إذا نام الإنسان عشر ساعات من يومه وقضى ساعات في اللهو واللعب أو السفر والتفرّج والانشغالات الأخرى غير المفيد، فإنه يهدر عمره بلا فائدة تُذكَر، لذلك من الأفضل له أن لا ينام كثيرا، وفي نفس الوقت عليه أن يستثمر ساعات يقظته في تحصيل العلم بالطرق المعروفة وأن يعيش عمره ويقضيه...

(أجِّل نومك إلى القبر، فإن الإنسان سوف ينام في القبر نوماً طويلاً)

الإمام الشيرازي

كما هو معروف للجميع، أن شريحة الشباب هي الأهم حضورا وفاعلية عملية في المجتمعات والدول، والشعب الذي تقل فيه أعداد هذه الشريحة كما هو الحال في الدول الأوربية مثلا، تعاني مما يسمى بـ(شيخوخة المجتمع)، لذا فإن الشباب لهم دورهم الفاعل المتميز في عمليات البناء والتطور، وهذا أمر لا يمكن التغافل عنه أو إنكاره.

فهل تقوم الدول الإسلامية بتشجيع الشباب والاهتمام بهم، وتطوير مواهبهم وقدراتهم، وتوفير فرص العمل المناسبة لهم، هذا في الواقع لم يحصل، ولم يبذل المسؤولون ما يكفي في القضايا التي تمس حياة الشباب وتطلعاتهم، لذلك نجدهم يعانون من وقت الفراغ، ويسعون لتزجية الوقت في المقاهي وفي اللهو واللعب، ثم ينامون كثيرا ويعملون قليلا.

وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة للشعوب والدول المتأخرة، حيث تسود البطالة، وتضيع طاقات الشباب سدى، في النوم وقلة العمل، لعدم وجود الاهتمام اللازم بهؤلاء الشباب.

الإمام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (طريق التقدم):

(كثير من الشباب وهم قوة المجتمع العملي، وعليهم يعتمد التطور والتقدم في مختلف ميادين الحياة، تراهم اليوم قد انخرطوا في المفاسد واللهو واللعب، وأقل ما يقال عنهم إنهم كثيرو النوم قليلو العمل).

ويضرب لنا الإمام الشيرازي مثلا من صميم حياته المباركة حول قضية النوم والعمل ودورهما في حياة الإنسان تقدما أو تأخّرا، فيكد لنا بأنه والده (رحمه الله) كان يوصيه دائما أن يقلل من النوم، بل عليه أن يؤخّر النوم إلى القبر حيث سينام الإنسان في قبره طويلا، لذا عليه أن يقلل النوم في حياته أقصى ما يمكن حتى يستثمر عمره بالشكل الصحيح.

أمثلة من صُلْب الحياة

في هذا المثال درس دقيق ومهم لكل شاب ولكل إنسان، فإذا نام الإنسان عشر ساعات من يومه وقضى ساعات في اللهو واللعب أو السفر والتفرّج والانشغالات الأخرى غير المفيد، فإنه يهدر عمره بلا فائدة تُذكَر، لذلك من الأفضل له أن لا ينام كثيرا، وفي نفس الوقت عليه أن يستثمر ساعات يقظته في تحصيل العلم بالطرق المعروفة وأن يعيش عمره ويقضيه بما يفيد الناس ويفيد نفسه أيضا عن طريق العلم والعمل وليس بالنوم.

يقول الإمام الشيرازي عن وصايا أبيه له:  

(كان المرحوم والدي (قدس الله روحه) يوصيني دائماً بقلة النوم، ويقول فيما يقول لي في هذا المجال: أخِّر يا ولدي نومك إلى القبر، فإن الإنسان سوف ينام في القبر نوماً طويلاً، تتهشم منه أضلاعه، وتفسد على أثره جوانبه).

ويواصل الإمام الشيرازي (رحمه الله) المثال الذي ذكره فيقول كان الوالد (رحمه الله) يوصيني دائما باستثمار لحظات وثواني ودقائق العمر، لاسيما في التقدم العلمي، وكان يركز على أهمية التفوق العلمي ومواصلة البحث والقراءة والدراسة حتى تبلغ أهدافك كلها، وتستثمر عمرك بما يفيد الناس ويفيدك.

ويذكر أبو الإمام الشيرازي (رحمه الله) لابنه بأنه كان يواصل القراءة أو (تحصيل العلم) ليل نهار، معتمدا في الليل على ضوء القمر، أو على شمعة صغيرة أو مصباح نفطي إذا كان متوفرا، بمعنى رغم الصعوبة في توفير الضوء ليلا لكن هذا لم يشكل مانعا أمامه لكي يقرأ ويحفظ ويتعلم، فماذا يقول شباب اليوم الذين يتوفر لهم الضوء بأعلى درجاته، فضلا عن متطلبات ولوازم الحياة الأخرى، وهذا يعني أن مسؤولية شبابنا اليوم أصبحت مضاعفة. 

الإمام الشيرازي يذكر هذا المثال قائلا:

(هكذا كان يوصيني والدي (رحمه الله) وكان يذكر لي بعض تجاربه الشخصية وخصوصيات حياته في شبابه فيقول: كنت في أيام شبابي وأنا واحد من الطلبة، لم أترك القراءة ليل نهار، فكنت أطالع في الليل على ضوء القمر، إذا لم يكن المصباح النفطي أو الشمعة متوفرة عندنا). 

إذًا نحن وشبابنا أمام تجربة فعلية عاشها الإمام الشيرازي بنفسه وينقلها للشباب عسى أن يستجيبوا ويستفيدوا منها في تطوير حياتهم وفي استثمار أعمارهم بالشكل الصحيح، ويؤكد والد الإمام الشيرازي قضية في غاية الأهمية، جربها واستنتجها من رحلة حياته الشخصية، حين يقول إن السهر والتعب والعمل الحثيث هو السبيل الأهم أمام الإنسان لكي يستثمر عمره بأفضل طريقة ممكنة، حتى يصل إلى الدرجات الرفيعة.

وهذا ما ينبغي أن يعتمده شباب اليوم، فليس أمامهم سوى التعب والسهر والعمل الإيجابي المستمر، حتى يكون لهم دورهم المثمر في الحياة سواء على المستوى الشخصي الفردي أو الجمعي العام لعموم الأمة والمجتمع.  

حيث يواصل الإمام الشيرازي كلامه عن والده: (ثم كان سماحته (رحمه الله) يردف كلامه فيقول: بالعمل الدؤوب والسهر الدائم، يتمكن الإنسان أن يصل إلى بعض الدرجات الرفيعة، ويتقدم علمياً ومعنوياً). 

الموازنة بين الترفيه والعمل

وفي حال كانت حياة الإنسان على العكس من ذلك، أي أنه لم يستثمرها بالطريقة الصحيحة، فإن النتائج معروفة ومعلومة مسبقا، حيث سيكون من المتأخرين حتما، لماذا؟، لأنه أمضى حياته، وأهدر عمره في النوم أو التسكع أو قل الوقت في المقاهي أو التنزّه في شواطئ البحار وفي البساتين أو الأماكن الترفيهية الأخرى، تاركا ما هو أهم من ذلك بكثير.

بالطبع في وقتنا أو عصرنا الحالي، ليس ممنوعا على الإنسان أن يستجم وأن يرتاد الشواطئ والمتنزهات، ولكن عله أن يراعي قضية الموازنة في حياته، ولا يقضيها أو يهدرها في جوانب الراحة والتنزه والترفيه فقط، بل عليه أن يعطي الوقت الأكثر والأكبر للعمل والدراسة والتعلم والبحث المستمر حتى يقطف ثمار تعبه وجهوده بتحقيق النجاح والتفوّق المستمر.

يقول الإمام الشيرازي:

(أما الإنسان الذي يكسل عن العمل، وينشغل ببعض الأمور الجانبية، وينام في اليوم عشر ساعات ـ مثلاً ـ وبعد ذلك يذهب للتنزه على شاطئ البحر، أو ضفاف النهر، أو أطراف البساتين، فإنه من المعلوم: أن هذا الإنسان يتأخر ولا يصل إلى ما يصل إليه ذلك الإنسان المجد المجتهد، الذي يواصل سيره بجد ومثابرة).

في خلاصة القول، لابد للجميع من دون استثناء أن يتحلوا بحب العمل وتنفيذه فعليا، وأن لا يميلوا إلى إزجاء الوقت جزافا أو عبثا، فكل دقيقة من عمر الإنسان محسوبة عليه، فإذا ضاعت بلا هدف تذهب سدى وبلا فائدة، وهذا يعني أهمية أن يتنبّه كل شاب وكل إنسان إلى استثمار العمر بالشكل الصحيح قبل أن يمر دونما فائدة تُذكَر.

لذا يجب نبذ الكسل والخمول والملل، والذهب دائما نحو العمل الجيد الذي يطور من حياة الإنسان، ويجعله يقطف ثمار عمله بشكل مضمون ليس في دنياه الحاضرة اليوم، بل حتى في أخراه حيث يحصل الإنسان على المكافأة الأخروية التي يستحقها عن أتعابه وأعماله الصالحة التي تسرع من عجلة التقدم الفردي والجمعي في وقت واحد.

كما يقول الإمام الشيرازي:

(لذلك ينبغي على الجميع، رجل أو امرأة، تاجر أو عامل، مدّرس أو طالب، مهندس أو طبيب، وغيرهم من أفراد الأمة، التحلي بالعلم والعمل الدؤوب، ونبذ الكسل والملل، وأن يضعوا جميعاً نصب أعينهم قوله تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ).

لذلك علينا جميعا لاسيما الشباب كونهم أكثر نشاطا وقوة وتحمّلا، أن نقلل من ساعات النوم، واللهو الذي يجب أن نلغيه من حياتنا، واللعب غير المجدي كذلك، وفي المقابل لابد من استثمار اليقظة وإبعاد النوم لصالح العمل وتطوير الذات والجماعة، فكل عمل صالح له أجره في آخرة الإنسان، وله فائدته الكبيرة في تطوير حياته الحاضرة.

اضف تعليق