قرار مجلس الأمن الأخير الذي غير بشكل مفصلي الوضع القانوني للأقاليم الجنوبية المغربية، بحيث يكون الحكم الذاتي الإطار الذي ستتم على أساسه واستنادا إليه المفاوضات، سيحدث زلزالا قويا بالداخل الجزائري وبتندوف. هذا الملف الذي عمر لنصف قرن، وكلف الدولة الجزائرية موارد مالية ضخمة، لا ينحصر أثره فقط على السياسة الخارجية...

قرار مجلس الأمن الأخير الذي غير بشكل مفصلي الوضع القانوني للأقاليم الجنوبية المغربية، بحيث يكون الحكم الذاتي الإطار الذي ستتم على أساسه واستنادا إليه المفاوضات، سيحدث زلزالا قويا بالداخل الجزائري وبتندوف. هذا الملف الذي عمر لنصف قرن، وكلف الدولة الجزائرية موارد مالية ضخمة، لا ينحصر أثره فقط على السياسة الخارجية، بل يمس السياسة الداخلية أي يمس بشكل أساسي شرعية الدولة التي اعتبرته ملفا وجوديا، وقد يتطلب الأمر مدة طويلة من أجل احتواء آثاره، خاصة وأن النظام الجزائري امام خيارات جد محدودة للخروج من الورطة.

إذا تهور النظام الجزائري سيجد نفسه أمام خيار معاندة القرار ومحاولة الالتفاف عليه، والدفع بميليشيات البوليساريو إلى رفض المقترح، وربما حمل السلاح من جديد، سيكون له تداعيات كبيرة وقد يدفع الولايات المتحدة إلى تصنيف الميليشيات كمنظمة إرهابية ومنها الجزائر دولة راعية للإرهاب، الأمر الذي قد يدفع الجزائر نحو مشاكل كبيرة مع الولايات المتحدة ومجلس الأمن.

الخيار الثاني أمام الجزائر، هو دعم القرار، ودفع البوليساريو إلى قبول القرار وتيسير الوصول إلى حل نهائي للنزاع، من خلال التفاوض على مضمون الحكم الذاتي ومؤسساته واختصاصاته، تحت السيادة المغربية، ومنه حل هذه الميليشيات ونهاية المسرحية الوهمية لمدة خمسين سنة، وتجنب العديد من المشاكل الداخلية والخارجية.

المتابع للإعلام الجزائري وردود فعل الساسة الجزائريون، سيجد ولاعتبارات سياسة داخلية محضة، أن الجزائر تريد إيهام الشعب بأنها تنخرط في الخيار الأول، وأنها لا يعنيها القرار ولا ضغط الولايات المتحدة ولا أي قرار دولي وأنها دولة ذات سيادة والكلمة الأخيرة لها. خطابات على هذه الشاكلة التي تزيد من غيبوبة الشعب، وإبعاد الحقيقة عن عقولهم. خصوصا وأنها تعيد فكرة أن المينورسو تم تمديده لسنة كاملة، وهي فترة يحاول النظام الجزائري الاستثمار في الأمد الزمني المتسع نسبيا لإلهاء الشعب.

فالآلية السياسية التي تقودها أمريكا للحوار بين المغرب والجزائر لحل الملف، لم تعد فقط حراكا دبلوماسيا لترامب وإدارته، وإنما أصبحت آلية مدعومة أمميا وبتغطية سياسية وقانونية من نص القرار، مما يعني أن الجزائر طرف في النزاع، وهي مدعوة اليوم للانخراط بجدية في سيناريو دعم التفاوض على أساس الحكم الذاتي.

إلا ان انخراط الجزائر في تيسير ودعم التفاوض بناء على مقترح المغرب للحكم الذاتي، ثم المصالحة مع المغرب، يعني تفضيل خيار الاندماج الإقليمي، وعدم معاندة المقترحات الدولية، وعدم عرقلة النظرة الامنية الأمريكية للمنطقة . قد يكون مكلفا جدا على المستوى الداخلي وردة فعل الشعب، فالنظام الجزائري سيكون أمام محك حقيقي لتقديم توضيحات جدية للداخل بعد فشله في ملف قضية وهمية كلفت الجزائر مال قارون كما أكد ذلك الرئيس تبون.

النظام الذي ظل يستثمر في القضية، ويقدم جزء مهم من عائدات النفط والغاز لقاء دعم جبهة البوليساريو، على حساب التنمية الداخلية. فهل يستطيع النظام تحمل كلفة هذا الفشل على مستوى الشعبي؟ وكيف سيبرر للداخل قطع علاقاته مع كل الجيران من أجل مشكل مفتعل، ضيع العديد من فرص البناء والشراكات الاقتصادية والتنموية الإقليمية؟

إلا أن الملك محمد السادس في خطابة الأخير قدم ورقة أخرى تنقد الدولة الجزائرية من السقوط وتجنب النظام كلفة المصادمات الداخلية، وهي القبول بالمقترح المغربي، وتغيير بوصلة الداخل الجزائري الذين يرى في أن شرعية النظام الجزائري قد سقطت، إلى الجانب الآخر وهي أن هذه الشرعية يمكن تعزيزها بقبول المقترح المغربي وحفظ ماء الوجه، والمصالحة مع المغرب وتقديم خطاب سياسي واقعي وصادق يعتبر أن الجزائر تريد تأكيد هذا الحل، وتنخرط بشكل جدي في بناء منطقة الساحل وشمال إفريقيا وفي المشروع الملكي الأطلسي، الذي يمكنها من الوصول إلى الموانئ الأطلسية بسرعة وبأقل تكلفة.

اضف تعليق