في تاريخنا كله، لا توجد لحظة تستحق الاستذكار والاستلهام كلحظة عاشوراء وواقعة الطف التي كانت فيها دماء الحسين عليه السلام شمسًا للحرية وثورة للتصدي للانحراف في حياة الأمة. فكانت هذه الوقفة المبدئية وستبقى درسًا تربويًا وأخلاقيًا ونموذجًا وأسوة يتأسى بها المظلومون في مواجهة ظالميهم، فثورة الحسين راية يرفعها الشرفاء ضد الانحراف والفساد...

في تاريخنا كله، لا توجد لحظة تستحق الاستذكار والاستلهام كلحظة عاشوراء وواقعة الطف التي كانت فيها دماء الحسين عليه السلام شمسًا للحرية وثورة للتصدي للانحراف في حياة الأمة. فكانت هذه الوقفة المبدئية وستبقى درسًا تربويًا وأخلاقيًا ونموذجًا وأسوة يتأسى بها المظلومون في مواجهة ظالميهم، فثورة الحسين راية يرفعها الشرفاء ضد الانحراف والفساد.

فالحسين كثورة ومنهج ورمز ليس لطائفة بعينها أو لدين بذاته، وإن تبنت طائفة ما هذه الثورة، إلا أنها ليست حكرًا لها. وإن كان الحسين مسلمًا كما هو معروف، إلا أن ثورته ليست للمسلمين فحسب، بل هي مصدر إلهام للإنسانية جمعاء. ثورة الحسين عليه السلام ثورة للإنسانية جمعاء، فهي ثورة الحق ضد الباطل وثورة الحرية والكرامة ضد الخنوع والخضوع والاستسلام.

أسئلة عديدة تحضر مع عطر الذكرى وأحزانها: من يجاري مبدئية الحسين ونزاهته؟ اصطحب أبناءه وآل بيته وهو يتوجه للموت، ومن يتعامل مع أصحابه كما تعامل الحسين مع أصحابه وأنصاره؟

هل نستطيع الاقتداء بالحسين كمدرسة أخلاقية شاهقة السمو والرفعة؟ الحقيقة للأسف، فما زال البعض متمسكًا بالقشور والرياء، تاركًا بل كارهًا لمبدئية الثورة ومنهجها الأخلاقي؛ لأن ثمن هذا المنهج وهذه المبدئية باهظ جدًا. ذاكرة عاشوراء وتاريخها مليئة بالمواعظ والقيم الأخلاقية والتربوية التي يمكن الاهتداء والتأسي بها، كقيمة البطولة والإقدام والتصدي للانحراف والثورة على الظالمين، وقيمة الفداء والجود بالنفس ("الجود بالنفس أعلى غاية الجود") والإيثار وتقديم أغلى ما يمتلكه الإنسان وهي روحه.

هذه القيم واستحضارها تربويًا وأخلاقيًا وتحويلها إلى منهج تربوي أخلاقي، نحن بحاجة إليه لإعادة التوازن لقيمنا الاجتماعية المتخلخلة تحت تأثير الوافد الثقافي الذي يفرض مركزيته ويسعى لمسح ما يعترضه. الصبر والثبات الذي عبّر عنها الحسين وآل بيته وصحبه هو الآخر مصدر قوة لاستعادة الأمة لروحها في مواجهة التحديات باستجابات بمستواها بل أكبر منها وأقوى لتحقيق الثبات في الحاضر لبناء المستقبل. ما نتحدث عنه ليست دعوات ماضوية كما يفهم البعض ويفسر، بل هي دعوة لاستلهام الدروس من قيم الماضي وليس استحضاره أو الذهاب إليه.

حين نقول إن عاشوراء أيقونة الثورة ومثابة الثوار، فنحن نقصد أنها لحظة مجيدة يمكن السعي لتحويلها إلى مرجعية للإصلاح ومصدر قوة للمصلحين. خلود اللحظة رغم ما رافقها من حزن وفقدان ومآسٍ هو مصدر إشعاعها وبريقها الأخّاذ الذي يشد القلوب والعقول إليه، والذي رسم لوحة "انتصار الدم على السيف"، فهزم السيف واندثر وذهب حملته إلى البوار والخسران، وسطعت شمس الدم التي مثلت شمس الحرية والكرامة والتصدي للانحراف والفساد والإفساد. كان لواقعة الطف آثارها في حياة الأمة عبر التاريخ، إذ لم يخمد سعيرها، بل ظل مستمر التوقد يقتبس منه المصلحون كلما كانت الحاجة قائمة لنهضة إصلاح وتصدٍ.

استحضار لحظة عاشوراء ظل قائمًا والتأسي بوقائعها بقي مستمرًا كلما طغى الظالمون واستبد المنحرفون وشاع الفساد. لهذا ترتعد فرائص الحكام المستبدين كلما حانت ذكراها، فيدّعون القرب أو الوصل بها، ولكن الفرق بين الحالين كالفرق بين الثرى والثريا.

اضف تعليق