الوعود الانتخابية تنطلق من أفواه المرشحين لتزيد من المعاناة النفسية والضغوط على هذه الفئات التي تعلق أمالها على سراب الوعود الكاذبة والتي ما تلبث ان تتلاشى بعد انتهاء الانتخابات وإعلان النتائج، فمن يفوز في الانتخابات يعزب عن هؤلاء طيلة الأربع سنوات ويعمد إلى تغيير كل وسائل التواصل معهم، ومن...
الثابت ان الدستور العراقي النافذ للعام 2005 أشار بشكل صريح بالمادة (30) إلى واجب السلطات العامة دولة في ضمان العيش الكريم حيث جرى النص على أنه: ((تكفل الدولة للفرد وللأسرة وبخاصة الطفل والمرأة الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرة كريمةٍ، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم)).
فكرامة الإنسان المتأصلة تقتضي توفير الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفاً وتأثراً بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية بل وحتى الحسية، فهنالك طبقة من الفقراء والمعدمين والأيتام والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة والأميين يستغل البعض من المرشحين حاجتهم الاقتصادية أو الاجتماعية ليحصلوا منهم على وعد بالانتخاب ويسيل لعابهم لتلك الأصوات التي يتم شراؤها بالمال السياسي الحرام، حيث يستغل بعض المرشحين للانتخابات وبدعم من بعض الأحزاب المتنفذة وبعض كبار المسؤولين في الدولة ممن يفتقدون إلى أدنى مقومات النزاهة والوطنية والشعور بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية حاجة هؤلاء وغيرهم من الفئات التي طالما عانت من شظف العيش وقلة ذات اليمين.
فبدل ان يعد المرشح برنامج انتخابي طموح يتضمن مقترحات وطموحات سياسية وقانونية يمكنها ان تداوي تلك النكبات وتوجد حلول للقضاء على الفقر واستنقاذ الفئات الأكثر حرماناً يعمد هؤلاء إلى شراء الذمم بالمال السياسي، ولعل المسؤولية لا تقع على هؤلاء فقط ممن باعوا ضميرهم المهني والوطني لأجل المطامع السياسية بالسلطة، بل ان الحكومة والمجتمع والمنظمات غير الحكومية والإعلام الوطني هي الأخرى تتحمل جزءً من المسؤولية لمنع استغلال الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفاً فالسؤال هل باتت المؤسسات الرسمية لاسيما الحكومية عاجزة عن معالجة عوامل الفقر؟
أو ليس من واجب الحكومة النهوض بواقع الأفراد المعاشي والاجتماعي والاقتصادي؟، وتأمين حياة سعيدة لهم، فما تقدم جزء لا يتجزأ من وظيفة الدولة الاجتماعية التي تمارس من خلال مؤسسات تتبع مختلف وزاراتها مثل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة وما سواهما من المؤسسات المختلفة، وتسهم بدرجة أقل كافة المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
ومن نافلة القول أن الحماية في هذا الإطار تعني مجموعة من السياسات والبرامج والخطط والهادفة للتصدي لمخاطر المعضلات الاجتماعية التي تتهدد الفرد والأسرة، وللحيلولة دون الآثار السلبية للفقر والتشرد واليتم والترمل والتهجير والنزوح وغيرها، وبالغالب أن الحماية تهدف إلى إحداث تغييرات إيجابية في حياة الفئات المستهدفة ولو بالحد الأدنى وفق الآتي:
1- تحديد أسباب الفقر وبالخصوص الفقر المدقع كالبطالة والمرض والجهل والتهجير أو النزوح، والعوامل المساعدة كالتغيير المناخي الذي تسبب بجفاف اشد وتسبب بتحول مناطق كبيرة من منتجة زراعياً أو صناعياً إلى صحاري قاحلة، والتقلبات الاقتصادية الحادة في الاقتصاد العالمي وغيرها.
2- رفد الأفراد بالمعونة المادية أو المعنوية التي تمكنهم من تلبية متطلبات الحياة اليومية وللنهوض بحياتهم الخاصة من حالة المعاناة إلى الحياة الحرة الكريمة.
3- ضرورة تبني برامج تأهيل وتدريب موجهة بالأساس للفئات الأكثر ضعفاً لمواجهة الظروف القاهرة التي تحيط بهم.
4- تصنيف الفئات الأكثر ضعفاً بحسب مؤهلاتهم وقدراتهم إلى مجموعات وتقديم الدعم اللازم لهم على الصعيد الفردي والجمعي فمن واجب الدولة دعم القطاع الخاص والعام وتنميتهما لخلق فرص عمل مناسبة وكريمة للجميع، أما الفئات من النساء أو الأطفال أو ذوي الاحتياجات الخاصة فلابد من إعادة إدماجهم في الحياة العامة بتبني إستراتيجية طموحة من شأنها ان تلبي متطلباتهم الخاصة.
فمن الملاحظ وفي كل مناسبة انتخابية ان الوعود الانتخابية تنطلق من أفواه المرشحين لتزيد من المعاناة النفسية والضغوط على هذه الفئات التي تعلق أمالها على سراب الوعود الكاذبة والتي ما تلبث ان تتلاشى بعد انتهاء الانتخابات وإعلان النتائج، فمن يفوز في الانتخابات يعزب عن هؤلاء طيلة الأربع سنوات ويعمد إلى تغيير كل وسائل التواصل معهم، ومن لا يحالفه الحظ يعتذر بأنه لم يتمكن من الوصول إلى مراده ليحقق لهم ما يحلمون به وكأن الأمر أقرب إلى المسرحية التي تكتب فصولها جماعات سياسية همها الأول والأخير التناحر السياسي وتوظيف كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى السلطة وتقاسم المغانم ولو كان هذا على حساب المعدمين أو على جماجم الفقراء والمساكين.
حيث يفترض ان الحماية الاجتماعية توفر نوعين من الدعم للفئات المشمولة بها هي:
أولاً: الحماية الايجابية: وتتمثل بتحقيق حياة أفضل من خلال إما توفير فرص العمل للقادرين عليه، كما تشمل التدريب والتأهيل وزيادة القابلية أو المهارة والاستعداد للعمل.
ثانياً: الحماية الوقائية: وتتمثل في توفير المساعدات اللازمة للتأمين على حياة هؤلاء ضد البطالة والفقر المدقع، وتمكينهم من مواجهة حالة العوز والمرض أو اليتم أو التشرد أو الجهل، فالحماية الاجتماعية عبارة عن برامج توضع لتأمين المساعدة الآنية والمستقبلية للأشخاص الأكثر ضعفاً حيث يتعين على السلطات العامة ان تخضعهم لبرامج متكاملة في التأهيل والتدريب والتمكين لتنتشلهم من الواقع المرير، ويشار إلى أن العراق يمتلك العديد من الوسائل التي يمكن ان تستثمر للوصول إلى الغاية المتقدمة وهي:
أولاً: البطاقة التموينية: والتي استحدثت عقب غزو الكويت وفرض الحصار الاقتصادي على العراق بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي ومرت هذه الآلية وخلال السنوات الماضية بالعديد من التقلبات إلا ان ما يؤسف له أنها بحالة من التراجع الدائم من حيث النوعية والجودة بل الكثير من مفرداتها لا تصلح للاستهلاك البشري وهذا ما استطاع الرصد المتواصل للجهات الأمنية والرقابية من تشخيصه بسهولة ولمرات عديدة ما يدل على ان آفة الفساد الإداري والمالي استطاعت ان تقوض هذه الوسيلة وتحولها إلى أداة للتربح على حساب المواطن والوطن.
ثانياً شبكة الحماية الاجتماعية: فمنذ إقرار قانون الحماية الاجتماعية رقم (11) لسنة 2014، تم شمول مئات الألوف من العراقيين بشبكة الحماية الاجتماعية وهي خطوات مهمة وحاسمة في محاصرة أثار البطالة والفقر إلا أن ما يؤسف له انها وفي كل انتخابات تتحول إلى مادة ترويجية للمرشحين لاسيما من المقربين من بعض المسؤولين المؤثرين بقرار الشمول بالرعاية.
ثالثاً: قانون الضمان الصحي: حيث أقر قانون الضمان الصحي رقم (22) لسنة 2020 وتضمن خطوات تنفيذية على درجة كبيرة من الأهمية بإمكانها ان تنقل العديد من الأفراد من حالة الشقاء والمعاناة إلى حالة التمتع الكامل بالضمان الصحي بيد ان خطوات وزارة الصحة لازالت متعثرة وبطيئة، فعلى سبيل المثال ألزمت المادة (16) ان يكون التسجيل بعد ستة أشهر من نفاذ القانون إلزاميا لبعض الفئات ومنها الموظف واختيارياً لفئات ومنها المتقاعد والمشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية، والى اليوم لم يتم ما تقدم بل تم التعاقد مع شركات أجنبية لتدير المستشفيات الحكومية بطريق الشراكة ما يعمق الحاجة إلى إصلاح جذري في المنظومة الصحية العراقية.
رابعاً: قانون الصحة العامة: تضمن قانون الصحة العامة رقم (89) لسنة 1981 العديد من الآليات التي من شأنها ان تحقق الرعاية الصحية والاجتماعية المناسبة حيث تنص المادة (22) منه على أن ((الغذاء المتكامل الصحي: يسهم في بناء صحة المواطن وتكامله في النمو البدني والعقلي، وتعمل الوزارة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة لتحقيق هذا الهدف بالوسائل الآتية، أولاً: العمل على جمع المعلومات عن الحالة الغذائية للمواطنين وتشخيص النواقص الغذائية التي يعانون منها، ثانياً: وضع السياسة الغذائية بالتعاون مع الوزارات الأخرى المعنية لغرض توفير الغذاء الجيد والمتكامل لجميع المواطنين، ثالثاً: تعيين المضافات الغذائية التي يمكن استعمالها وتحديد نسب إضافتها إلى المواد الغذائية، رابعاً: مراقبة تلوث الأغذية وتحديد مقدار الحدود المسموح بها قانونا لمختلف الملوثات في الأغذية، خامساً: الموافقة على إضافة عناصر غذائية كالفيتامينات والمعادن والبروتينات والحوامض الأمينية وغيرها إلى الأغذية لغرض رفع مستواها الغذائي وتحديد نسب هذه الإضافات، سادساً: العمل على إرشاد وتوجيه المواطنين في التغذية الصحية، سابعا: العمل على تقديم الرعاية الغذائية للأطفال والحوامل والمرضعات والشيوخ لغرض الوقاية أو معالجة سوء التغذية، ثامناً: الإشراف الفني على المحتويات الغذائية للوجبات الغذائية التي تقدم في دور الحضانة ورياض الأطفال والمدارس والمعامل والمستشفيات ودور النقاهة ورعاية المسنين وغيرها من المحلات التي تحدد بتعليمات تصدرها الوزارة)).
خامساً: قانون وزارة التخطيط: رقم (19) لسنة 2009 الذي أسس للجهاز المركزي للإحصاء) والذي يفترض أنه يقدم رؤية وإحصائيات متكاملة للحكومة والجهات ذات العلاقة للوقوف على حجم ظاهرة الفقر وتوزيعها جغرافياً على خارطة العراق وأهم النصائح التي من شأنها إنهاء أو الحد من أثار الفقر.
ولو تم تفعيل الآليات المشار إلى بعض منها أعلاه بشكل موضوعي ومحايد ومهني فمن المؤكد أنها قادرة على اجتثاث آفة الفقر أو على الأقل الحد من مخاطره وأثاره المدمرة على الفرد العراقي والأسرة، ويبقى السؤال الأهم (ألم تكفل المادة (20) من الدستور العراقي الحقوق السياسية للعراقيين رجالاً ونساءً وبخصوص الحق بالترشح والانتخاب؟؟ فأي حرية للانتخاب والمواطن يخشى ان يعبر عن رأيه السياسية بحرية...).



اضف تعليق