أَسَّسَ المُشرِّع كُلَّ شيءٍ في حياةِ الإِنسان على الحُريَّة بِدءاً من العقيدةِ وليسَ انتهاءً بالسُّلوكيَّات وقرَنَ المسؤُوليَّة مع حريَّة الإِختيار وتلكَ هي فلسفَة الخَلق، فأَنتَ حرٌّ إِذن أَنت مسؤُولٌ، والعكسُ صحيحٌ كذلكَ فأَنتَ عبدٌ إِذن أَنتَ غَير مسؤُول إِلَّا إِذا كانت عبوديَّتكَ من اختيارِكَ كأَن تختارَ العبوديَّة للمال...
عاشوراء معاييرٌ وأَبرزها [الحريَّة] فهي الأَساس وحجَر الزَّاوية لكُلِّ شيءٍ [الدِّين والأَخلاق والسُّلوك والعِبادات] وكُلَّ شيءٍ.
ولذلكَ قالَ الحُسين السِّبط (ع) مُخاطباً جيشَ البغي (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وكُنتُم لا تَخَافُونَ المَعَاد فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي دُنْياكُمْ) لأَنَّ الحُرَّ لا يفعَل ما فعلُوهُ البُغاة من جرائِمَ في كربلاء، أَمَّا باسمِ [الدِّين] فقَد يفعلَها المُتستِّر بعباءَتهِ وأَكثر! وها نحنُ نرى ونسمَع ونقرأ ونُتابع أَفعال [المُتديِّنينَ] من قتلٍ وذبحٍ وسبيٍّ للنِّساءِ وفسادٍ وسرِقةٍ للمالِ العامِّ وتعدٍّ على حقُوقِ النَّاس، وما أَفعالُ [الجَماعات الإِرهابيَّة السَّلفيَّة التَّكفيريَّة] الشَّنيعة المُغطَّاة بالفَتاوى [الدِّينيَّةِ] ببعيدةٍ عنَّا.
فالتديُّن الذي لا يقُومُ بناءهُ على حُريَّة الإِختيار فهوَ نِفاقٌ! والأَخلاقُ التي يضطرُّ المرءُ لتقمُّصِها في المُجتمعِ نِفاقٌ! ولذلكَ فعندَما وصفَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) أَنواع الذينَ يعبدُونَ الله تعالى قالَ (إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّه رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ وإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّه رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ وإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّه شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الأَحْرَارِ).
وما خلا الأَخيرة فإِنَّها تُنتِجُ [تديُّناً] يلفَّهُ الكثير مِن الشكِّ والرِّيبةِ وعدمِ اليقينِ، فلَقد سَمِعَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) رَجُلًا مِنَ الْحَرُورِيَّةِ يَتَهَجَّدُ ويَقْرَأُ فَقَالَ (نَوْمٌ عَلَى يَقِينٍ خَيْرٌ مِنْ صَلَاةٍ فِي شَكٍّ).
حتَّى الصَّبرُ إِذا لم يعتمِد حريَّة الإِختيار فإِنَّهُ ينهار في أَوَّل إِختبار كما يقولُ (ع) (مَنْ صَبَرَ صَبْرَ الأَحْرَارِ وإِلَّا سَلَا سُلُوَّ الأَغْمَارِ).
لقد أَسَّسَ المُشرِّع كُلَّ شيءٍ في حياةِ الإِنسان على الحُريَّة بِدءاً من العقيدةِ وليسَ انتهاءً بالسُّلوكيَّات وقرَنَ المسؤُوليَّة مع حريَّة الإِختيار وتلكَ هي فلسفَة الخَلق، فأَنتَ حرٌّ إِذن أَنت مسؤُولٌ، والعكسُ صحيحٌ كذلكَ فأَنتَ عبدٌ إِذن أَنتَ غَير مسؤُول إِلَّا إِذا كانت عبوديَّتكَ من اختيارِكَ كأَن تختارَ العبوديَّة للمالِ أَو السُّلطةِ أَو للزَّعيمِ الفاسِد!.
ولذلكَ رفضَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) كُلَّ أَشكال العبوديَّة والتَّنازل عن الحريَّة بأَيِّ شكلٍ من الأَشكال وفي كُلِّ الظُّروفِ، فرفضَ تنازُل المرء عن حريَّتهِ لصالحِ غيرهِ بقولهِ (ع) (لا تكُن عبدَ غيرِكَ وقَد جعَلكَ الله حُرّاً) كما رفضَ أَن يتنازلَ أَحدٌ عن حريَّتهِ لصالحِ الطَّمعِ مثلاً كما في قولهِ (ع) (لا يَسترِقَّنَّك الطَّمعُ وقَد جعَلكَ الله حُرّاً) فـ (أَكْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ) كما يقُولُ (ع).
فليسَ بالضَّرورة أَن تكونَ عبداً لأَحدٍ فقد تكونُ عبداً لنفسِكَ الأَمَّارة بالسُّوء أَو لشهَواتكَ وشُهرتِكَ أَو يسترقَّنَّكَ الطَّمعُ بالمالِ أَو الجنسِ أَو السُّلطةِ أَو النُّفوذ أَو حبِّ الجاهِ أَو أَيِّ شيءٍ آخر.
ولأَنَّ أَصلَ الإِنسان حُريَّتهُ حتَّى قبلَ دينهِ وعقيدَتهِ وسلوكهِ لذلكَ ثبَّتَ المُشرِّع هذا الأَساس ورفضَ لأَيِّ أَحدٍ أَن يتنازلَ عنهُ لأَنَّ التَّنازل يُدمِّر المنظُومة برُمَّتِها.
يقولُ تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) و (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) و (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) و (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) و (وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيؤُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ) و (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
فإِذا كانَ المُشرِّع قد ضمِنَ لعبادهِ الذينَ خلقهُم حريَّة الدِّين والعقِيدة والإِيمان فكيفَ يُجيزُ البشَر لأَنفسهِم تحديد حُريَّة الإِنسان في ذلكَ؟! من سمحَ لهُم أَن يبنُوا علاقاتهُم الإِجتماعيَّة وسلوكيَّاتهِم اليوميَّة معَ بعضهِم على أَساس الدِّين والعقِيدة والإِيمان؟! ثُمَّ يُفتِّشُوا في عقائدِ النَّاسِ فهذا مُؤمِنٌ والآخر كافِرٌ!.
ثمَّ، إِذا كانت حُريَّة العقِيدة مُصانة بتشريعٍ سماويٍّ فما بالكَ في الأُمورِ الأُخرى التي تأتي في الدَّرجةِ الثَّانيةِ بعد الإِيمان مهْما عَلا شأنها؟!.
إِنَّ حماية الإِنسان لحريَّتهِ وعدم التَّفريط بها والتَّنازلِ عنها لأَيِّ سببٍ من الأَسباب واجبٌ عينيٌّ وهوَ الأَمرُ الذي يتطلَّب العمَل بشرُوطِ الحريَّة ومقوِّماتها لحمايتِها وإِلَّا…كما يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) (مَنْ قَصَّرَ عَنْ أَحْكامِ الْحُرِّيَّةِ أُعيدَ إِلى الرِّقِّ).
وما أَعظَمها من مُعادلةٍ عميقةِ المُحتوى!.
وبرأيي فإِنَّ حماية الحريَّة مسؤُوليَّة عينيَّة تنطلِقُ من سُؤَالٍ؛
- هل أَنَّكَ تقرأ كِتاباً وتكتُب مقالاً وتُعبِّر عن رأيِكَ وتُفكِّر وتتأَمَّل في الحوادثِ بحُريَّةٍ وبقناعَاتكِ الذاتيَّة التي تبني بها الرَّأي والمَوقف؟! أَم أَنَّك تفعَل كُلَّ ذلكَ كالمُستأجرَة أَو تحتَ الضَّغط والإِكراه أَو استسلاماً لرَغباتٍ أَو إِرضاءً لزيدٍ أَو حُبّاً بعمرُو أَو خجلاً من أَو مُجاملَةً لـِ [الجماعة]؟!.
إِذا كُنتَ تفعَل كُلَّ ذلكَ بحريَّةٍ فواظِب على ذلكَ أَمَّا إِذا شعرتَ بأَنَّ يداً خفيَّةً تتحكَّم بكَ فاقطَعها فَوراً ولا تدَعها تتمدَّد وتُسيطر وتتحكَّم!.
- هل أَنَّكَ تميلُ لهذا الزَّعيم وترغَب بذاكَ القائِد وتتَّبع ذلكَ الفقِيه بحريَّتكَ وبإِرادتكَ وباختيارِكَ المبني على القَناعاتِ الثاَّبتة والرَّاسخة؟! أَم أَنَّ أَحداً خلفَ السِّتار يدفعَكَ لهذا على ذاك أَو أَنَّك تفعل كُلَّ ذلكَ بسببِ طمعٍ في مالٍ أَو جاهٍ أَو منصبٍ أَو للإِستعراضِ والتودُّدِ؟!.
إِذا كانَ الأَمرُ بإِرادتكَ الحُرَّة فاستمِر على ما أَنتَ عليهِ وتوكَّل على الله وإِلَّا، فالحذَر الحذَر من الشَّيء الذي يُرعِبكَ لتختار ويُرهِبكَ لتفتحَ النَّار ويُغريكَ لتقتفي الأَثر، وأَنتَ نائِمٌ مُخدَّرٌ لا تدري ما يُرادُ بكَ ولكَ!.
- ولاءاتكَ، هل تختارَها بكاملِ حريَّتك وبقناعاتكَ الشخصيَّة؟! أَم أَن هناكَ مَن يختارَها لكَ أَو يفرضَها عليكَ فرضاً أَو أَنَّكَ تختارها متأَثِّراً ومحكوماً بالأَجواءِ أَو ما يُسمَّى بـ [الشَّعبويَّة]؟!.
إِذا كنتَ أَنت الذي تختارَها بقناعةٍ بعدَ تمحيصٍ وتدقيقٍ وتثبُّتٍ فأَنتَ حرٌّ، وإِلَّا فأَنتَ عبدٌ ينبغي عليكَ الإِنتباه لنفسِكَ حتَّى لا تُسترَق!.
القربُ والبعدُ عن عاشوراء، إِذن، يُقاسُ بسِعَةِ حُريَّتكَ وحجمِ وعُمقِ إِرادتكَ، فكُلَّما كبُرت كُلَّما اقتربتَ من كربلاء والعكسُ هوَ الصَّحيح فكُلَّما ضاقَ مجال حُريَّتك وتقلَّصَت إِرادتك كُلَّما ابتعدْتَ عن عاشُوراء، فهيَ معاييرٌ وليست شِعارات!.
اضف تعليق