هذه التجربة البحثية تفتح آفاقًا جديدة لإعادة هيكلة المناهج في كليات التربية البدنية، بما يدمج الجانب المعرفي بالمهاري بشكل أكثر فاعلية، ويحول التعلم إلى تجربة ديناميكية يشارك فيها الطالب بوعي ومسؤولية. كما تؤكد نتائج البحث على أهمية تطوير قدرات المدرّس الجامعي ليكون ميسرًا للتعلم، وليس مجرد ناقل للمعلومات...

في إطار التحولات التربوية التي يشهدها التعليم الجامعي في العراق، ولاسيما في مجالات التربية البدنية وعلوم الرياضة، برزت الحاجة إلى أنماط تعليمية حديثة تبتعد عن التلقين المباشر، وتمنح الطالب دورًا فاعلًا في صناعة خبرته المعرفية والمهارية. ومن هنا جاءت أطروحة الدكتوراه الباحث حيدر حسن كاظم في كلية التربية الأساسية – جامعة ديالى، والتي تناول فيها أسلوب التعلم بالمشاركة كمدخل لتعليم المهارات الأساسية بكرة القدم، محاولةً جريئة لتوظيف هذا الأسلوب في بناء مهارات الطلبة وتنمية قدرتهم على التفكير المتفتح واتخاذ القرار داخل البيئة التعليمية الرياضية.

في هذا الحوار نسلّط الضوء مع الباحث على دوافع اختياره للموضوع، والمنهجية التي اعتمدها، والتحديات التي واجهته، فضلًا عن النتائج التي توصّل إليها وانعكاساتها على مستقبل مناهج التربية البدنية في العراق.

ما الدافع الفكري والعلمي الذي قادك لاختيار أسلوب التعلم بالمشاركة كمدخل لتعليم المهارات الأساسية بكرة القدم؟

كان الدافع نابعًا من إيماني العميق بأن الطالب يجب أن يكون شريكًا فعليًا في عملية التعلم، لا مجرد متلقٍ سلبي. أسلوب التعلم بالمشاركة يعزز هذا الدور، وينمي لدى الطالب مهارات التفكير، اتخاذ القرار، والمسؤولية، وهو ما يتناسب مع متطلبات التربية الحديث.

كيف تنظر إلى العلاقة بين التفكير المتفتح والتحصيل المهاري في بيئة تعليمية رياضية؟

العلاقة طردية بشكل واضح. فكلما كان الطالب أكثر انفتاحًا ومرونة في التفكير، زادت قدرته على التفاعل الإيجابي مع المواقف المهارية واتخاذ قرارات أفضل أثناء اللعب.

 ما الجوانب التي شعرت أنها مهملة في طرق التدريس التقليدية، وسعيت إلى معالجتها من خلال هذا البحث؟

من أبرزها غياب دور الطالب الفعلي، وعدم مراعاة الفروق الفردية، والاكتفاء بالتلقين والتكرار. من خلال البحث، سعيت إلى إشراك الطالب في اتخاذ القرار، وتقديم مواقف تعليمية تثير التفكير، وليس فقط الحفظ والتنفيذ.

 ما الاعتبارات التي أخذتها بعين الاعتبار عند تصميم التمرينات المهارية لتتناسب مع أسلوب التعلم بالمشاركة؟

راعيت أن تكون التمرينات ذات طابع مفتوح، تحفز التعاون، وتطلب من الطالب اتخاذ قرارات داخل الموقف المهاري. كما تم تنظيمها لتتناسب مع قدرات الطلبة العقلية والبدنية.

 كيف تم ضبط المتغيرات في التجربة لضمان أن تأثير أسلوب التعلم بالمشاركة هو السبب الرئيس في النتائج المتحققة؟

تم استخدام عينة متجانسة من حيث العمر والمهارة، وقُسمت إلى مجموعتين (تجريبية وضابطة). كما تم ضبط البيئة، والاساتذة، وزمن التعلم، مع استخدام أدوات قياس موحدة وموثوقة لضمان صدق النتائج.

 ما التحديات التي واجهتها خلال تنفيذ الوحدات التعليمية، وكيف تعاملت معها عمليًا؟

أبرز التحديات كانت مقاومة بعض الطلبة للمشاركة النشطة، إلى جانب صعوبة قياس التفكير المتفتح بدقة. تعاملت معها من خلال خلق بيئة مشجعة، واستخدام أدوات نوعية دقيقة لقياس التطور العقلي والسلوكي.

كيف تفسر تفوق المجموعة التجريبية في التفكير المتفتح مقارنة بالمجموعة الضابطة؟

أن الأسلوب المستخدم للمجوعة التجريبية منحهم مساحة للتفكير واتخاذ القرار، وساهم في تحفيز قدراتهم العقلية والاجتماعية، على عكس الطرق التقليدية التي تعتمد على التلقين.

 ما مؤشرات التحول التي لاحظتها في سلوك الطلبة أو أدائهم مع مرور الوقت خلال فترة التدريب؟

نعم، لاحظت زيادة في روح التعاون، المبادرة، الجرأة في اتخاذ القرار، وتراجع الاعتماد على الاستاذ أو الزملاء، ما يدل على نضج فكري ومهاري.

 بأي شكل انعكست مهارات التفكير المتفتح على عملية اتخاذ القرار داخل المواقف التعليمية أو اللعبية؟

كان الطلاب أقدر على تحليل المواقف، واختيار الحلول الأنسب، وهذا ظهر في قراراتهم داخل التمرين واللعب الجماعي، مما عزز الأداء والنتائج.

 في ضوء نتائجك، كيف يمكن إعادة هيكلة المنهاج التدريسي في كليات التربية البدنية في العراق لتعزيز مبدأ المشاركة؟

أوصي ببناء مناهج تستند إلى اساليب التعلم النشط، وتعتمد مبدأ المشاركة، مع إعداد المعلم نفسيًا وتربويًا لتبني هذا النمط من التعليم.

 ما الإجراءات التي تقترحها لتحويل التفكير المتفتح من مجرد سمة فردية إلى ثقافة تعليمية مؤسسية؟

من خلال تبنّي المؤسسات التعليمية لبرامج تعليمية، إدماج التفكير المتفتح ضمن أهداف المناهج، وجعله جزءًا من التقييم والسلوك اليومي داخل البيئة التربوية.

 كيف ترى قابلية تطبيق نتائج البحث في الألعاب الرياضية الأخرى غير كرة القدم؟ وما التعديلات التي يجب إجراؤها؟

بالتأكيد، الأسلوب ذاته قابل للتطبيق مع تعديلات بسيطة تتناسب مع طبيعة المهارات في رياضات مثل كرة السلة والطائرة واليد.

 كيف يسهم أسلوب التعلم بالمشاركة في بناء شخصية الطالب الجامعي على مستوى القيم والاتجاهات؟

يسهم في بناء الثقة بالنفس، القدرة على الحوار، احترام الرأي الآخر، والتمكن من حل المشكلات، وكلها عناصر جوهرية في بناء شخصية قيادية مسؤولة.

 ما أثر التجربة على وعيك كباحث وممارس تربوي حول التفاعل بين الجانب المعرفي والمهاري؟

غيّرت من نظرتي للعلاقة بين الجانب المعرفي والمهاري. لم يعد الأداء مجرد حركة، بل هو تعبير عن فهم وقرار وعقلية، وهو ما أثّر في أسلوبي تعليما وبحثيًا.

كيف يمكن للمدرب أو الأستاذ الجامعي أن يوازن بين توجيه الطلاب وترك مساحة للمشاركة الفعالة في التعلم؟

عبر التوجيه المرن، بحيث يعطي الطالب إطارًا عامًا ويترك له مساحة ليجرب، يخطئ، ويكتشف بنفسه. المدرس الناجح هو من يهيئ البيئة ولا يفرض الرأي.

اختتامًا، يوضح الباحث حيدر حسن كاظم أن تطبيق أسلوب التعلم بالمشاركة في تعليم المهارات الرياضية لا يقتصر على تحسين الأداء البدني فحسب، بل يتجاوز ذلك ليعزز التفكير المتفتح، واتخاذ القرار، وروح المبادرة لدى الطالب الجامعي. هذه التجربة البحثية تفتح آفاقًا جديدة لإعادة هيكلة المناهج في كليات التربية البدنية، بما يدمج الجانب المعرفي بالمهاري بشكل أكثر فاعلية، ويحول التعلم إلى تجربة ديناميكية يشارك فيها الطالب بوعي ومسؤولية. كما تؤكد نتائج البحث على أهمية تطوير قدرات المدرّس الجامعي ليكون ميسرًا للتعلم، وليس مجرد ناقل للمعلومات، مما يسهم في بناء جيل رياضي قادر على الابتكار والتفكير النقدي. إن هذه الدراسة تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الثقافة التعليمية القائمة على المشاركة، وإكساب الطلاب مهارات حياتية وعقلية تنعكس على مستواهم الأكاديمي والشخصي في آن واحد.

اضف تعليق