ما أراده الحسين عليه السلام هو إنقاذ الإسلام والمسلمين من الهجمة التحريفية التي أطلقها بنو أمية ويزيد، كما أنه أراد أن يدحر بؤر المنكر التي تم زرعها بين المسلمين، وأن يكون المعروف هو السائد بين المسلمين، سواء في التعاملات المختلفة، أو في حماية المصالح والحقوق...

(أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يخرج الأمة من المنكر إلى المعروف،

وكان يريد أن يضع حداً للمنكر) الإمام الشيرازي

منذ بدايات شهر صفر، بدأت حشود الزوار الكرام تتدفق من كل حدبٍ وصوب على مدينة كربلاء المقدسة، كي تشارك في إحياء زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، في شعيرة قلّ نظريها على الصعيد العالمي، ومع مرور الأيام والسنين والعقود، تتزايد نسب الزائرين الكرام بصورة لافتة، كأنها تعلم بأن الله تعالى فتح غاية الحياة بأهل بيت النبوة وبهم سيختمها.

فقد قال الإمام الحسين عليه السلام: (إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله وبنا ختم)، وكل إنسان يقرأ هذا الكلام يتمنى ويأمل بعد أن يسعى، ليكون من الموالين لآل البيت، ومن المناصرين لقضية الإمام الحسين، وما هذه الحشود المليونية التي تتوجه إلى كربلاء المقدسة، إلا سعيا لنصرة عاشوراء، وإحياءً لمراسيم زيارة الأربعين بالطرائق والمستويات التي تليق بها كونها تخص سيد شهداء أهل الجنة.

فالحسين الثائر الذي أطلق صوت الحق عاليا ضد الزمرة الباغية بقيادة يزيد، بعد أن بلغ المنكر ذروته، وتجاوز فيها جميع الخطوط الحمر، وباشر بأفعاله وأقواله ومخططاته إلى تكريس الانحراف في الرسالة النبوية بعد أن أنشأ الفرق العديدة التي أخذت على عاتقها تشويه الأحاديث الشريفة، وتجيد صناعة البدع، وتشويه العقائد، لذا خرج الإمام الحسين عليه السلام، قاصدا إخراج الأمة من مستنقع المنكرات بعد أن يضع حدّا للمنكر.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في إحدى محاضراته الخاصة بزيارة الأربعين الحسيني:

(أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يُخرِج الأمة من المنكر إلى المعروف، وكان يريد أن يضع حداً للمنكر، وأن ينتشل الأمة من الحضيض الذي أركست فيه إلى العز، وذلك عندما رضيت الأمة الإسلامية بواقعها المتردي، المتمثل بالخمول، والركون إلى الدنيا، والسكوت على الظلم).

لقد لاذت الأمة بالصمت والسكوت على ما فعله معاوية، ومن بعده ابنه يزيد الذي يدّعي خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا ادعاء فارغ وباطل ومنكَر، فالذي يخلف الرسول الأكرم، لا يمكن أن يفضّل المنكر على المعروف، ولا يمكن أن يسعى لتحريف الإسلام، وتشويه التعاليم ووضع الأحاديث المزوَّرة بما يخدم مصالحه السلطوية ويحمي عرشه من الانهيار.

إحياء روح الإيمان في الأمة 

وعندما لاحظ سبط النبي محمد صلى الله عليه وآله، ما يجري لأمة جدّه وأبيه، وما يتعرض له الإسلام من موجة تحريف هائلة، قرّر أن يبث روح الإيمان والحق في أمة الإسلام من جديد، وأن يستنهض فيهم تلك الخصال والسمات التي ساهمت في تأسيس أول دولة إسلامية عظمى، وأنشأت مجتمعا حضاريا رفيعا بعد أن كانت ترتع في مستنقع الجهل.

فبدأ الإمام الحسين عليه السلام رحلة الحق التي كانت محاطة بالمخاطر الجسيمة، والتحق به أولئك المؤمنون بالإسلام الحق وبما أسسه وأقامه الرسول صلى الله عليه وآله، فاحتشد والتفَّ حول الحسين رجال مؤمنون صادقون وقاصدون لردع المنكر ورفع راية المعروف عاليا.

يقول الإمام الشيرازي:

(لقد أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يبث روح الإيمان والحق في أمة الإسلام لتنهض من جديد، إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنه كان يرى أن الدين على وشك أن يُحرف، فأراد أن يعيد الدين غضا طرياً).

وحتى بعد أن فاز الإمام الحسين بالشهادة من أجل إحياء رسالة جده، واستنقاذ الإسلام والمسلمين، فإن تلك الشهادة خلَّدت الإمام، وجعلت منه رمزا خالدا يبث روح النصر والعزيمة في قلوب المستضعفين، الذين غالبا ما يكونوا ضحايا للحكام الطغاة.

ولهذا كانت ولا زالت وستبقى ملايين الزوار تتدفق على مرقد الحسين عليه السلام في كربلاء المقدسة، عرفانا وامتنانا منها لهذا الشهيد الأعظم الذي قدم روحه وذويه قرابين من أجل حرية الأمة، ودحر المنكر، وإعلاء شأن الإسلام والمسلمين بعد أن أساء يزيد إلى الدين وإلى كرامة الناس وحرياتهم وحقوقهم.

وها أن ملايين الزائرين يُقبلون بشوق نحو مرقد الحسين، كي يشاركوا في إحياء مراسم شعيرة الأربعين الحسيني، تخليدا لذكراه، وعرفانا بما قدمه للأمة، وامتنانا له على ما أحياه من سنن نبوية عظيمة، لأنهم يعرفون من هو الحسين عليه السلام وما هي مكانته عند الله ورسوله، لهذا دحرت النهضة الحسينية ألاعيب وأكاذيب وترّهات يزيد، وأفشلت كل ما سعى إليه من تخريب وعمليا إساءة للدين وللمسلمين.

لذا قال الإمام الشيرازي: 

(إن المتتبع للأحاديث التي جاءت حول فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، ومنها زيارة الأربعين، يدرك عظمة هذا الشهيد الطاهر، وعلو مكانه، وارتفاع شأنه وشموخه في العالمين ومقامه عند الله عز وجل).

استثمار زيارة الأربعين لإصلاح النفس

وقد أشاد الإمام الشيرازي بروح الإصرار الجماعي لإحياء زيارة الأربعين، وأكد على أنها زيارة ذات شأن عظيم لأنها تخص ثائرا عظيما، آثر أن يتخلى عن روحه ودمه لأجل المسلمين، لذا لا يبخل هؤلاء الزوار بأي شيء حتى يشاركوا في إحياء الأربعين الحسيني.

وفي هذه المناسبة طالب الإمام الشيرازي كل زائر من الزوار الكرام أن يستثمر هذه الزيارة الفريدة، كي يواصلوا الإلحاح والتوسّل للحصول على الدعم الحسيني المعنوي الذي يجعلهم قادرين على إصلاح أنفسهم، لأن زيارة الأربعين هي مناسبة كبيرة ومهمة لكي يبدأ كل زائر بإصلاح نفسه. 

ومن المهم أن يكون الزوار في وضع نقي وخالص كي يستجيب الإمام الحسين عليه السلام لدعائهم، ويمدّهم بالإيمان اللازم لتحقيق مرادهم، وأن يصبحوا من المؤمنين الحاصلين على شفاعة الحسين عليه السلام يوم لا ينفع الإنسان ماله وأبناؤه، بل عمله والشفعاء من ذوي الحظوة عند الله تعالى 

من هنا أكد الإمام الشيرازي قائلا: 

(يجدر بالزوار عندما يزورون الإمام الحسين (سلام الله عليه) أن يحاولوا - إضافة إلى الإلحاح في الطلب والتضرع - أن يصلحوا أنفسهم، وأن يكونوا في وضع تقتضي الحكمة أن يعطيهم الإمام (سلام الله عليه)، ويستجيب لهم). 

وحين يصل الزائرون، لإحياء مراسيم زيارة الأربعين، لابد أن يكونوا ممن يخدموا القضية الحسينية بكل صدق وإخلاص، وأن تكون قلوبهم في حالة نقاء وصدق تام، لأنهم يعيشون هذه الأيام في ربوع كربلاء المقدسة وفي ضيافة الإمام الحسين عليه السلام، لذا عليهم استثمار هذه الفرصة، والتوجّه بقلوب بالغة الصفاء والنقاء إلى شهيد الإسلام الأعظم ويطلبوا ما يريدون كي تصبح حياتهم أفضل ومساعيهم تمضي نحو التحقّق والنجاح.

ولكن يجب على كل زائر كريم، أن يعاهد الإمام الحسين على أن يضع الماضي بنوبه ومعاصيه خلف ظهره، ويبدأ من جديد معاهدا الإمام على أن يحسن التعامل مع أهله وذويه وأرحامه وأقاربه وجميع الناس الذين يلتقون به ويلتقي بهم في حياته العملية أو سواها.

الإمام الشيرازي يؤكد هذه النقطة ويقول:

(اسعوا حين تذهبون إلى الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في زيارة الأربعين إلى أن تكونوا بخدمة الإمام بقلوبكم، ويجدر بكم عند الحضور في مرقده الطاهر أن تعاهدوا الإمام على أن تتعاملوا بالحسنى مع الأرحام والأقارب والناس جميعاً).

وهكذا لاحظنا أن ما أراده الحسين عليه السلام هو إنقاذ الإسلام والمسلمين من الهجمة التحريفية التي أطلقها بنو أمية ويزيد، كما أنه أراد أن يدحر بؤر المنكر التي تم زرعها بين المسلمين، وأن يكون المعروف هو السائد بين المسلمين، سواء في التعاملات المختلفة، أو في حماية المصالح والحقوق، على أن يكون الإنصاف المتبادَل هو الفاعل الأهم والأول فيما بينهم، حتى تكون الأمة الإسلامية يدا واحدة وإرادة لن يشوبها الخلاف.

اضف تعليق