لا يمكن فهم أزمة شريحة H20 بمعزل عن التوترات الجيوسياسية الأوسع بين الصين والولايات المتحدة. هذه الشريحة، التي صممتها Nvidia خصيصًا للسوق الصينية للامتثال لقيود التصدير الأمريكية، أصبحت الآن محور صراع جديد. في البداية، اعتبرت واشنطن أن شحنات H20 إلى الصين تشكل خطرًا على الأمن القومي...
في شهر يوليو الماضي، كانت إدارة شركة Nvidia، عملاق تصنيع الرقائق الأميركية الأكثر تقدمًا في العالم، مستدعاة من إدارة الفضاء السيبراني الصينية، والسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي بشأن رقائق الذكاء الاصطناعي H20، التي قد تحتوي على «تقنية تتبع» أو ما وصفته بكين بـ«أبواب خلفية»، تسمح بتشغيلها عن بُعد.
ومنذ ذلك الحين، تواصلت الضغوط الصينية على Nvidia، إلى أن تلقّت صدمة في أغسطس بعد أن طلبت بكين من شركاتها التكنولوجية التوقف عن استخدام رقائق H20 الخاصة بالشركة، وأخيرًا أقرت هيئة تنظيم السوق الصينية بأن Nvidia قد انتهكت قوانين مكافحة الاحتكار في صفقة الاستحواذ على شركة ميلانوكس تكنولوجيز، وهي شركة تصميم رقائق تمت عام 2020. فما هي تفاصيل الأزمة بين بكين وعملاق الرقائق الأميركية؟
أزمة أمنية وتجارية متصاعدة
لا يمكن فهم أزمة شريحة H20 بمعزل عن التوترات الجيوسياسية الأوسع بين الصين والولايات المتحدة. هذه الشريحة، التي صممتها Nvidia خصيصًا للسوق الصينية للامتثال لقيود التصدير الأمريكية، أصبحت الآن محور صراع جديد.
في البداية، اعتبرت واشنطن أن شحنات H20 إلى الصين تشكل خطرًا على الأمن القومي، مما أدى إلى حظر فعلي في أبريل. ورغم جهود Nvidia لإقناع الحكومة الأمريكية بالسماح ببيعها، يبدو أن بكين نفسها لم تعد متحمسة للرقاقة. ففي أغسطس، استدعت السلطات الصينية شركات مثل تينسنت وبايت دانس للاستفسار عن سبب شرائها لرقائق H20 من إنفيديا، وعبرت عن مخاوف بشأن مخاطر أمن المعلومات، وفقًا لما ذكرته مصادر الشهر الماضي.
وفي حديث للصحفيين، أقر جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لـ Nvidia، بأن الصين طرحت أسئلة حول وجود «ثغرات أمنية»، وأكد أن الشركة أوضحت أنها لا توجد. وأضاف أنه «فوجئ» بالاستفسارات، معربًا عن أمله في أن يتم حل المشكلة.
وذكرت Nvidia أن «السوق يمكن أن تستخدم H20 بثقة»، مضيفة: «إن H20 ليس منتجًا عسكريًا أو للبنية التحتية الحكومية. ولن تعتمد الصين على الرقائق الأمريكية في العمليات الحكومية، تمامًا مثلما لن تعتمد الحكومة الأمريكية على رقائق من الصين. ومع ذلك، فإن السماح باستخدام الرقائق الأمريكية في الأعمال التجارية المفيدة هو أمر جيد للجميع».
خسائر رقائق H20
ونقلت CNBC عن محللين أن هذه التحركات تمثل ضربة لـ Nvidia، التي كانت قد تكبدت خسارة بقيمة 4.5 مليار دولار في مايو بسبب مخزونها غير المباع من بعد بدء سريان قيود التصدير.
وقال تشينغيوان لين، المحلل في شركة بيرنشتاين، لشبكة CNBC، إن حظر الصين الكامل لرقائق H20 قد يعرض مبيعات إنفيديا السنوية في الصين، والتي تتجاوز 20 مليار دولار، للخطر، كما يرى محللون في صناعة الرقائق أن تحركات بكين تعزز التزامها بحملات الاكتفاء الذاتي من الرقائق، وتأكيدًا على نيتها مقاومة خطة إدارة ترامب لإبقاء الأجهزة الأمريكية للذكاء الاصطناعي مهيمنة في الصين.
في السياق ذاته، طلبت Nvidia في أغسطس من بعض مورّدي المكونات لديها وقف الإنتاج المتعلق بوحدات المعالجة الرسومية H20 المصممة خصيصًا للصين، حسبما أفادت صحيفة “ذي إنفورميشن” يوم الجمعة.
ونقلت الصحيفة، أن Nvidia طلبت من شركتي أمكور تكنولوجي، ومقرها أريزونا، والتي تتولى التغليف المتقدم لرقائق H20، وشركة سامسونج إلكترونيكس الكورية الجنوبية، التي تزود الرقائق بالذاكرة، وقف الإنتاج. وذكر تقرير منفصل لوكالة رويترز أن إنفيديا طلبت من شركة فوكسكون تعليق العمل المتعلق برقائق H20.
اتهامات بانتهاك قوانين مكافحة الاحتكار
لم يتوقف الضغط الصيني على الجانب الأمني فحسب، بل امتد إلى الجانب التجاري. فقد أعلنت إدارة الدولة لتنظيم السوق (SAMR) في الصين، اليوم، أن تحقيقًا أوليًا وجد أن Nvidia انتهكت قوانين مكافحة الاحتكار الصينية في صفقة استحواذها على ميلانوكس. وتُعد هذه الخطوة بمثابة رسالة واضحة من بكين بأنها ستستخدم كافة الأدوات القانونية المتاحة للضغط على الشركات الأمريكية، خاصة في قطاع التكنولوجيا، بحسب تقارير إعلامية.
يُذكر أن الصين كانت قد وافقت على الصفقة في عام 2020، لكنها فرضت شروطًا تمنع Nvidia من التمييز ضد الشركات الصينية. وذكرت السلطات أن التحقيق سيتواصل، وقد يؤدي إلى فرض غرامات كبيرة على إنفيديا تصل إلى 10% من مبيعاتها السنوية في الصين والتي تتجاوز 20 مليار دولار.
موقف إنفيديا بين مطرقة واشنطن وسندان بكين
تجد إنفيديا نفسها في وضع حرج بين مطرقة واشنطن وسندان بكين. فمن جهة، تمنعها الولايات المتحدة من بيع رقائقها الأكثر تطورًا (مثل H100) للصين. ومن جهة أخرى، تشكك الصين في أمن الرقائق التي صممتها إنفيديا خصيصًا للامتثال لهذه القيود.
هذه الأزمة لا تتعلق فقط بشريحة H20، بل هي انعكاس للصراع الأوسع على التفوق التكنولوجي. فبينما تحاول واشنطن إبطاء تقدم الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، تسعى بكين جاهدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة الرقائق، وتستخدم كل وسيلة متاحة لفرض شروطها.
اضف تعليق