عدوّان لدودان للتقدم: الأماني والكسل

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

إن التقدم والارتقاء الجمعي أو الفردي، لا يمكن أن يتم ما لم يكن هناك عمل، يستجيب للأحكام التي وضعها الدين، لكي يكون متقنا مفيدا ويصب في خير الإنسان العامل وصالحه، ولو أننا دققنا الملاحظة في هذا الموضوع، لوجدنا بأننا كمسلمين بحاجة كبيرة جدا إلى طرد الكسل على أن يحل محله العمل المتقن...

هو نوع من العيش في عالم الأساطير والأحلام) الإمام الشيرازي

يُطرَح في كثير من الأحيان سؤال عن سبب التلازم المستمر بين الكسل والتمنّي، ويأتي السؤال غالبا بالصيغة التالية: لماذا تكثر التمنيات أو الأمنيات الفارغة عند الشخص الكسول؟، وتأتي الإجابة في صيغتين، الأولى نفسية بالدرجة الأولى، والثانية تتولّد من حالة الاعتياد على الكسل، فهناك وضع نفسي يجعل الإنسان يهرب من واقعه لأسباب عديدة فيجد في التمنّي ملاذا له، وهناك أيضا مشكلة العادات السيئة التي تتجذر في سلوك الإنسان.

وكما هو معروف فالعمل يعد أهم وسائل الأمم والشعوب والأفراد نحو بلوغ التقدم، ولا يمكن لأمة أو شعب أو فرد أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، ما لم يكون عاملا مجدًّا، مبتعدا كل البعد عن الكسل، حيث يقول الإمام الصادق عليه السلام: عدو العمل الكسل.

وهذا يعني أن الأمة الكسولة لا تحب العمل، والفرد الكسول لا يحب العمل أيضا، ولهذا لن يتقدم، بل تطير فرص التقدم بعيدا عنه، ولا يبقى متاحا له سوى الأمنيات والأوهام التي تجعله يحلم ويتخيل ولكن بلا فائدة تُذكَر، لأن التمني يقود الإنسان نحو الاتكال على غيرهِ، ويبقى ينتظر من الآخرين جميع النتائج التي تنقذه من واقعه المتردّي.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (طريق التقدم):

(إن الاعتماد على التمني فحسب، يتسبب بحالة الاتكال عند الإنسان والتخلي عن مسؤولياته، فكثير من المسلمين يرون بأن الشخص الفلاني، أو الجيش، أو الحزب، أو النظام هو المكلف بإنقاذ بلده، أي: إنه ينتظر النتائج من غيره دون عمل ومقدمات من نفسه، وهذا خطأ فادح).

أسباب العيش في عالم الأساطير

وقد يكون الكسل هو السبب الأول في تأخّر المسلمين وعدم مواكبتهم مسيرة التقدم التي حققتها أمم أخرى كانت تتعقّب خطى المسلمين، لكنها اليوم باتت في المقدمة، ولو أننا بحثنا عن السبب الذي يقف وراء ذلك، نجده في تجنّب المسلمين لمسؤولياتهم، وعدم التصدي لها، والقذف بهذه المسؤوليات على غيرهم رغم أنهم غير معنيين بها، وإنما المعني بها هم المسلمون، لكنهم فضلوا عدم العمل والركون إلى الكسل.

وهذا قادهم إلى العيش في عالم الأساطير والأوهام، وجعلهم يُكثرون من التمني، وبالتالي فرّوا بعيدا عن الواقع، وتخلوا عن مسؤولياتهم، مما جع منهم في حالة من التراجع المستمر، بسبب قلة العمل وكثرة الكسل.

لهذا يقول الإمام الشيرازي:

(إن ابتعاد المسلمين عن العمل وإلقاء المسؤولية على الآخرين نوع من العيش في عالم الأساطير والأحلام، لذلك جاء في الحديث الشريف: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).

لذا فإن التشبث بالأمنيات والتعكّز عليها، حالة ليست صحية ولا صحيحة، وهي تُعزى إلى هيمنة الكسل على الشخص أو الأمة التي تُكثر من الأمنيات غير الواقعية، والتي لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع، كونها أمة لا تميل إلى العمل وإنما تفضّل الكسل على سواه.

بينما الكسل حالة مرفوضة في الأحكام الشرعية، لأن الكسل يحيّد العمل، أو يكون بديلا له، وبهذا تكون الأمة غير عاملة وإنما متكاسلة وهذا يجعلها تنتمي إلى الأوهام أكثر من الواقع، وتفضّل الأمنيات الفارغة على العمل المنتِج.

من هنا يركز الإمام الشيرازي على أن:

(التمسك بالأماني نوع من الكسل، ويكون الكسل مذموماً عند العقلاء وفي الشريعة الإسلامية، وهو من دلائل عمل السوء).

ويعدّ الكسل من أعمال السوء عادة، كونه يعود على صاحبه بالمشكلات والويلات، ويُسهم بشكل مباشر في تعويق مسيرة حياة الإنسان، لأن الكسل يعني عدم إنجاز الواجبات التي تحتاج إلى عمل ومثابرة وتنظيم وإرادة صلبة، حتى يكون الإنسان عاملا فاعلا مصرّا على إنجاز الأعمال التي تحتاجها ديمومة حياته واستمراريتها.

مثله في ذلك مثل الطالب الذي لا يقوم بكتابة واجباته المدرسية، ولا يقرأ استعدادا لأداء الامتحان، كسلا وتراخيا، فتكون النتيجة هي الرسوب، لهذا يعدّ الكسل منبوذا ومكروها ومرفوضا، كونه يقود الإنسان نحو الفشل، لهذا يعدّ من أعما السوء.

كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي قائلا: 

(إذا عمل الإنسان سوءً ـ بالمعنى الأعم الشامل للكسل أيضاً ـ فسيجزى به، ويتأخر في الحياة، وتنصبُّ عليه المشاكل والويلات، مثله مثل طالب مدرسة يذهب إلى قاعة الدرس من دون أن يتحمل مسؤولية الجدّ والاجتهاد، فيقضي وقته في فراغ وكسل، ولا يحفظ دروسه، ولم يقم بتحضيرها ولا بإعدادها، ولا مراجعتها ولا المباحثة فيها، ولم يسهر لتدارك ما فاته من أمر حفظها وتحصيلها، فإن عمله هذا مندرج أيضاً في دائرة عمل السوء).

شروط الالتحاق بالأمم المتقدمة

ومن أخطر توصيفات الكسل وتشبيهاته أنه نسخة من عمل السوء، لذلك هناك عاقبة للكسل وهي فشل الإنسان، وتأخره عن أقرانه المجدّين المثابرين، فتراهم يتقدمون عليه بمسافات كبيرة بسبب كسله، وتفضيله للراحة بدلا من العمل، فتكون أقرب النتائج إليه هي حالة الفشل التي ستلازمه حياته كلها، طالما بقي ملازما للكسل.

لذا لا يُعدّ السوء معصيةً وعملا كريها ومذموما فحسب، وإنما يبتعد عمل السوء عن الخير بكل مسمياته، ومساحاته الواسعة، وهذا كفيل بأن يكون الكسلان فاشلا مترددا، غير مقبول لا في بيئته الاجتماعية ولا الأسرية، ولا في أي مكان آخر يتواجد فيه، وبهذا فالكسل يبعد صاحبه عن الخير بل يلقي به في قلب الشر الذي يضاعف من خموله وكسله ونتائجه المخيّبة.

الإمام الشيرازي يقول: 

(إذا كسل الإنسان تكون عاقبته التأخّر والفشل؛ لأن كل من عمل السوء يُجزى به، والسوء لا يعني المعصية والعمل القبيح فقط، بل هو شامل لكل ما هو خارج عن دائرة الخير والفضيلة وداخل في دائرة الشر والرذيلة كالكسل والخمول).

وهكذا إذا أردنا إلحاق الهزيمة بالكسل، وإبعاده عنّا، ومنعه من الاقتراب لنا، علينا باستدعاء العمل، والقيام به في أية فرصة سانحة لنا، فإذا أكثرنا من العمل غادرنا الكسل إلى غير رجعة، كما أننا لا نقترب من أسلوب العيش بالتمنيات والأوهام، وإنما نرتكز إلى قاعدة الحقيقة التي تجعلنا في مواجهة حاسمة مع الفشل الذي نريد أن يحل النجاح في محلّه.

وهكذا يعد العمل من أهم وسائل التقدم والتطور والرقيّ، وسوف يتحقق شرط العمل بمجرد أن يتخلص الإنسان من كسله، وما عليه سوى إتقان العمل والتركيز على جودة ما يقوم به وما ينتجه هذا العمل، مع وجوب التركيز في دقة العمل والمنتَج، حيث تستدعي الأحكام الدينية أن يتقن الإنسان عمله الذي يقوم به إذا كان عملا صالحا.

يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة:

(لقد ثبت أن العمل وكثرته، يقف بالضد من الكسل والأماني، وهو عامل من عوامل التقدم والرقي، لذلك نرى الإسلام يؤكّد على جودة العمل وإتقانه، وعلى الدقة فيه وإحكامه، فالتأكيد الإسلامي يشمل الجانبين الكمّي والكيفي معاً).

إذن أصبحنا على يقين بأن التقدم والارتقاء الجمعي أو الفردي، لا يمكن أن يتم ما لم يكن هناك عمل، يستجيب للأحكام التي وضعها الدين، لكي يكون متقنا مفيدا ويصب في خير الإنسان العامل وصالحه، ولو أننا دققنا الملاحظة في هذا الموضوع، لوجدنا بأننا كمسلمين بحاجة كبيرة جدا إلى طرد الكسل على أن يحل محله العمل المتقن، فهذا هو سبيلنا الأهم والأكبر لكي نرتقي ونتقدم ونلتحق بالأمم التي سبقتنا كثيرا.

اضف تعليق