لِنأخذ نموذج مؤتمر سان فرانسيسكو عام ١٩٤٥م، الذي تضمن نصوصًا وقواعد لإرساء العدالة، لكن الواقع يُحدثنا العكس تمامًا، فهذه فلسطين وقضيتها التي شغلت العالم وحركت ضمائر جميع الأحرار وصدرت الكثير من القرارات الأممية، لكنها لا قيمة لها، فإسرائيل المدعومة من الدول العظمى لم تلتزم بأي قرار، بل بالعكس كان القتل والتهجير والإقصاء والملاحقات مصير أهل فلسطين...
العدالة مفهوم مقدس ومطلب يسعى له الجميع وأهم عنصر في ديمومة الحياة الكريمة، وفي ظل كل المتغيرات تبقى العدالة مرتكزًا وعاملًا مهمًا في العيش بالأمن والاستقرار، ولكن عندما تعيش الواقع تجد هذا المفهوم هامشيًا وفي أسفل سلم الأولويات.
لِنأخذ نموذج مؤتمر سان فرانسيسكو عام ١٩٤٥م، الذي تضمن نصوصًا وقواعد لإرساء العدالة، لكن الواقع يُحدثنا العكس تمامًا، فهذه فلسطين وقضيتها التي شغلت العالم وحركت ضمائر جميع الأحرار وصدرت الكثير من القرارات الأممية، لكنها لا قيمة لها، فإسرائيل المدعومة من الدول العظمى لم تلتزم بأي قرار، بل بالعكس كان القتل والتهجير والإقصاء والملاحقات مصير أهل فلسطين.
وبعد غزو العراق للكويت تم احتلال العراق بعيدًا عن قرارات الأمم المتحدة، فقط قرارات أمريكية ودعم بريطاني في ظل حكومة توني بلير بحجة امتلاك العراق أسلحة دمار تهدد العالم وخصوصًا جيرانه، فتم احتلال العراق عام ٢٠٠٣م وتدمير كل ما هو موجود وحل كافة مؤسساته.
وهذه روسيا في ٢٤ فبراير من عام ٢٠٢٢م، تشن حربًا ضد أوكرانيا بحجة الدفاع عن نفسها لأنها استشعرت الخطر بانضمام أوكرانيا لحلف الأطلسي الذي تعتبره روسيا خطرًا على الأمن القومي الخاص بها. هذه النماذج الثلاث – فلسطين والعراق وأوكرانيا - بعيدة عن القوانين الدولية ولا وجود لمفهوم العدالة فيها، واليوم يعيش العالم صراع القوى وتنافسًا صفريًا بين الأقطاب المتنازعة لاستحكام مصادر القوة والمال، فعاشت الشعوب تداعيات هذا الصراع، فالخوف والفقر والمرض والجوع ينتشر في بقاع الأرض بسبب تلك الصراعات، فأين العدالة التي تدعيها تلك الأنظمة؟
فبيع الأصدقاء وخيانة الرفقاء وتداخل المصالح هي الحاكمة، فلا قيمة للأمم المتحدة ولا للمحاكم الدولية، فلا سان فرانسيسكو ولا عدالة ولا إنصاف، إنها الازدواجية والمصالح هي الحاكمة.
إسرائيل التي تمتلك القدرات النووية والتي ترفض التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي وترفض الخضوع للرقابة الدولية من المنظمات الدولية للطاقة النووية بعيدًا عن ميثاق الأمم المتحدة، لكنها في نفس الوقت تمنع وتحارب كل من يحاول أن يمتلك القدرة النووية من دول الشرق الأوسط، وفي حرب غزة تمسك نتنياهو بحجة الدفاع عن النفس مقابل عملية السابع من أكتوبر فأباد ودمر شعبًا ومدنًا بالكامل مع سكوت مطبق من قبل الدول الكبرى بل كانت داعمة له رغم القرارات التي صدرت من المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية لكنها لا قيمة لها عند ولا تأثير في متغيرات إسرائيل بل الإصرار والتعنت في القتل والتهجير والتدمير.
وأما أمريكا فإنها تتصرف بكل أريحية بدون أي رادع ولا اعتراف بأي معاهدات أو اتفاقيات، وهذا مؤشر على انتهاء العمل بمفهوم العدالة ولا قيمة للقوانين الدولية، فالعلاقات تحكمها المصالح وتتخادم فيما بينها وفق مفاهيم القوة والنفوذ، فتتغير إعدادات كل شيء وفق معطيات المصالح والقوة والتي تحدد العلاقات بين الدول وهو النظام المعمول به اليوم.
لكن أمريكا وبعد الحرب الباردة أصبحت المتحكم بمجمل النظام العالمي وفق مُتبنياتها بعيدًا عن رغبات وتطلعات الآخرين، لكن اليوم بعد صعود الدور الروسي والصيني ليتصدرا المشهد ليكون لهم بصمة في العالم ويكونا منافسين مُقلقين لأمريكا لمحاولة هيمنتهما على النظام العالمي أو يشاركا في تقسيم العالم مع واشنطن، فلم يعد هناك مكان للأخلاق والقيم السامية في قاموس الهيمنة، فالمصالح والقوة هي فقط من لها القول الفصل في تحديد مصير العالم.
فعلى دولنا النهوض بالواقع وتحمل المسؤولية وإعادة ترسيم المفاهيم والسير نحو البناء والتنمية وتطوير ما نملك خصوصًا أننا نملك العقول والثروات الطبيعية وغيرها، فضلاً عن موقعنا الاستراتيجي الذي يسمح لنا بتغيير تصميم خارطة العالم بشرط العمل بشكل سليم وجاد بعد التوكل على الله تعالى وما نملك من قدرات ومقومات تؤهلنا بالنهوض بالواقع، وأننا مَعنيون بإعادة النظر في كل شيء ابتداءً من أنفسنا، إن الفرصة موجودة والإمكانات مُتاحة، فالتنسيق والتفاهم والتعاون والاستفادة من التجارب نستطيع أن نكون نقطة جوهرية في كتاب التغيير القادم إن كانت هناك رغبة حقيقية وإلا سنبقى تحت وصاية الأنظمة العالمية، فاليوم أمريكا وغدًا الصين وبعدها الله أعلم، فالفرص لا تتكرر.



اضف تعليق