَّ (ع) يُعاني من [كَثرتهِم] ويذمَّها ويتأَلَّم منها، كقولهِ (ع) (كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ والثِّيَابُ الْمُتَدَاعِيَةُ! كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ، كُلَّمَا أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَه وانْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّةِ فِي جُحْرِهَا والضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا.
الذَّلِيلُ واللَّه مَنْ نَصَرْتُمُوه! ومَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ.
إِنَّكُمْ (واللَّه) لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ وإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ ويُقِيمُ أَوَدَكُمْ ولَكِنِّي لَا أَرَى إِصْلَاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي.
أَضْرَعَ اللَّه خُدُودَكُمْ وأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ! لَا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ ولَا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقَّ!).
اضف تعليق