هل يكون القضاء على هؤلاء بالحل الأمني وحده، كلا طبعا، وانما من خلال جعل الشعب في حالة رضا نسبي عن واقعه وتحصينه ثقافيا، وبناء دولة المؤسسات والقضاء على الفساد، وسد الثغرات التي يتسلل منها هؤلاء عادة، وبذلك تصبح مهمة الجيش والاجهزة الامنية أيسر بكثير، وتكون البلاد محصنة حقا، لأن الشعب يحميها ليحمي مصالحه...
عندما تلتهب الاجواء أو تندلع حروب أو أعمال عنف في أي منطقة في العالم، فإن دول تلك المنطقة جميعها تدخل في حالة انذار، وتتخذ السلطات فيها اجراءات احترازية، يقف في مقدمتها تهيئة الجيش والمؤسسات الأمنية لأي طارئ، وهذه من البديهيات التي يعرفها الجميع، وقد ظل هذا الأمر ساريا حتى العقود الأخيرة وما زال، لكن برؤية جديدة، بمعنى أن الاجراءات الكلاسيكية القديمة لم تعد كافية أو تمثل حلولا ناجعة بالنسبة للسلطات، لأن شكل التحديات الجديدة يستدعي اجراءات جديدة، وهذه لا يمكن استحضارها أو القيام بها مباشرة، مثل إدخال الجيش والاجهزة الامنية في حال الانذار، وإنما يجب أن تكون بأثر رجعي، بحيث تكون الدولة أو السلطات مستعدة مسبقا، أو كانت قد عملت على قطع الطريق على أية محاولة لزعزعة الوضع في البلاد.
عندما اندلعت تظاهرات ما عرف بالربيع العربي، في تونس، استعدت بعض الأنظمة المشابهة للنظام التونسي للتعامل مع هذا الوضع، لكن الاستعدادات الأمنية تلك عصفت بها الاحداث وراحت الانظمة تتساقط تدريجيا في المشهد الذي تابعنا فصوله المرعبة، والسبب هو أن الحل الأمني لم يكن هو الوسيلة الحاسمة لإيقاف التداعيات.
وإنما هناك إجراءات كان لا بدَّ من اتخاذها قبل هذا لتكون بمثابة حائط الصد الذي يحمي الدول وسلطاتها ايضا، ونقصد هو ان يكون النظام منسجما مع تطلعات شعبه بما يضمن في الاقل اغلبية مقبولة في الشارع تمكنه من التصدي ومعالجة الثغرات، التي تحدثها بعض القوى الخارجية في سياج دولته، ورصد الجهات المحلية التي لها أجندات غير وطنية وتتعامل مع الخارج، وهذه دائما ينفذها بعض الطامحين والمغرر بهم من اصحاب العقائد الطوباوية، ويتسببون في ايقاع الدول والشعوب معا في مشكلات كبيرة، والأمثلة كثيرة على ذلك.
لقد أثبتت التجربة المريرة التي شهدها أكثر من بلد عربي وغير عربي، أن وجود قوى محلية تعمل تحت اقنعة معينة لتغطي على وجهها ومشروعها الحقيقي، هو التحدي الأكبر لأي بلد وشعب، فالطامحون بالسلطة والمتطلعون لأدوار والمتلهفون للمال، هم بشر مثل بقية البشر، لكنهم من الداخل ممسوخون وطنيا وإنسانيا، وهؤلاء يشكلون الخطر الحقيقي الدائم، وإن ذريعتهم دائما هي مصلحة البلاد أو تخليصها من نظام الحكم فيها، الذي يرونه سيئا مهما كانت فضائله، طالما ليس لهم حصة فيه أو مستفيدين منه بشكل مميز عن غيرهم.
منظمات أو تجمعات أو أشخاص يعلنون عن أنهم يسعون لمصلحة الشعب ويطمحون له بالأفضل، لكنهم في الحقيقة لا يرون الّا مصالحهم، وهؤلاء الذين ينكشفون بعد فوات الأوان، يصبح العمل على أزاحتهم صعبا، لأنهم يكونون في قلب المشهد الجديد وبعد أن يقفوا على اطلال البلاد وضياع مستقبل الملايين من ابنائها.
هل يكون القضاء على هؤلاء بالحل الأمني وحده، كلا طبعا، وانما من خلال جعل الشعب في حالة رضا نسبي عن واقعه وتحصينه ثقافيا، وبناء دولة المؤسسات والقضاء على الفساد، وسد الثغرات التي يتسلل منها هؤلاء عادة، وبذلك تصبح مهمة الجيش والاجهزة الامنية أيسر بكثير، وتكون البلاد محصنة حقا، لأن الشعب يحميها ليحمي مصالحه.
اضف تعليق