ذكر تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي أنه على الرغم من أن قيمة العملات المستقرة أقل بكثير من قيمة البيتكوين، حيث تمثل حوالي 10% منها، إلا أن تأثيرها على النظام المالي في تزايد مستمر. ويرجع ذلك إلى ارتباطها المباشر بالأسواق المالية السائدة وإمكانات استخدامها المتعددة...
ذكر تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي أنه على الرغم من أن قيمة العملات المستقرة أقل بكثير من قيمة البيتكوين، حيث تمثل حوالي 10% منها، إلا أن تأثيرها على النظام المالي في تزايد مستمر. ويرجع ذلك إلى ارتباطها المباشر بالأسواق المالية السائدة وإمكانات استخدامها المتعددة. خلال العامين الماضيين، شهدت العملات المستقرة نموًا كبيرًا في الاستخدام والقيمة السوقية.
ما هي العملات المستقرة؟
العملات المستقرة هي نوع من العملات المشفرة مصممة لتجنب التقلبات الحادة التي تشهدها الأصول المشفرة مثل البيتكوين. وعلى الرغم من أنها تعتمد على تقنيات دفاتر الأستاذ الموزعة (blockchain) مثل باقي العملات المشفرة، فإنها تختلف عنها في عدة نقاط مهمة:
الرقابة والإدارة: تُدار العملات المستقرة من قبل شركات محددة، ما يجعلها مركزية أكثر من العملات المشفرة التقليدية.
الدعم بالأصول التقليدية: معظم العملات المستقرة مدعومة بأصول مالية سائلة مثل النقود أو سندات الخزانة الحكومية، وغالبًا بالدولار الأمريكي.
إحدى النتائج المباشرة لهذا النمو هي أن القيمة السوقية لأكبر عملتين مستقرتين قد تضاعفت ثلاث مرات منذ عام 2023، لتصل إلى حوالي 260 مليار دولار، فيما ارتفع حجم التداول بنسبة 90% ليصل إلى 23 تريليون دولار في 2024. وتشهد آسيا أعلى نشاط، متجاوزة أمريكا الشمالية، بينما تبرز أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية مقارنة بحجم ناتجها المحلي الإجمالي. معظم التدفقات المالية تتحرك من أمريكا الشمالية إلى بقية العالم.
حالات استخدام العملات المستقرة
وبحسب التقرير، اليوم، يُرتبط معظم تداول العملات المستقرة بتداول الأصول المشفرة، إذ تُستخدم كوسيلة لتسوية المعاملات بالعملات التقليدية بسرعة وسهولة. ومع ذلك، فإن استخدامها عبر الحدود في تزايد سريع.
أحد أبرز فوائد العملات المستقرة هو تسهيل المدفوعات الدولية وجعلها أسرع وأرخص. الأنظمة التقليدية غالبًا ما تكون بطيئة ومكلفة، لأنها تعتمد على شبكة من البنوك التجارية التي تتعامل فيما بينها، وتعرف باسم المصارف المراسلة. هذا النظام يتضمن عمليات متعددة، ساعات عمل مختلفة، وتكاليف إضافية قد تصل إلى 20% من المبلغ المُرسل في بعض الحالات. العملات المستقرة عبر تقنية البلوكشين توفر مصدر معلومات واحد، مما يقلل التعقيدات والتكاليف بشكل كبير.
كما يمكن للعملات المستقرة أن توسع نطاق الوصول المالي، خصوصًا في الدول النامية، حيث يُمكن للأفراد الوصول إلى خدمات الدفع الرقمية بسهولة أكبر مقارنة بالخدمات المصرفية التقليدية المكلفة أو المحدودة. هذا يتيح فرصًا للابتكار والمنافسة مع مقدمي الخدمات التقليدية، وخفض التكاليف، وزيادة تنوع المنتجات المالية الرقمية.
المخاطر المرتبطة بالعملات المستقرة
رغم الإمكانات الكبيرة، فإن العملات المستقرة تحمل بعض المخاطر. أهمها:
تقلب القيمة وفقدان الثقة: إذا انخفضت قيمة الأصول الداعمة أو فقد المستخدمون الثقة بقدرتهم على سحب أموالهم، قد يؤدي ذلك إلى تهافت على السحب وبيع الأصول بسرعة، مما يزعزع استقرار الأسواق المالية.
استبدال العملة الوطنية: قد يلجأ الأفراد أو الشركات إلى استبدال عملتهم الوطنية بالعملات المستقرة، خصوصًا في حالة عدم استقرار عملتهم أو ارتفاع التضخم. هذا يقلل من قدرة البنوك المركزية على التحكم بالسياسة النقدية.
تدفقات رأس المال: سهولة حركة العملات المستقرة عبر الحدود يمكن أن تؤدي إلى تغييرات مفاجئة في تدفقات رأس المال وأسعار الصرف، خصوصًا في الأسواق الناشئة.
الاستخدام غير المشروع: مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب، نظرًا لانخفاض تكلفة المعاملات وسهولة النقل عبر الحدود.
التحديات الدولية والتنظيمية
ووفقًا لتقرير صندوق النقد، فأن العملات المستقرة تحمل آثارًا كبيرة على النظام النقدي الدولي. قد تتأثر الفوائد المحتملة، مثل تسريع المدفوعات وخفض تكلفتها، إذا كانت هناك عدد كبير من العملات المستقرة غير المتوافقة مع بعضها، أو إذا كانت القوانين التنظيمية مختلفة بين الدول.
تنظيم العملات المستقرة لا يزال في بداياته، وقد أصدرت مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي ومجلس الاستقرار المالي توصيات للحد من المخاطر، مثل استبدال العملات، والحفاظ على ضوابط تدفق رأس المال، ومعالجة المخاطر المالية، وضمان الشفافية والنزاهة المالية، وتعزيز التعاون الدولي.
ومع ذلك، تختلف السياسات التنظيمية بين الدول، مما يخلق فجوات قد يستغلها مزوّدو العملات المستقرة. بعض الدول تبحث عن إمكانية وصول مزوّدي العملات المستقرة إلى سيولة البنوك المركزية، ما قد يقلل مخاطر الانهيار المالي.
التعاون الدولي
الطبيعة العابرة للحدود للعملات المستقرة تزيد تعقيد إدارة التدفقات المالية، خصوصًا عندما يُصعب تتبع موقع وجنسية حامليها، مما يؤثر على جودة الإحصاءات المالية والنقدية. يمكن أن تُتداول العملات المستقرة خارج نطاق التنظيم الرسمي، ما يصعّب مراقبة التدفقات المالية العابرة للحدود والتعامل مع الأزمات. لذا، فإن التعاون الدولي قويًا ومنسقًا ضروري لتقليل المخاطر المالية والاقتصادية.
مستقبل العملات المستقرة
وأوضح التقرير أن العملات المستقرة والتقنيات المرتبطة بها لا تزال في مرحلة التطوير، ويُشبّه بعض الخبراء هذا العصر بالبدايات الأولى للإنترنت. من المتوقع أن يهيمن عدد قليل من المزودين الرئيسيين على السوق عالميًا، مع مشاركة البنوك التجارية والشراكات مع البنوك المركزية لاستكشاف دمج هذه التقنية في الأنظمة المالية التقليدية.
تعزيز المدفوعات العابرة للحدود يتطلب أيضًا تحسين البنية التحتية المالية التقليدية، وربط أنظمة المدفوعات السريعة الحالية لتوفير مدفوعات أسرع وأرخص وأسهل وصولًا. هذا يتطلب تعاونًا وثيقًا بين صانعي السياسات، الهيئات التنظيمية، والقطاع الخاص لضمان تحقيق أفضل توازن ممكن بين الاستفادة من الابتكار الرقمي وحماية الاستقرار المالي



اضف تعليق