العراقيون امام فرصة تغيير كبيرة، لن تتوفر في اغلب الدول المحيطة، لذا عليهم ان يحسنوا الاختيار، وان يكون ممداني العمل لا الفكر حاضرا في اذهانهم، وان يبتعدوا عن الاختيار لدواع طائفية وعنصرية، وعشائرية، حينها سيتولد لدينا برلمان قادر على تلبية طموحهم...
فَرِحنا كمسلمين بالدرجة الأولى حين قرأنا خبر اختيار زهران ممداني، أول مسلم، وأول مهاجر من أصول جنوب آسيوية، وأصغر من تولى هذا المنصب المرموق رئيسا جديدا لبلدية نيويورك، واعتبرنا هذا الاختيار هو انتصار للإسلام وسط ما تعيشه الأقليات في أمريكا من عداء مباشر من قبل الرؤساء المتشددين، والسؤال الذي يُطرح هنا، كيف وصل زهراني لهذا المنصب؟
ربما يحلم الملايين من الأمريكيين بتولي هذا المنصب، وهو رئيس مجلس إدارة أعظم مدينة في أمريكا، فهي مدينة لها وزنها الخاص بالنسبة للداخل الأمريكي، وعلى من يتولى المنصب ان يكون قادرا على إدارته بنوع من التوازن الكبير، ورغم هذه التعقيدات وقع الاختيار عليه.
لم يكن زهراني يحظى بالمنصب الجديد لولا وعوده التي قطعها للجمهور، ففي خطاباته تقرب من اليهود واحترم خياراتهم، وكسب أصوات الكثير منهم، كما سعى لكسب الفئات الأخرى، ولم يفز لأنه عزف على الوتر الطائفي او العنصري، بل فاز لأسباب عملية ومادية.
فقد وجد فيه الناخبون المرشح الذي سيجعل مدينتهم مكانا أفضل للعيش، من خلال العديد من السياسات التقدمية الجريئة التي وعد بتطبيقها، -فرض ضرائب على كبار رجال الاعمال- وتجميد الإيجارات، وهذا سيفيد أكثر من مليونين من ساكني الشقق، كما وعد ببناء 200 ألف منزل جديد بأسعار مخفضة وشروط ميسرة، وتقديم رعاية مجانية للأطفال من عمر 6 أسابيع إلى 5 سنوات، لتخفيف العبء المالي عن كاهل أُسر كثيرة.
كل ما فعله ممداني هو اختيار الطريق العملي وابتعاده عن التنظير وطرح الأفكار والوعود غير القابلة للتطبيق، وهذا هو الفارق الكبير مع ما نشهده اليوم في العراق من وعود أطلقها المرشحين والزموا بها أنفسهم خلال فترة التثقيف الانتخابي للدورة البرلمانية القادمة.
جميع المرشحين وعدوا بضرورة تحسين الوضع المعيشي للأفراد، وانهم ناقمون من الكتل السياسية المشتركة في العمل السياسي، وتجسد ذلك في شعارتهم التي رفعوها في حملاتهم الانتخابية، من بينها "عراق قوي"، "قادمون"، "لا تضيعوها"، "نحن امة"، وغيرها من الشعارات التي تؤكد ان الهدف الأساس من ترشيحهم هو تجويد حياة الافراد وتخليصهم من مشاكلهم المتفاقمة.
الوعود التي أطلقها المرشحون، تحتاج الى أموال طائلة لتصبح امر واقع، والسؤال الآخر هنا: كيف لمرشح ان يوفر هذه المبالغ بعد فوزه؟
لا جدال ان هذه الوعود هي نقطة الشك الأولى التي يمكن للجمهور ان يحاجج المرشحين بها، والتغلب عليهم بأبسط أنواع المناظرات، فمن يستعد لسرقة المال العام من اجل الإيفاء بالوعود، لا يمكنه ان يبني بلدا كما يحلم ان يعيش فيه المواطنين كأقرانهم في الدول الإقليمية والمجاورة.
نحتاج في الوقت الحالي الى تعميم تجربة ممداني الذي حظي بقلوب وتأييد أصحاب الدخل المتواضع قبل غيرهم، ونحتاج ايضا الى من يضع في أولوياته توفير قدر لا بئس فيه للمواطن الذي ارهقته الوعود، وحولته الى معادٍ للعملية الانتخابية، بدلا من مؤيد بعد ايمانه بأن الانتخاب هو السبيل الوحيد للتغيير.
وقد اثبتت التجارب ان الاقتراب من هموم المواطنين وتحمل جزءاً يسيرا منها كفيل بتوسيع قاعدة مثل هذا النوع من الشخصيات البرلمانية الحالية، ووفق هذا العمل والالتزام في الواجبات والأداء البرلماني الرصين، يمكن ان يكون ذلك سترة النجاة للعبور الى الضفة الأخرى والمتمثلة بحجز مقد في البرلمان القادم، ليكون انطلاقته نحو فضاء التغيير والتقويم.
العراقيون امام فرصة تغيير كبيرة، لن تتوفر في اغلب الدول المحيطة، لذا عليهم ان يحسنوا الاختيار، وان يكون ممداني العمل لا الفكر حاضرا في اذهانهم، وان يبتعدوا عن الاختيار لدواع طائفية وعنصرية، وعشائرية، حينها سيتولد لدينا برلمان قادر على تلبية طموحهم.



اضف تعليق