يُقال ان الأطفال هم مستقبل الامة، وحجر الزاوية لبناء الأوطان، ولم يأتي هذا القول من فراغ او عن تجربة عابرة، بل جاء من تجارب فعلية ودروس كثيرة، تجسد حقيقة معادلة التنمية والنهضة التي لا تكون الا عبر هذه الشريحة صعودا الى الشرائح الأخرى...
يُقال ان الأطفال هم مستقبل الامة، وحجر الزاوية لبناء الأوطان، ولم يأتي هذا القول من فراغ او عن تجربة عابرة، بل جاء من تجارب فعلية ودروس كثيرة، تجسد حقيقة معادلة التنمية والنهضة التي لا تكون الا عبر هذه الشريحة صعودا الى الشرائح الأخرى.
فالاستثمار في عقول الأطفال ووجدانهم يعني اننا وضعنا البذرة الأولى لبناء الوطن، وعن طريق هذه البذرة، نكون قادرين على بناء وطنا متينا متمكنا من مواجهة التحديات التي تعصف بالبلدان، منها التحدي العلمي والاقتصادي والتربوي ... الخ
والحديث عن بناء الانسان والأطفال على وجه التحديد لا يعني توفير الغذاء والمأوى وغيرها من المتطلبات، بل يعني تحويل هذا البناء الى مشروع متكامل وشامل، يهدف لبناء الانسان، ذلك بالتالي هو -الطفل- من يصون البلد ويحميه ويسهم في نهضته التنموية في المستقبل.
ومن يطالع تاريخ الأمم ويتأمل فيه يجد ان أعظم إنجازاتها انطلقت من المدرسة، أي من الكتاب الذي حمله الطفل وهو في سن مبكرة، وعليه فان التنمية لا تبدأ بالمصانع ولا بالبنى التحتية، بل تبدأ من العقل البشري الذي يخطط ويبتكر ويقود.
لذلك فإن بناء الطفل هو استثمار طويل الأمد في رأس المال الإنساني، القادر على تحويل الأوطان من دول نامية إلى دول رائدة.
فكيف يمكن ان يتحقق هذا التحول؟
يتحقق عندما يكون بناء الانسان قائم على أساس التعليم، فالأخير يُعد الركيزة الأولى في بناء الطفل، فحين يحظى الطفل بتعليم جيد، ينمو داخله الإحساس بالمسؤولية والانتماء.
ولا نعني بالتعليم هنا القائم على التلقين فحسب، بل ذلك البرنامج العلمي القائم على التفكير النقدي، وتنمية روح المبادرة، ومن هنا تقع على عاتق المؤسسات التعليمية مسؤولية كبرى في إعداد جيل يمتلك مهارات القرن الحادي والعشرين، ويتعامل بثقة مع العالم المتغير.
ويبقى العامل الأهم الذي يساعد على نجاح التعليم هو عملية التكامل مع بيئة اسرية تتسم بالوعي ومتمكنة من تقديم الدعم للطفل، من الناحية النفسية والأخلاقية والصحية، فالأسرة هي المدرسة الأولى، وأي خلل في بنيانها ينعكس مباشرة على شخصية الطفل، لذا فإن دعم الأسرة وتمكينها من أداء دورها التربوي هو جزء لا يتجزأ من بناء الأوطان.
وإلى جانب التعليم، يأتي بناء الوعي الثقافي والقيمي ليُكمل الدور، فالأطفال الذين يُربون على قيم المواطنة، واحترام القانون، وحب العمل، هم من يصنعون غدا أفضل، يساعدهم في ذلك غرس القيم بصورة جدية وعدم اتخاذها عملا ثانويا، بل ضرورة لحماية المجتمع من التطرف والانقسام.
كما أن تشجيع الإبداع والفنون والقراءة في سن مبكرة يسهم في تكوين شخصية متوازنة قادرة على التميز والإنتاج، وهنا يبرز دور الإعلام، الذي يمكن أن يكون سلاحًا ذا حدين: فإما أن يكون شريكا في البناء من خلال نشر المحتوى الهادف، أو يكون عامل هدم إذا ساهم في نشر العنف والتفاهة، لذا فإن توجيه الإعلام نحو بناء الوعي الطفولي يُعد مسؤولية وطنية كبرى.
وبعد ما تقدم يجب ان يتم تفعيل الاستثمار في الطفولة، فالدول التي تدرك قيمة الطفولة تبني سياساتها على حماية الطفل وتعليمه وصحته، لا سيما وإن الدراسات والتجارب العلمية اثبتت ان الطفل السليم اليوم هو المواطن المنتج غدا.
وفي المقابل، فإن إهمال الطفولة يعني خسارة فادحة لا تُعوض، لأن الأوطان لا تُبنى بالخرسانة فقط، بل بالعقول والضمائر.
إن الدعوات المتكررة لبناء الأوطان من خلال الانسان، ليس مجرد دعوة عاطفية، بل هو برنامج عمل لكل أسرة، ومدرسة، ومؤسسة حكومية ومجتمعية، لان بناء الطفل هو الطريق الأقصر لبناء الوطن، وهو الضمان الحقيقي لاستمرارية التنمية والأمن والاستقرار.



اضف تعليق