نقل الكرة إلى ملعب مجلس النواب الذي سبق وأن صادق على هذه الاتفاقية بصورة مخالفة للدستور، وأن عدداً كبيراً من النواب قد اعترض على هذا القانون، وبإمكان النواب المعترضين على هذه الاتفاقية أن يجهضوا مشروع هذه الاتفاقية التي تضمنت النيل من الحقوق السيادية والتاريخية للجمهورية العراقية في حال عرضها للمناقشة الموضوعية قبل التصويت عليها مجدداً...

سبق وأن أبرمت جمهورية العراق اتفاقية دولية مع الكويت لتنظيم الملاحة البحرية بين البلدين في منطقة خور عبد الله البحرية، وتم التوقيع عليها بتاريخ 29/4/2012. ولاحقاً، جرت المصادقة عليها من مجلس النواب العراقي بموجب قانون تصديق اتفاقية خور عبد الله رقم (42) لسنة 2013. وقد كان للمحكمة الاتحادية موقفان اتجاه الاتفاقية وقانون تصديقها سنتناولهما في المحاور الآتية:

أولاً: مرحلة دستورية قانون تصديق اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله

تم الطعن بدستورية القانون المذكور عام 2014 لأسباب نوجزها بأن الاتفاقية المذكورة مذلة للشعب العراقي كونها تتضمن تنازلاً عن الحدود البحرية في منطقة خور عبد الله، وهذا يشكل مساساً بالسيادة العراقية. إضافة إلى ذلك، هناك خلل في إجراءات التصويت على الاتفاقية ذاتها كونه جاء مخالفاً للمادة (61/رابعاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي نصت على (تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب)، والمادة (127) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي هي بذات المضمون، حيث جرى التصويت بالموافقة على الاتفاقية من قبل (124) نائباً بينما صوت (84) ثمانون نائباً ضد الاتفاقية، من أصل (329) نائباً. 

وبذلك يكون نصاب التصويت على الاتفاقية لم يصل إلى أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب التي نصت عليها المادة (61/رابعاً) من الدستور سالفة الذكر.

حيث قررت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها بالعدد (21/اتحادية /2014) في 18/12/2014 الحكم بدستورية قانون تصديق اتفاقية خور عبد الله رقم (42) لسنة 2013 مستندة بذلك إلى أن الأغلبية المطلوبة لسن قانون لعقد الاتفاقيات والمعاهدات وهي أغلبية الثلثين غير الأغلبية المطلوبة للتصويت على قانون تصديقها وهي الأغلبية البسيطة المطلوبة للتصويت على القوانين، حيث جاء في حيثيات قرارها: (... إن هنالك فرقاً بين تشريع قانون كيفية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية وهو يسن بأغلبية الثلثين وبين تصديق المعاهدة بقانون ويسن في هذه الحالة بالأغلبية البسيطة، وحيث إن النص المذكور يخص أغلبية الثلثين لتمرير قانون المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات التي تبرم بين العراق ودول العالم الأخرى وليس لتمرير المصادقة على قانون الاتفاقيات الخاصة التي تبرم بين العراق وبين غيره من الدول، وإن ذلك يتطلب الأغلبية البسيطة لعدد أعضاء مجلس النواب الحاضرين استناداً للمادة (59/ثانياً) من الدستور وليس المادة (61/رابعاً) من الدستور التي اشترط الدستور أن ينظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية لثلثي أعضاء مجلس النواب والذي لم يشرع لحد الآن، وحيث إن القانون محل الطعن قد استوفى الشكلية القانونية التي نص عليها الدستور في مجلس النواب وذلك بالموافقة عليه بالأغلبية البسيطة لعدد أعضاء مجلس النواب الحاضرين. 

لذا تكون دعوى المدعية من هذه الجهة غير مستندة إلى أساس من الدستور أو القانون، أما الطعن بالاتفاقية بأنها أضرت بالجانب العراقي للأسباب الواردة فيه فإن النظر بالطعن بهذا الصدد لا يدخل باختصاص المحكمة الاتحادية العليا المنصوص عليه في المادة (93) من الدستور وفي المادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا وللأسباب المتقدمة تكون دعوى المدعية واجبة الرد من هاتين الجهتين قررت المحكمة الاتحادية العليا رد دعوى المدعية وتحميلها مصاريفها...). ومما تقدم نلاحظ ما يأتي:

إن المحكمة الاتحادية العليا قررت دستورية قانون المصادقة على اتفاقية الملاحة في خور عبد الله باعتبار أن المصادقة على هذا القانون تم بالأغلبية البسيطة المقررة للمصادقة على القوانين العادية، أما أغلبية الثلثين فهي خيار دستوري لسن قانون ينظم إبرام ومصادقة المعاهدات والاتفاقيات الدولية والذي لم يكن قد شُرع في حينه من قبل مجلس النواب. في حين أن الواقع الدستوري يشير إلى أن مجلس النواب قد تجاوز حدود اختصاصاته الدستورية عندما صادق على قانون الاتفاقية في ظل غياب قانون ينظم المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية اشترط الدستور لسن التصويت عليه بأغلبية الثلثين من مجلس النواب، وهو نص دستوري أمر لا يجوز لمجلس النواب الاتفاق على مخالفته. وهنا يثور التساؤل عن السند القانوني والدستوري للمصادقة على هذه الاتفاقية في ظل عدم وجود قانون ينظم هذه الإجراءات، وفي ظل تعطيل نصوص قانون عقد المعاهدات النافذ رقم (111) لسنة 1979 بسبب إلغاء بعض المؤسسات الدستورية وعدم وجود ما يناظرها في ظل دستور 2005 ونقصد (مجلس قيادة الثورة المنحل).

حدود بحرية

أما موضوع مدى ملائمة الاتفاقية لمصالح العراق وحماية حدوده البحرية وسيادته فقد أخرجتها المحكمة من نطاق اختصاصها وقررت عدم الخوض في الجوانب الموضوعية للاتفاقية كونها من اختصاص السلطة التنفيذية. وبالرجوع إلى نص المادة (109) من الدستور والتي وردت في الباب الرابع / اختصاصات السلطة الاتحادية، نجد أنها ألزمت السلطات الاتحادية بالمحافظة على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي. ووفقاً لهذا النص ولكون المحكمة الاتحادية العليا أحد مكونات السلطة القضائية استناداً للمادة (89) من الدستور، فهي ملزمة بالحفاظ على وحدة العراق وسلامة أراضيه، وهذا يبرر تدخلها ومناقشة بنود الاتفاقية ومدى توافقها مع الدستور ومصالح العراق وسيادته واستقلاله، لأن الرقابة على دستورية قانون التصديق يتطلب حتماً الرجوع للاتفاقية ذاتها، ذلك أن المحكمة لا تراقب دستورية مادتين وردتا في قانون، وإنما الجوانب الموضوعية التي صادق عليها القانون كالتزام دولي وأصبحت جزءاً من القانون الداخلي ومدى توافقها مع الدستور.

ثانياً: مرحلة عدم دستورية قانون التصديق على اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله

في مرحلة لاحقة، أقام نائبان في البرلمان العراقي دعوى جديدة تتضمن الطعن بدستورية القانون رقم (42) لسنة 2013 قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة في خور عبد الله، وقد أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها بالعدد (105 وموحدتها194/اتحادية /2023) في 4/9/2023 يتضمن الحكم بعدم دستورية القانون المذكور والعدول عن قرارها السابق بالعدد (21/اتحادية /2014) في 18/12/2014 والتي قررت فيه دستورية القانون المذكور، ولنا على القرار المذكور الملاحظات الآتية:

1. تضمنت الدعوى الدستورية الطعن بقانون التصديق والمادة (2) من الاتفاقية التي راعت مصلحة الجانب الكويتي على حساب المصلحة الوطنية العراقية، ولوجود مخالفات لنصوص الدستور المواد (1، 13/ثانياً، 50، 67، 71، 79) منه التي تلزم السلطة التنفيذية بفرعيها رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء والسلطة التشريعية بالحفاظ والسهر على سلامة أرض العراق وسمائه ومياهه وثرواته، كما استند الطعن إلى وجود مخالفات في إجراءات التصويت وعدم تحقق الأغلبية اللازمة لإقرار هذه الاتفاقية السيادية كون التصويت بالأغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب وفق المادة (59/ثانياً) من الدستور لا ينطبق على التصويت على هذا القانون محل الطعن، وأن المادة (17) من قانون عقد المعاهدات رقم (35) لسنة 2015 الذي سن لاحقاً بعد صدور قانون التصديق على الاتفاقية نصت على أن معاهدات الحدود والمعاهدات الماسة بالسيادة الإقليمية لجمهورية العراق يجب أن تكون الموافقة عليها بأغلبية الثلثين، كما استند الطعن لقرار سابق للمحكمة الاتحادية العليا بالعدد (90/اتحادية /2019) والذي عدل فيه مفهوم الأغلبية المطلوبة للتصويت لتكون الأغلبية المطلقة، فضلاً كون هذه الاتفاقية تمثل مخالفة صريحة لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 وغيرها من الأسانيد الفنية والإجرائية لا مجال لذكرها بالتفصيل.

وثيقة وطنية

2. أكدت المحكمة في حيثيات قرارها على أن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وثيقة عراقية وطنية فارضة مانعة جامعة، فارضة لوحدة العراق واستقلاله وسيادته، ومانعة من كل ما من شأنه الإخلال بالحقوق والحريات العامة، ومانعة من التجاوز على المال العام، وأشار قرارها كما جرت العادة في بعض قراراتها السابقة مقدمة لبعض النصوص الدستورية التي تتضمن مبادئ الفصل بين السلطات، الانتقال السلمي للسلطة، وحرية الرأي والفكر والعقيدة وممارسة الشعائر الدينية، وحرية تأسيس الأحزاب والجمعيات، واستقلال السلطة القضائية، والديمقراطية، والمسؤولية واحترام هرمية القوانين، حيث أسهبت المحكمة في ذكر وتعداد المبادئ الدستورية والحقوق والحريات ولم نجد لهذه المقدمة علاقة وثيقة بموضوع الطعن.

تضمن قرار الحكم سرد واستعراض تاريخي عن ارتباط الكويت بمحافظة البصرة إبان الحكم العثماني والأحداث التاريخية خلال أنظمة الحكم المختلفة للمطالبة بالكويت باعتبارها جزءاً من العراق وانتهاء بغزو العراق للكويت عام 1990، وبذلك فإن قرار الحكم يمثل وثيقة تاريخية خطيرة صادرة من مؤسسة دستورية تؤيد عائدية الكويت للعراق وأن منطقة خور عبد الله تحت الإدارة والسيطرة العراقية حيث جاء في حيثيات الحكم (... وفي السنة ذاتها أي سنة 1871 رفعت الحكومة العثمانية مدينة البصرة من متصرفية إلى ولاية مستقلة عن بغداد وأصبحت تضم الكويت والأحساء...)، وجاء في موضع آخر من القرار (... واستمرت الكويت قائمقامية تابعة للبصرة حتى سنة 1914...)، وورد في موضع آخر من القرار (... وبعد فشل العثمانيون في السيطرة على الكويت أقاموا عام 1902 قواعد عسكرية لهم في صفوان وأم قصر وجزيرة بوبيان وكان هدفهم السيطرة على خور عبد الله...). وأيضاً ورد في موضع آخر (... وفي 25 حزيران 1961 أعلن عبد الكريم قاسم في بيان إذاعي أن الكويت جزء لا يتجزأ من العراق وأن الكويت منطقة تابعة لولاية البصرة الخاضعة للحكم العثماني....) مع الإشارة للكثير من الأحداث التاريخية، ورغم أن قرارات الحكم الصادرة من المحاكم العليا يجب أن تنحى منحى قانونياً في صياغة حيثيات ومنطوق الحكم وعدم الخوض في التفاصيل السياسية والتاريخية قدر الإمكان، لأن ذلك يحمل المحكمة عبء مصادر هذه المعلومات التاريخية، إلا أن المحكمة على ما يبدو وجدت أن هنالك ضرورات تستدعي هذا الاستعراض التاريخي وربطه بعائدية خور عبد الله للعراق وحتى دولة الكويت التي تدعي لها حقوقاً في هذا الخور هي الأخرى تابعة للعراق، وهذا يعد من وجهة نظرنا الدخول بالجانب الموضوعي للاتفاقية لأنها أرجعت الأمور لأصولها التاريخية، خلافاً لما ورد في قرارها السابق الذي عدلت عنه والتي اعتبرت فيه أن الخوض بموضوع الاتفاقية خارج نطاق اختصاصها.

4. لجأت المحكمة إلى تقرير عدم دستورية قانون المصادقة على اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله إلى ذات الأسباب القانونية التي دحضتها في قرارها السابق الذي عدلت عنه، حيث جاء في حيثيات القرار: (... وعلى الرغم من أن الدستور خص مجلس النواب باختصاص المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية لكن اشترط الدستور أن يتم ذلك بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، لذا فإن عدم تحقق النصاب المذكور يجعل من القانون الذي يصدر بشأن عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية مشوباً بعيب شكلي يخل بدستوريته، وهذا العيب يستنتج من عدد النواب الحاضرين البالغ (172) نائباً بالقياس إلى العدد الكلي لمجلس النواب الذي لا يمكن معه تحقيق أغلبية الثلثين في هذا الجانب، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن القانون رقم (42) لسنة 2013 قانون تصديق المعاهدة كان قد نشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4299 في 25/11/2013) وقت سريان القانون رقم (111) لسنة 1979 قانون عقد المعاهدات والتي نصت المادة الثالثة من القانون الأخير على (1- الموافقة: التعبير عن إرادة الجمهورية العراقية بالالتزام بصورة نهائية بالمعاهدة وذلك بالتصديق أو الانضمام......)، والحقيقة أن التسبيب القانوني الوارد في القرار يمكن أن نرد عليه بما يأتي: أولاً أن التصويت على قانون مصادقة اتفاقية خور عبد الله تم بالأغلبية البسيطة بعد تحقق نصاب الانعقاد استناداً للمادة (59/ثانياً) ولم يتم الاستناد لقانون عقد المعاهدات رقم (111) لسنة 1979 النافذ استناداً للمادة (130) من دستور 2005، وأن أغلبية الثلثين المنصوص عليها في المادة (61/رابعاً) من الدستور هي الأغلبية التي اشترطها المشرع الدستوري لسن قانون ينظم موضوع عقد المعاهدات والاتفاقيات وأنه اشترط الأغلبية المذكورة لأهمية هذا القانون الذي ينظم علاقات جمهورية العراق الخارجية والالتزامات الدولية والتي تتطلب موافقة ثلثي ممثلي الشعب على القواعد الناظمة له، إلا أن القانون لم يسن في حينها ولم تكن قواعد قانون عقد المعاهدات رقم (111) لسنة 1979 النافذ في حينه يسعف التصويت بسبب تعطيل آلياته لاختلاف جهات المصادقة، وبالتالي فإن البرلمان صادق على الاتفاقية المذكورة دون سند قانوني وبصورة مخالفة بالنتيجة للمادة (61/رابعاً) حيث كان على مجلس النواب أن يؤجل المصادقة على القانون لحين صدور قانون ينظم عقد المعاهدات يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب ويحدد نصاب التصويت حسب أهمية المعاهدة أو الاتفاقية.

وذهبت المحكمة في موضع آخر من قرار الحكم إلى القول (... وترى هذه المحكمة أنه بالاستناد إلى أحكام المادة (130) من الدستور والتي نصت على أن (تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها ما لم تلغى أو تعدل وفقاً لأحكام هذا الدستور)، فإن القانون رقم (111) لسنة 1979 قانون عقد المعاهدات ساري المفعول إلى أن تم إلغاؤه بموجب المادة (30) من القانون رقم (35) لسنة 2015....، ...وعلى الرغم من ذلك فإن النص الدستوري وفقاً لما جاء في المادة (61/رابعاً) هو الحاكم ولا يمكن مغادرته على الرغم من سريان قانون المعاهدات رقم 111 لسنة 1979، إذ لا يمكن إعمال نصاً قانونياً مخالفاً للدستور رغم سريان هذا النص لتعطل آليات تطبيقه....، وبالتالي لا يجوز تعطيل أحكام الدستور مقابل تشريع محلي مخالف له نافذ قبل تشريع الدستور، بل يصبح التشريع المحلي المخالف للدستور والتشريعات الأخرى المترتبة عليه معرضة للحكم بعدم دستوريتها متى ما تم الطعن بها......)، وفقاً لما تقدم قررت المحكمة الاتحادية العليا أن قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979 النافذ استناداً للمادة (130) من دستور 2005 معطل لتعطل آليات تطبيقه ولمخالفته للدستور وبالتالي لا يجوز تعطيل أحكام الدستور مقابل تشريع محلي – والأصح تشريع عادي أدنى مرتبة من الدستور – رغم سريان هذا التشريع بموجب نصوص ذات الدستور، ويرد على هذا بالقول أن معظم التبريرات الدستورية لدستورية قانون المحكمة الاتحادية العليا الصادر بالأمر التشريعي رقم (30) لسنة 2005 المعدل وبالتالي دستورية قرارات المحكمة الاتحادية العليا تستند لنص المادة (130) من الدستور أيضاً رغم أن هذا القانون مخالف للمادة (93) من الدستور الذي نص على تشكيلة المحكمة واختيار قضاتها وتنظيم عملها بموجب قانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، وبالتالي فإن التسبيب القانوني لم يكن وافياً، وبالتالي نجد أن القرار صحيح من حيث النتيجة وليس من حيث التسبيب.

ثالثاً: الأزمة القضائية

ألقت الضغوط الدولية والسياسية الداخلية بظلالها على المحكمة الاتحادية العليا وتجلت أوج هذه الضغوط عندما قدمت السلطة التنفيذية بفرعيها رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء طلباً يرومون فيه من المحكمة الاتحادية العليا العدول عن قرارها الأخير بعدم دستورية قانون التصديق على اتفاقية خور عبد الله رقم (42) لسنة 2013. وبرغم كون هذا الطلب غير مسبوق ولم يرد في قانون المحكمة ونظامها الداخلي تم قبوله ووضع موضع النظر من قبل المحكمة، مع العرض أن العدول القضائي له ضوابطه ولا يعد طريقاً للطعن أو طريقاً لاستئناف الأحكام، فضلاً عن ذلك أن من أهم ضوابط العدول القضائي عدم جواز العدول عن مبدأ سبق العدول فيه أي (لا عدول على العدول)، ناهيك عن كون قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة بما في ذلك السلطة التنفيذية. وبسبب ضغط الرأي العام الذي تزامن معه إعلان تسعة من قضاة المحكمة الاتحادية العليا استقالتهم دون بيان رسمي عن الأسباب الحقيقية للاستقالة والتي عدلوا عنها بعد تدخل السلطة القضائية، ويمكن أن نشير إلى أن تدخل السلطة القضائية يمثل مناورة ذكية حققت النتائج الآتية:

إقناع السلطة التنفيذية بسحب طلب العدول، وبذلك جنبت المحكمة الاتحادية العليا الحرج بسبب الضغط السياسي والضغط الشعبي باتجاهين متعاكسين وحافظت على قرارها الأخير باعتباره باتاً ونهائياً ولا يخضع لمراجعة قضائية وهو أقرب للإرادة الشعبية.

نقل الكرة إلى ملعب مجلس النواب الذي سبق وأن صادق على هذه الاتفاقية بصورة مخالفة للدستور، وأن عدداً كبيراً من النواب قد اعترض على هذا القانون، وبإمكان النواب المعترضين على هذه الاتفاقية أن يجهضوا مشروع هذه الاتفاقية التي تضمنت النيل من الحقوق السيادية والتاريخية للجمهورية العراقية في حال عرضها للمناقشة الموضوعية قبل التصويت عليها مجدداً، وبذلك تحولت الأنظار الشعبية إلى مجلس النواب بدلاً من المحكمة الاتحادية العليا.

اضف تعليق