أدت ندرة المياه إلى نزوح آلاف الأسر من الأرياف في محافظات الجنوب والوسط نحو المراكز الحضرية، مما تسبب في ضغوط كبيرة على البنى التحتية والخدمات الأساسية في المدن، وأسهم في تفاقم ظواهر السكن العشوائي والبطالة. اتساع دائرة الفقر وعدم المساواة: فقدان الفلاحين ومربي الماشية والصيادين لمصادر رزقهم حول شرائح...

ماهي الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها وتفرضها ندرة الموارد المائية في العراق؟ وماهي السيناريوهات المحتملة لندرة المياه وماهي الحلول المقترحة؟

أولاً: الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لندرة الموارد المائية في العراق

تمثل ندرة المياه في العراق تحدياً وجودياً لا يقتصر على الجانب البيئي فحسب، بل يمتد ليشكل أزمة مركبة تمس ركائز الاقتصاد الوطني وتؤثر في النسيج الاجتماعي، ويمكن تحليل هذه الانعكاسات على مستويين رئيسيين:

1- الانعكاسات الاقتصادية: 

* تراجع القطاع الزراعي: أدى شح المياه إلى انكماش المساحات المزروعة، لاسيما محاصيل الحبوب الاستراتيجية كالقمح والشعير، والمحاصيل النقدية مثل التمور والقطن التي شكلت تاريخياً مورداً مهماً للدخل الوطني، كما تدهورت الثروة الحيوانية بفعل جفاف المراعي وندرة مياه الشرب، ما دفع العديد من مربي الماشية إلى هجر مهنتهم، الأمر الذي انعكس سلباً على الأمن الغذائي والصادرات الزراعية.

* ارتفاع تكاليف الإنتاج: لجأ المزارعون إلى حفر الآبار العميقة لتعويض نقص مياه الري، مما رفع تكاليف الإنتاج نتيجة استهلاك الوقود وصيانة المعدات، وإضافة إلى ذلك، فإن استخدام مياه جوفية مالحة نسبياً في بعض المناطق ساهم في تدهور خصوبة التربة.

* تهديد الأمن الغذائي: أصبح العراق عاجزاً عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من السلع الغذائية الأساسية، مما زاد اعتماده على الاستيراد، وأدى إلى استنزاف الاحتياطيات النقدية الأجنبية وتعريض الاقتصاد الوطني لتقلبات الأسعار العالمية.

* تأثر الصناعات المرتبطة بالمياه: الصناعات الغذائية والمشروبات، فضلاً عن تعبئة المياه، تعرضت إلى خسائر كبيرة نتيجة انخفاض كميات المياه وتراجع الإنتاج الزراعي المحلي.

* تآكل رأس المال الطبيعي: يشكل الماء والتربة الخصبة رأس مال طبيعياً جوهرياً، واستنزافهما يعني خسارة أحد أهم مرتكزات الثروة والتنمية المستدامة.

2- الانعكاسات الاجتماعية:

* النزوح الداخلي (التهجير البيئي): أدت ندرة المياه إلى نزوح آلاف الأسر من الأرياف في محافظات الجنوب والوسط نحو المراكز الحضرية، مما تسبب في ضغوط كبيرة على البنى التحتية والخدمات الأساسية في المدن، وأسهم في تفاقم ظواهر السكن العشوائي والبطالة.

* اتساع دائرة الفقر وعدم المساواة: فقدان الفلاحين ومربي الماشية والصيادين لمصادر رزقهم حول شرائح اجتماعية منتجة إلى فئات هشة، الأمر الذي عمّق الفجوة بين الحضر والريف، وبين الفئات الميسورة والقادرة على استثمار بدائل مائية والفقراء المعتمدين على الموارد الطبيعية المتناقصة.

* تدهور الصحة العامة: ساهم تلوث المياه وقلة تدفقها في تفشي الأمراض خاصة بين الأطفال، كما أدى تملح المياه في مناطق مثل البصرة إلى مشاكل صحية جديدة.

ثانياً: السيناريوهات المستقبلية لندرة المياه والحلول المقترحة

إن معالجة أزمة المياه في العراق مرهونة بتبني سيناريوهات متعددة، ويمكن تلخيصها كالتالي:

1- سيناريو استمرار الوضع الراهن: يقوم على استمرار التراجع في تدفقات المياه الواردة من دول الجوار، وغياب إصلاحات جذرية في إدارة الموارد المائية، وتفاقم آثار التغير المناخي. 

2- سيناريو إدارة الأزمة: يعتمد على إجراءات حكومية جزئية مثل تحسين أنظمة الري بشكل محدود، إبرام اتفاقيات غير ملزمة مع دول الجوار، وإنشاء بعض محطات التحلية. 

3- سيناريو تحويل الأزمة إلى فرصة: يقوم على تبني نهج شامل وجذري في إدارة الموارد المائية، بهدف تحقيق الأمن المائي على المدى المتوسط والبعيد.

* الحلول المقترحة لتحقيق السيناريو الطموح:

1- على مستوى السياسات والدبلوماسية: تفعيل الدبلوماسية المائية مع تركيا وإيران للوصول إلى اتفاقيات عادلة وملزمة وفق القانون الدولي، وتعزيز التعاون الإقليمي في إدارة الأحواض المشتركة عبر مشاريع تعاونية.

2- على مستوى الإدارة الداخلية: سن قانون وطني حديث للمياه يحدد حقوق الاستخدام والتوزيع، وتطبيق سياسات إدارة الطلب من خلال تحديث أنظمة الري.

3- على المستوى التقني والتكنولوجي: بناء محطات متطورة لمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها، وإنشاء محطات تحلية على شط العرب والخليج، وتوظيف التقنيات الذكية لمراقبة الاستهلاك والحد من التجاوزات.

4- على المستوى البيئي والاستراتيجي: إعادة تأهيل الأهوار باعتبارها نظاماً بيئياً داعماً للتوازن المائي، وتنفيذ مشاريع مكافحة التصحر عبر الأحزمة الخضراء، مع دمج سياسات التكيف مع التغير المناخي في الخطط الوطنية.

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية تحت عنوان: (ندرة الموارد المائية في العراق: ازمة مركبة ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية)

اضف تعليق