لا يمكن بناء دولة حديثة يعيش جميع مواطنيها بسلام وبكامل حقوقهم إلا من خلال تطبيق القانون والفصل بين السلطات، والابتعاد عن العصبية بجميع أشكالها، ومحاربة الفساد والمحاصصة والإقصاء والملاحقات غير القانونية وتكميم الأفواه وتقييد الحريات. نعم، لا يأتي كل هذا بيوم وليلة، إنما يحتاج إلى زمن وجهد وصبر، وهذا يتحقق إذا ضمنا وجود دستور يحفظ الحقوق والواجبات...

يمتاز العراق بتعدد قومياته ومذاهبه بنسب متفاوتة، لذا يحتاج إلى قيادة واعية تدرك هذه التعددية وتتعامل وفق رؤية مرنة منسجمة مع المتغيرات بمعطيات محسوبة، بعيداً عن الاستقواء السياسي أو التهميش والمحاصصة، بل التعامل مع الوحدات البشرية المختلفة ومتبنياتها الأيديولوجية بشكل يضمن للجميع حقوقهم، مع العمل على تحقيق العدالة؛ لأن الشراكة الوطنية ضمانة لاستقرار البلاد سياسياً وأمنياً. فتعدد الثقافات والأعراف والتوجهات عامل مهم وصحي لمن يجيد التعاطي معه، وهذا لا يتسنى لكل شخص أو جهة، إنما هو أمر في غاية الحساسية والأهمية، وقد وقع الكثير في مستنقع الطائفية والحزبية؛ مما أفقد البلد الكثير من الاستقرار والسيادة.

وفي خضم المتغيرات المتسارعة داخلياً وخارجياً، وبروز قوى صاعدة في العالم، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والحرب الروسية الأوكرانية، وحرب المياه والطاقة، ومع ما يملك العراق من جغرافية وطاقات وإمكانات وثروات طبيعية وغير طبيعية، جعلت منه نقطة مركزية ومحورية في حسابات الفاعل الدولي؛ حيث أصبحت ساحته مفتوحة للكثير من المتنافسين المحليين والإقليميين والعالميين. 

فكان لزاماً على النخب العراقية أن تتحمل مسؤولية النهوض بالواقع وتحمل أعباء المرحلة، وأن تدرك حجمها، ومن أهمها الانفتاح على الجميع بعيداً عن قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم، وخصوصاً مع شعبه؛ ليفتح الطريق للجميع بالمشاركة في بناء الدولة العصرية، لأن مواجهة التحديات الصعبة مسؤولية الجميع.

وأهم عنصر في هذا الصراع هو تحقيق المنجزات الأمنية والسياسية والبنى التحتية، ومكافحة البطالة والفقر والمرض والجهل، والمصالحة الداخلية، وعلاقات العراق الخارجية والابتعاد عن سياسة المحاور وغيرها؛ هذه العوامل هي الكفيلة في بناء دولة ناجحة، والتي ينبغي أن تكون الأولوية في التفكير السياسي والحكومي بعيداً عن النزعات المذهبية والحزبية.

لا يمكن بناء دولة حديثة يعيش جميع مواطنيها بسلام وبكامل حقوقهم إلا من خلال تطبيق القانون والفصل بين السلطات، والابتعاد عن العصبية بجميع أشكالها، ومحاربة الفساد والمحاصصة والإقصاء والملاحقات غير القانونية وتكميم الأفواه وتقييد الحريات. نعم، لا يأتي كل هذا بيوم وليلة، إنما يحتاج إلى زمن وجهد وصبر، وهذا يتحقق إذا ضمنا وجود دستور يحفظ الحقوق والواجبات، ويكون مستنداً ومرجعاً يعود إليه الجميع، ويكون حاكماً لا يخضع للأهواء والرغبات، بل دستور يجمع أبناءه لا يفرقهم، يلتزم به الجميع بلا استثناء ولا يخضع للانتقائية والمصالح الضيقة، وبشرط أن لا تكون القوى السياسية والشخصيات أعلى منه وتفسره حسب رغباتها ومصالحها، وأن لا يكون شعاراً يتغنى به البعض لاستغلال الناس، ويجب تفعيله، وأن لا تكون الاتفاقات هي من ترسم خارطة البلد وفق معطيات المصالح الحزبية؛ إن أدوات البناء لا بد أن تكون حاضرة وسليمة وليس مشوهة وقديمة.

ما أحوجنا إلى نخب تساهم في توظيف وممارسة العمل النخبوي الفعال، متزامناً مع الكفاءة والوطنية والإخلاص؛ لإسعاف البلد وتصفير أغلب المشاكل.

اضف تعليق