المعنى الحرفي للتأثير العاطفي في علم السياسة وفن الدبلوماسية، هي القبول بالتزامات خارج سياق الضوابط والضمانات تحت تأثير الروابط والميول الاجتماعية والثقافية والانفعالات الشخصية، وان الوقوع تحت تأثير العاطفة والعلاقات الشخصية وحالات الغضب وموجات الحقد والانتقام وغيرها من الانفعالات الفردية، امر وارد وكثيرا...

المعنى الحرفي للتأثير العاطفي في علم السياسة وفن الدبلوماسية: هي القبول بالتزامات خارج سياق الضوابط والضمانات تحت تأثير الروابط والميول الاجتماعية والثقافية والانفعالات الشخصية .

حول هذا المضمون يدور جدل بين وزير الخارجية الايراني السابق محمد جواد ظريف والوزير الروسي المخضرم سيرغي لافروف بشأن مسؤولية ادراج اتفاقية (سناب باك) كملحق ملزم بالقرار 2231 الذي صدر في 20 يوليو تموز عام 2015 وبموجبه اعتمد مجلس الامن الاتفاق بين ايران ومجموعة 5+1 حول تنظيم عمل والية مراقبة البرنامج النووي الايراني.

ويتهم الوزير لافروف زميله محمد جواد ظريف بانه هو من برمج ونسق الية سناب باك مع (صديقه) وزير الخارجية الاميركية آنذاك جون كيري وان موسكو تجهل الكثير عما دار بين ظريف وكيري في الغرف المغلقة في الفندق الذي جرت فيه المفاوضات !

بالمقابل، يتهم الوزير ظريف الجانب الروسي بانه لم يقدم الدعم والمساندة المطلوبين له ولفريقه في مرحلة المفاوضات النهائية، رافضا وصف لافروف لملحق (سناب باك) انه (( فخ نصبه ظريف لإيران )).!!

وقراءة لهذا الجدل، فإن من الواضح هو محاولة الروس تبرئة ساحتهم ازاء حالة من الغضب والاحباط تنتاب الوزير السابق محمد جواد ظريف الذي يريد هو الاخر تبرئة ساحته من ملحق سناب باك في وقت تتصاعد الانتقادات ضده في الداخل الايراني مع مطالبات بمحاكمته .

ويبدو ان الديبلوماسي المخضرم محمد جواد ظريف لا يستطيع ان يتخلص من عقدة العلاقة (المفخخة) بينه وبين وزير الخارجي الاميركي الاسبق جون كيري .

فالذي يبدو ان ظريف وفي لحظة (عاطفية) قد راهن على صداقته هذه مع كيري للخروج باتفاق يؤدي الى رفع العقوبات وتجميد جزء من البرنامج النووي لغاية عام 2025 وهي مدة فاعلية القرار 2231 وبعدها تصبح ايران حرة وتفعل ما تشاء... وفق حسابات ظريف !!

ولكن هل يعقل ان السياسي والديبلوماسي العتيد محمد جواد ظريف بهذه السذاجة ؟؟!

اعتقد هذا ممكن… لكن للوزير ظريف اسبابه واليكم بعضها :

-اعتقد ظريف ان صداقته مع جون كيري هي حدث تأريخي وغير مسبوق وانه يتعين استثمار واستغلال هذه الصداقة التي ستدوم وتنمو وتشكل ضمانة لنجاح اي اتفاق بين طهران وواشنطن .

-الصدود الذي ابداه الجانب الروسي وتشدده في الموافقة على بعض بنود مسودة القرار وايضا معارضة الوزير لافروف لفكرة الاتفاق في تلك المرحلة، هي التي دفعت الوزير ظريف نحو الارتماء في احضان (الصداقة المفخخة) مع كيري وبالتالي الميل العاطفي نحو الراي الاميركي، بدرجة اكبر من اعطاء الوقت لمناقشات طويلة مع الطرف الروسي، بحيث ان (التطرف العاطفي) للوزير ظريف دفعه الى التصريح فيما بعد وتحت نشوة الغرور بان ((روسيا ما كانت تريد لنا ان نتوصل الى اتفاق . )).!

مع ذلك، فإن من المهم احترام المبدأ الذي انطلق منه الوزير الايراني وهو ان اتفاقا نوويا معززا بقرار من مجلس الامن، اكيد سيكون ملزما لجميع الاطراف، مع اعتقاد بان ايران (والى حين انتهاء مدة القرار) سوف لن تنتهك الاتفاق ولا قرار مجلس الامن وبالتالي سوف لن تكون هناك حجة او ذريعة امام الاطراف الغربية للجوء نحو تفعيل آلية سناب باك العقابية .

 لكن الذي حصل بعد ذلك مالم يكن بالحسبان ولا في مستوى حسن الظن :

– اذ قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخروج من الاتفاق وذلك خلافا لقرار مجلس الامن .

-رفض الاطراف الاوروبية تنفيذ التزاماتها الواردة في القرار .

-لجوء الاميركان والاوروبيين الى فرض مزيد من المطالب المجحفة من ايران وخلافا للقرار الدولي .

هذه التجاوزات المتغطرسة من الجانب الغربي، هي التي احبطت النوايا الصادقة والحسابات القانونية والمنطقية التي آمن بها السيد محمد جواد ظريف حينما مضى قدما في الموافقة على الاتفاق والملحق وقرار مجلس الامن باعتبار انه يوقع مع دول (محترمة) وذات باع طويل جدا في الوفاء بالالتزامات .

ان الوقوع تحت تأثير العاطفة والعلاقات الشخصية وحالات الغضب وموجات الحقد والانتقام وغيرها من الانفعالات الفردية، امر وارد وكثيرا ما دفعت تلك الانفعالات قادة وزعماء نحو توقيع اتفاقيات ومعاهدات مجحفة وظالمة بحق شعوبهم واوطانهم .

فالرئيس المصري الاسبق محمد انور السادات ذهب الى الحد الاقصى في العلاقة مع اسرائيل تحت تأثير ما كان يزعمه من صداقات مع بيغن وشيمون بريز واسحاق شامير وبالنهاية حصل على سيناء منزوعة السلاح وبنصف سيادة مصرية .

صدام حسين ابرم اتفاقية الجزائر مع ايران تحت تأثير نوايا الانتقام من الحركة الكوردية، مثلما اعتقد في عام 1980 انه يستطيع تمزيق الاتفاقية والتخلص من عارها بشن حرب على ايران الجديدة التي ادت الى كوارث ومآسي وميراث دموي  يصعب تجاوزها لعشرات السنين.

اضف تعليق