لماذا يسعى الرئيس الأمريكي ورجل الأعمال الثري وراء جائزة نوبل، ما هي الأسباب التي تدفع به صوب هذا الهدف؟ كلنا أو معظمنا شاهدنا بالأمس البيت البيضاوي وهو يضم أهم قادة البلدان الأوربية، والرئيس الأوكراني، ولاحظنا كيف اختلف خطاب وسلوك ترامب في هذا الاجتماع الذي جمعه بقادة أوربا، فقد تحول هذا الرئيس...
في البدء يتبادر للذهن سؤال أو أسئلة منها مثلا، لماذا يسعى ترامب كي ينال جائزة نوبل للسلام، ولماذا هذا السعي المحموم في دورته الرئاسية الثانية غير المتسلسلة؟، هل يفكر مثلا بالقيمة المالية التي يحصل عليها مقابل حصوله على جائزة نوبل، وإذا كانت الإجابة خصوصا عن السؤال الأخير، بالإيجاب، فهل يُعقَل أن رجل الأعمال الأمريكي الذي ورث عن أبيه هذا اللقب المهني، هل يُعقَل أنه يسعى لهذه الجائزة من أجل المال وهو المعروف بشغفه الشديد بالصفقات المليارية التي يعقدها هنا وهناك ومع هذا البلد أو ذاك...
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحا، لماذا يسعى الرئيس الأمريكي ورجل الأعمال الثري وراء جائزة نوبل، ما هي الأسباب التي تدفع به صوب هذا الهدف؟
كلنا أو معظمنا شاهدنا بالأمس البيت البيضاوي وهو يضم أهم قادة البلدان الأوربية، والرئيس الأوكراني، ولاحظنا كيف اختلف خطاب وسلوك ترامب في هذا الاجتماع الذي جمعه بقادة أوربا، فقد تحول هذا الرئيس المجبول بالجرأة اللفظية وبالخروج على التقاليد الدبلوماسية لدرجة أن الجميع راح يطلق عليه أوصافا ما أنزل بها من سلطان بسبب ألفاظه وحركاته وما يصدم به الرؤساء والمسؤولين الذين يستقبلهم في بلاده أو يلتقي بهم في الخارج.
الخروج على القواعد الدبلوماسية
من هذه المشاهد ما فعله ترامب بالرئيس الأوكراني الذي كان ضيفه في البيت الأبيض وكيف انتقده (خارج التقاليد الدبلوماسية) على ملبسه الذي لا يليق بالبيت الأبيض وبرئيس أمريكا، ورفع صوته عاليا في هذا اللقاء مع حركات باليد تدل على أنه لم يحسب حساب الكاميرات ولا الإعلام ولا أي شيء آخر، ولكن في لقائه مساء الاثنين لقادرة أوربا، ظهر فيه مختلفا تماما عن ترامب الذي نعرفه جيدا، وأنا شخصيا عزوْت هذا السلوك الدبلوماسي الهادئ لترامب خصوصا في حواره مع الرئيس الأوكراني إلى قرب الإعلان عن نتائج جائزة نوبل للسلام.
فكان ترامب في غاية الهدوء، وكثير الابتسام، وسمح للرئيس الأوكراني أن يتكلم كما يريد ويأخذ الوقت الذي يريد، على عكس ما حدث في اللقاء الأول، ويبدو أن هناك مستشارين ومعاونين لترامب نصحوه بالتالي (إذا كنت حريصا على حصد جائزة نوبل للسلام، فعليك أن تسلك السلوك الدبلوماسي الهادئ المنضبط)، ولهذا أظهر احتراما غير مسبوق للرئيس الأوكراني ولغيره من الرؤساء، كما أنه كان متعاونا مع الصحفيين في المؤتمر الصحفي بطريقة غير معهودة فيه، لدرجة أن الجميع كان يتساءل ما الذي غيَّر هذا الرجل المتسرع، غير الدبلوماسي، الذي يقول ما يشاء من دون أن يحسب حسابا للتقاليد الدبلوماسية أو سواها؟
لقد استمع الرئيس الأمريكي لنصائح مستشاريه جيدا، وأصغى لهم، ولا أستبعد بأنه تدرَّب أو أجرى تمارين على كيفية السيطرة على نفسه، والتمسك بالأصول والقواعد الدبلوماسية، والبقاء في حالة هدوء واستقرار نفسي وقبول بالآخر، والسماح للكل بأن يتكلموا بالمقدار الذي يشاؤون، ولكن لماذا أجبر ترامب نفسه على ذلك، أي على الظهور بمظهر الرئيس الدبلوماسي الهادئ والودود؟، ما الهدف من وراء ذلك، وما هو الدرس المستنتَج من ذلك؟
جائزة نوبل أمام معايير النزاهة مجدّدا
بالطبع المال المخصص من جائزة نوبل ليس هو الهدف من سعيه إليها، لأنه يمتلك الكثير من الأموال، أما الهدف الحقيقي الذي جعل ترامب يسعى وراء هذه الجائزة، كما أرى ذلك من وجهة نظري، أنه يريد أن يصنع لنفسه سيرة الرئيس المسالم، الذي يحب السلام، لذا سعى لتحقيق الصلح بين دولتيّ أذربيجان وأرمينيا، واليوم يريد أن يوقف الحرب الأوكرانية الروسية لكي تساعده أكثر في قطف الجائرة التي يسعى إليها.
ولكن هل يمكن أن ننسى دور ترامب ومواقفه من الحرب التي دارت بين إسرائيل وإيران؟، وهل ما قام به في حرب الـ (12 يوما)، تدل على أنه رجل سلام، ثم ما الذي فعله لأكثر من مليوني إنسان أغلبهم نساء وأطفال في غزة، حيث تتواصل هجمات الجيش الإسرائيلي عليهم حتى هذه اللحظة، من دون أن يجرؤ رجل السلام على إعلان تصريح يوقف هذه المذبحة التي وُصفت بأنها إبادة تحدث لأول مرة في التاريخ.
خلاصة ما أريد الوصل إليه أمرين:
الأول: قدم ترامب درسا مجانيا لغيره من الرؤساء ومن الساعين للفوز بجائزة نوبل، يعلّمهم فيه أن يتصنّعوا السلام، وأن يقوموا بالدور التمثيلي الجيد لرجل السلام حتى يحصلوا على ما يريدون.
الثاني: نقول إن لجنة التقييم في هذه الجائزة توضَع مرة أخرى أمام اختبار النزاهة والمصداقية في منح هذه الجائزة، وعليها أن تقارن بين أفعال وقرارات ترامب ونتائجها، وتستنج بشكل صحيح، هل هو رجل سلام فعلا، وهل يستحق هذه الجائزة بالفعل؟
اضف تعليق