السيدة زينب لم تكن مجرد شخصية تاريخية، بل مرآة لكل امرأة تواجه المحن دون أن تفقد كرامتها. هي مدرسة لا تدرّس بالكلام، بل تُعاش بالمواقف، فإن كنتِ أمًّا، فتعلمي منها كيف تكون الأمومة رسالة، وإن كنتِ أختًا، فتعلمي منها كيف يكون الحنان قوة...
في تلك اللحظة الحاسمة من عاشوراء، لم يكن صوت السيوف هو الأكثر وقعًا، بل كانت وصيّة الحسين لأخته زينب، التي خُطّت بالدموع قبل الحبر، وبالوجع قبل الكلمات
"أُختاه، عليكِ بالعيال..."
تلك الكلمات، وإن بدت قصيرة، كانت بحجم الطوفان. لم تكن وصية عادية، بل تسليم أمانة لا تشبه أي أمانة: أمانة الرسالة، وأرواح اليتامى، وألم النساء، ودم الإمام الذي لن يسمح أن يُنسى.
زينب لم تبكِ هناك… لم تنهَر، لم تصرخ ككل النساء المفجوعات، بل وقفت. شدّت على يدها، ولبّت نداء الدم، لا لأن الألم كان خفيفًا، بل لأن المصاب كان أثقل من أن يُبكى عليه.
حين يبدأ الصبر بعد سقوط الأبطال
بعد أن خرّ الحسين على الأرض، وتهدّمت بقايا الرجولة في صحراء كربلاء، بدأت زينب معركتها. لم ترفع سيفًا، لكنها واجهت ما لم يقدر عليه ألف فارس.
الخيول تدوس، والنار تشتعل، والصغار يصرخون في الفراغ، والنساء يتراكضن كالطيور المفزوعة… وبين هذا الخراب، كانت زينب حضنًا، وصدرًا، وظهرًا… كانت أمًّا لم تلدهم، لكنها ولدتهم من رحم الصبر والوجع والقسوة التي بدأت من إعداء الحسين عليه السلام
الصبر ليس تجميد الدموع
نحن لا نتعلّم الصبر من الكتب، بل من المواقف التي نمر بها
والسيدة زينب كانت كتابًا حيًّا في فنّ التحمل والصبر
الصبر ليس أن لا تبكي، بل أن تكوني من تمسحين دموع الجميع بينما داخلك ينزف بصمت.
أن تخبّئي ارتجافك كي لا ينهار طفل، أو تنكسر أم.
أن تكوني الأم التي تقف بثبات، لأن الكل احتمى بظلّك، فلا يجوز أن تميلي.
الأمانة التي تعني أن تكوني الوطن
حين سلّمها الحسين الأمانة، لم يقصد فقط النساء والأطفال، بل سلّمها صوته، قضيته، نوره الذي لا يجب أن يُطفأ.
وهكذا فعلت زينب كانت ثوره بوجه الطغاة الكفره .
باتت المأوى لمن فقد البيت، والأم لمن بكى أباه، والحضن الذي لم يغلق بابه في وجه أحد.
لم تكن حاضنة فقط، بل كانت مانعة للسقوط، جدارًا رمّمت به بقايا الرسالة.
في كل امرأة زينب تنتظر أن تستيقظ
كوني زينب، ليس لأنكِ ولدتِ في عاشوراء، بل لأنكِ عشتِ لحظة احتجتِ فيها أن تكوني قوية للآخرين.
كوني زينب حين يخاف أطفالك، وتُخذَلين ممن ظننتِه سندك.
كوني زينب حين تتهدّم القلوب من حولك، ويُطلب منكِ أن تبقي واقفة.
فأنتِ الأمانة التي لا يجوز لها أن تسقط.
الصوت الذي لا يُطفأ
حين صمتت السيوف، وتكسّرت الخيام، وامتلأت القافلة بالقيود، لم ينطفئ الصوت بل نهض من جديد بقيادة البطلة العظيمة
وقفت زينب في مجلس يزيد، لا لتنتقم، بل لتُثبت أن صوت الحق لا يموت
"فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا…"
أي صوتٍ هذا الذي لا يحتاج إلى سيفٍ ليُنصت إليه الطغاة؟
أي امرأةٍ هذه التي صارت بقوة كتيبةٍ من الكرامة والعز
في الختام: زينب ليست حكاية، بل قُدوة حية
السيدة زينب لم تكن مجرد شخصية تاريخية، بل مرآة لكل امرأة تواجه المحن دون أن تفقد كرامتها.
هي مدرسة لا تدرّس بالكلام، بل تُعاش بالمواقف.
فإن كنتِ أمًّا، فتعلمي منها كيف تكون الأمومة رسالة.
وإن كنتِ أختًا، فتعلمي منها كيف يكون الحنان قوة. والحب امان الخائفين
وإن كنتِ إنسانًا، فتعلم منها كيف تصير الكلمة جدارًا في وجه الطغيان.
زينب ليست ذكرى…
هي أمانة في القلب، وصوت لا يُنسى.
. معالي السبطين ج، 2 الفصل 12
اضف تعليق