فبين طموحات الطاقة المتجددة وظروف الطاقة التقليدية، وبين ضوء الفوانيس البسيط وإشعاع اللوحات الشمسية، يبقى جيل A ومن قبله، جيلنا نحن، شاهدًا على عبور الزمن، يرافقه جيل Z الذي لا يرى إلا المستقبل على لوحة رقمية .لكن في النهاية، يبقى حسام واحدًا، رمزًا لجيل ينتظر فرصته وسط صراع لم يُحسم بعد: جدل الطاقة وجدلية الحياة...

أوشكت أعمارنا أن تقارب الثمانين عاماً، وما تزال بلادنا تُدار في محنة جدلية حول تعاقب الأجيال، صراعٌ ناعمٌ ولكنه عميق، التحم فيه بقايا القديم من أمثالنا، مع طموحات جيل جديد يسكنه المستقبل ويُدعى بـ”جيل  z") جيل الالفية الرقمية، الذي ولّد والنور بين كفيهِ .. شاشة وانترنت ومعلومات فورية، انه جيل الثورة التكنولوجية الرابعة في عصر المعلوماتية).

فكلٌّ يتناول قضايا البلاد من زاويته، وأشدّها احتدامًا في زمن الصيف العراقي اللاهب، هو ذلك النقاش المتجدد عن الطاقة، تلك التي كانت يومًا ما فانوسًا زيتياً، وأصبحت اليوم تقنيات طاقة شمسية مستقلة، يتوسّم الناس فيها الخلاص.

وسط هذه النقاشات، يثور السؤال العصي: أيهما أفضل؟ شراء منظومات شمسية مستقلة تعمل تحت شمس لا ترحم، أم الاعتماد على مولدات زيت الغاز، بما لها وما عليها من كلفة وصيانة وتلوث!

حزنت جارتنا على ولدها حسام، الطالب في دروس خصوصية عبر الإنترنت ، وهو من هذا الجيل الذي لا يعرف من الماضي إلا ما تعرّف عليه عبر رقائق السيليكون. انقطعت الكهرباء لمدد طويلة، كعادتها في صيفنا القاسي، فتوقفت الدروس الرقمية وتعطلت الأحلام.

جمعت جارتنا ما لديها من مال لتدعم ولدها، لعلّه يحظى بمعدل عالٍ يوصله إلى كلية مرموقة، لكن الكهرباء خانتها، وكأنّ المستقبل ذاته قد تراجع خطوة للوراء.

انقطع تجهيز الكهرباء بأنواعهِ، وبدأت جلسات المحلة: الكل يبحث عن بدائل، البعض يدعو للطاقة المتجددة، وآخرون يدافعون عن المولدات التقليدية. تدخل جَدّ حسام، وهو رجل متقاعد من اجيال عصر الفانوس، حيث جلس يحسب مقدار الطاقة التي يحتاجها ليكفي أسرته، في هذا المناخ الحار الذي غطّى حوض المتوسط، بعد أن هدأت معاركه الجيوسياسية، هنا شارك جيل Z في النقاش، يدافع عن الطاقة النظيفة، البيئة، والاستدامة. 

يقابله من يُفضّل زيت الغاز، لأنه يعرفه ويديره، ولأن كلفته قد تكون أرخص أو على الأقل مفهومة. كانت النقاشات تدور، لكن ما لم يتغير هو قلقنا على حسام، ذلك الشاب الذي يختصر الصراع كله: بين الرغبة في تعليم نوعي رقمي وبين صعوبة توفير مناخات الطاقة المستدامة .

عُدّت بذاكرتي إلى خمسينيات القرن الماضي، إلى مدينتنا الصغيرة، حيث كان الطلبة الأذكياء يتنازعون الدراسة على ضوء الفانوس، أو يتجمعون تحت مصباح شارع خافت. كنت صبيًا أسمع الجدل بين قواعد اللغة والرياضيات، وذات مرة قلت: “إنه مضاف ومضاف إليه”، ودهش الحاضرون من الدقة، وتبيّن لاحقًا أني كنت محقًا، وبفطرة تعلمتُ حكمتها في الظلام.

انتهت تلك السنة، ونجح من درسوا على الفوانيس. أحدهم دخل كلية الطب، وآخر نال بعثة في الهندسة. اليوم، يعود التاريخ بصورة أكثر تعقيدًا: الجدل هو هو، لكن الأدوات تغيّرت، والمستقبل يُختبر على شاشة رقمية، لا ورقة امتحان.

فبين طموحات الطاقة المتجددة وظروف الطاقة التقليدية، وبين ضوء الفوانيس البسيط وإشعاع اللوحات الشمسية، يبقى جيل A ومن قبله، جيلنا نحن، شاهدًا على عبور الزمن، يرافقه جيل Z الذي لا يرى إلا المستقبل على لوحة رقمية .لكن في النهاية، يبقى حسام واحدًا، رمزًا لجيل ينتظر فرصته وسط صراع لم يُحسم بعد: جدل الطاقة.. وجدلية الحياة.

اضف تعليق