سيُعيد حجم الاحترار المناخي تشكيل وجه العالم الزراعي، إذ يتوقع أن تشهد السهول الكبرى في ما يعرف بـ”حزام الذرة” الأميركي أو الغرب الأوسط، انخفاضا حادا في إنتاجيتها. وقد تصل الخسائر إلى 41 في المئة بحلول سنة 2100 في أغنى المناطق، وهي الأكثر إنتاجية راهنا. كذلك ستتأثر بشدة المجتمعات الريفية...
تقول الأمم المتحدة في تقرير لها أن الجفاف يُكلّف العالم أكثر من 300 مليار دولار سنويا، وحذّر التقرير من أن الجفاف الذي يدفع به “التدمير البشري للبيئة” قد يؤثر على 75 بالمئة من سكان العالم بحلول عام 2050. وأشار إلى أنّ كلفة الأزمة تجاوزت بالفعل 307 مليار دولار سنويا في جميع أنحاء العالم.
ودعت الأمم المتحدة إلى الاستثمار في “الحلول القائمة على الطبيعة” مثل “إعادة التحريج وإدارة الرعي وإدارة واستعادة وحفظ تجمعات المياه” لخفض كُلفة الجفاف وتحقيق الاستفادة القصوى من البيئة.
اتسم عام 2024 بالجفاف في الإكوادور والبرازيل وناميبيا وملاوي والدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، الذي تسبب في حرائق وأدى إلى نقص المياه والغذاء، ومن المتوقع أن يكون العام 2024 الأكثر سخونة منذ بدء تسجيل البيانات.
وقال كافيه ماداني، أحد المشاركين في صياغة التقرير “إن التكلفة الاقتصادية للجفاف تتجاوز الخسائر الزراعية الفورية. فهو يؤثر على سلاسل التوريد بأكملها، ويقلل الناتج المحلي الإجمالي، ويؤثر على سبل العيش، ويؤدي إلى مشاكل على المدى البعيد مثل الجوع والبطالة والهجرة”.
بدورها حذرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) من أن تملّح التربة يَطول راهنا 10,7 في المئة من سطح الأرض، متوقِعَةً أن يتفاقم بفعل التغيّر المناخي مُسبِّبا عواقب وخيمة للزراعة.
وأفاد تقرير أصدرته المنظمة أن نحو 1,4 مليار هكتار من الأراضي في العالم متأثرة بالملوحة، مشيرا إلى أن الظاهرة قد تشمل مليار هكتار إضافية بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين،
وثمة تربة محملة بشكل طبيعي بالملح أو الصوديوم تناسب النباتات التي تتكيف مع هذه الظروف القاسية.
لكنّ محتوى الملح أو الصوديوم في التربة يمكن أن يزيد بسرعة مع تغير المناخ (زيادة الجفاف، وذوبان التربة الصقيعية)، ولكن أيضا بسبب الأنشطة البشرية (إزالة الغابات، وسوء استخدام الري أو الضخ أو الأسمدة، وتمليح الطرق في ظل الطقس الجليدي).
ولهذه الملوحة عواقب مباشرة على الزراعة والغذاء، إذ تصل الخسائر الناجمة عنها إلى 70 في المئة من المحاصيل، وخصوصا الأرزّ والفاصولياء وقصب السكر والبطاطا. وتذبل في هذا النوع من الأراضي النباتات غير المتكيفة، كما هي الحال بفعل الجفاف.
وتتأثر بالملوحة راهنا 10 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، وخصوصا في الصين والولايات المتحدة وأفغانستان.
لكنّ التغيّر المناخي قد يؤدي إلى امتداد هذا التملح ليشمل 24 إلى 32 في المئة من التربة بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، وخصوصا في أميركا اللاتينية وجنوب غرب الولايات المتحدة وأستراليا وجنوب إفريقيا.
وفي ظل ارتفاع منسوب مياه البحر، يواجه أكثر من مليار شخص يعيشون في المناطق الساحلية خطر غمر المياه أراضيهم تدريجا وتَمَلُّح التربة في مناطقهم بحلول نهاية القرن، كما في بنغلادش والصين وفيتنام ومصر.
موجة انتحار بين ضحايا التغير المناخي
شكّلت حالات انتحار المزارعين باستمرار ظاهرة في الهند، لكنّ الظروف الجوية القاسية المرتبطة بالاحترار المناخي تُوسّع دائرة الجفاف وتُفاقِم تاليا الصعوبات المعيشية التي يعانيها هؤلاء وتدفع المزيد منهم إلى إنهاء حياتهم.
وتؤدي الأمطار غير المنتظمة والفيضانات والحرّ الشديد إلى خفض كميات المحاصيل في مناطق هندية كثيرة.
ويواجه القطاع الزراعي الذي يعمل فيه أكثر من 45% من القوى العاملة في أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم (1,4 مليار نسمة)، صعوبات مالية، فيما يغرق عدد كبير من المزارعين في الديون.
تصيب هذه المآسي المزارعين يوميا في الولاية التي تضم 18 مليون نسمة، وكانت تُعرف سابقا بأراضيها الخصبة.
في العام الفائت، أثرت الظواهر المناخية المتطرفة على 3,2 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية في مختلف أنحاء الهند، بحسب مجموعة الأبحاث التابعة لمركز العلوم والبيئة والتي تتخذ من نيودلهي مقرا.
تمثل ولاية ماهاراشترا وحدها أكثر من 60% من هذه المساحة.
بين عامي 2022 و2024، انتحر 3090 مزارعا في ولاية ماهاراشترا، أي بمعدل ثلاثة مزارعين يوميا تقريبا، بحسب وزير الزراعة المحلي شيفراج سينغ تشوهان.
لا تُحدد الإحصاءات الرسمية أسباب هذه الحالات، لكن الخبراء يُشيرون إلى عوامل مُختلفة.
يقول آر. راماكومار، الأستاذ في معهد تاتا للعلوم الاجتماعية إنّ “حالات انتحار المزارعين في الهند هي نتيجة لمشاكل في الدخل والاستثمار والإنتاجية”.
في عدد كبير من المزارع، لم تتطور الزراعة منذ قرون، ولا تزال إنتاجيتها تعتمد بشكل كبير على الطقس.
ويقول آر. راماكومار: “يفاقم التغير المناخي المخاطر”، مما “يؤدي إلى محاصيل سيئة ويجعل صغار المزارعين أكثر ضعفا اقتصاديا”.
ويرى أنّ الحكومة عليها مساعدة المزارعين على تأمين أنفسهم بشكل أفضل ضد “الظواهر المناخية المتطرفة” وزيادة الاستثمار في البحوث الزراعية لتمكين القطاع من التكيف بشكل أفضل.
ويقول الخبير “لا ينبغي أن تعتمد الزراعة بشكل تام على موسم الامطار”.
وللتغلب على انخفاض المردود، يستثمر المزارعون في أنظمة ريّ ويستخدمون كميات إضافية من الأسمدة.
لكنّ عددا كبيرا من البنوك ترفض منحهم القروض، فيلجأ أكثرهم يأسا إلى مقرضي الأموال الذين يفرضون فوائد مرتفعة جدا.
تعاني الزراعة الهندية من أزمة منذ عقود. وبحسب الإحصاءات الرسمية، كان في العام 2022 ينتحر 30 شخصا من العاملين في هذا القطاع يوميا.
إنتاجية القمح والأرزّ ستنخفض حتى لو تكيفت
يحدّ التغير المناخي من قدرة المحاصيل الزراعية على توفير الغذاء، إذ أن إنتاجية السعرات الحرارية لستة منها، بينها القمح والأرزّ، ستنخفض عالميا بما بين 11 و24 في المئة بحلول سنة 2100، حتى لو تكيّفت الممارسات الزراعية مع الاحترار، وفقا لدراسة نُشرت الأربعا.
وأفاد معدّو الدراسة التي نُشرت في مجلة “نيتشر” أن كل درجة مئوية إضافية من الاحترار المناخي ستُقلّل من قدرة العالم على إنتاج الغذاء بمقدار 120 سعرة حرارية للفرد يوميا، أي ما يعادل 4,4 في المئة من الاستهلاك اليومي الحالي، بدءا من الحقبة المرجعية التي اختار الباحثون الانطلاق منها، وهي مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وأوضح أستاذ العلوم الاجتماعية البيئية في كلية ستانفورد دوير للاستدامة سولومون هسيانغ الذي شارك في إعداد الدراسة أن “ارتفاع حرارة المناخ بمقدار ثلاث درجات مئوية (بحلول نهاية القرن)، سيكون بمنزلة تخلّي كل شخص على وجه الأرض عن وجبة الإفطار”.
وأُجريت هذه الدراسة الواسعة على مدى ثماني سنوات في 55 دولة وشارك فيها باحثون من نحو 15 جامعة، في إطار “كلايمت إمباكت لاب” Climate Impact Lab (أي “مختبر تأثير المناخ”)، وهو اتحاد بحثي في جامعة شيكاغو.
ووثقت الأبحاث السابقة خسائر في المحاصيل الزراعية مرتبطة بالاحترار المناخي، لكنها المرة الأولى يتم على السواء تحليل كل من آثار المناخ وتكيف الممارسات (اختيار الأصناف واستخدام الأسمدة والري، وما إلى ذلك).
وأجرى الباحثون تحليلا لوضع ستة محاصيل أساسية هي القمح والذرة والأرزّ وفول الصويا والذرة الرفيعة والكسافا، في ظل سيناريوهات مختلفة لانبعاثات غازات الدفيئة.
إلاّ أن الدراسة لا تأخذ في الاعتبار التغيرات أو التأخير في زراعة هذه الأنواع. وتستند إلى الممارسات المتبعة، مع أن المزارعين بدأوا يلمسون آثار ارتفاع درجة الحرارة بأكثر من 1,5 درجة مئوية في حقولهم مقارنةً بعصر ما قبل الصناعة.
إذا استمرت انبعاثات غازات الدفيئة في الارتفاع، فإن إنتاجية السعرات الحرارية ستكون “أقل من 24 في المئة” في عام 2100 مقارنةً بعالم من دون تغير مناخي. وإذا لم يحصل مزيد من التكيف، قد تصل الخسارة إلى نحو 37 في المئة عالميا.
مع ذلك، ستقتصر خسائر غلة السعرات الحرارية على 11 في المئة إذا انخفضت الانبعاثات بسرعة.
بحلول سنة 2050، وايّا كانت الجهود المبذولة لخفض الانبعاثات، سيبلغ انخفاض إنتاجية السعرات الحرارية 8 في المئة.
وسيُعيد حجم الاحترار المناخي تشكيل وجه العالم الزراعي، إذ يتوقع أن تشهد السهول الكبرى في ما يعرف بـ”حزام الذرة” الأميركي أو الغرب الأوسط، انخفاضا حادا في إنتاجيتها.
وقد تصل الخسائر إلى 41 في المئة بحلول سنة 2100 في أغنى المناطق، وهي الأكثر إنتاجية راهنا. كذلك ستتأثر بشدة المجتمعات الريفية التي تزرع المحاصيل الغذائية، وخصوصا تلك التي تعتمد على الكسافا في إفريقيا، إذ ستنخفض إنتاجيتها بنسبة 28 في أفقر المناطق.
وتتأثر المحاصيل نفسها بشكل غير متساوٍ بهذا التهديد.
وسيشهد القمح الذي يُستخدم في صناعة الخبز، انخفاضا في إنتاج السعرات الحرارية بنسبة تتراوح بين 30 في المئة و40 في المئة في الصين وروسيا والولايات المتحدة وكندا، وهي من بين أكبر خمس دول منتجة للقمح في العالم. وستكون الخسائر أقل (من 15 في المئة إلى 25 في المئة) في أوروبا الغربية والشرقية، وهما من أكبر المناطق المنتجة. و”من الممكن” أن تسجل زيادات في شرق الصين.
وستشهد الذرة التي تستهلكها الماشية بشكل رئيسي، انخفاضا في إنتاجها بنسبة 40 في المئة في سيناريو الانبعاثات العالية في حزام الحبوب الأميركي، وكذلك في آسيا الوسطى وجنوب إفريقيا. وستكون الخسائر أكثر اعتدالا في أميركا اللاتينية وإفريقيا الوسطى (نحو -15 في المئة)، حيث تُخففها الأمطار الغزيرة.
وستنخفض إنتاجية فول الصويا، وهو علف شائع للماشية ووقود حيوي، إلى النصف في الولايات المتحدة، لكنها ستزداد بنسبة 20 في المئة في البرازيل التي تُعدّ أصلا أكبر مُنتج عالمي.
وتختلف الآثار على الأرزّ، وهو محصول أساسي في آسيا، باختلاف منطقة الإنتاج، مع توقع خسائر كبيرة في آسيا الوسطى.
ومن المتوقع أن تفقد الكسافا، وهي درنة تُستهلك على نطاق واسع في إفريقيا، 40 في المئة من إنتاجها من السعرات الحرارية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
تُقر الدراسة بأن التكيف جارٍ بالفعل في الحقول، لا سيما في المناطق الحارة ذات الدخل المنخفض. في المقابل، تُظهر “سلال الخبز” العالمية في المناطق المعتدلة “قدرة محدودة على التكيف”. وسيؤثر ذلك سلبا على فاتورة الغذاء العالمية.
زراعة المشمش في طاجيكستان مهددة بفعل التغير المناخي
يؤكد المزارع أوكتام كوزيف أنّ بعض الأراضي في طاجيكستان غدت “شبه صحراوية” وتشققت تربتها العام الفائت جراء نقص المياه بسبب التغير المناخي، ما يهدد زراعة المشمش، إحدى الموارد الأساسية لاقتصاد البلاد الواقعة في آسيا الوسطى.
يقول الرجل السبعيني “لم تُروَ أشجار المشمش فجفّت”. كوزيف هو من بين مئة ألف طاجيكي يعتمدونن على زراعة المشمش.
يؤكد البنك الدولي أنّ هذه الفاكهة “معرضة بشكل خاص” للتغير المناخي، مع “ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط هطول الأمطار، وزيادة وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة”.
وأشار البنك الدولي في تقرير صدر عام 2024 إلى أن محصول المشمش مهدد بسبب زيادة “فصول الشتاء المعتدلة” و”الصقيع المتأخر” في منطقة إسفرا، بالإضافة إلى “تفاقم مشكلة شح المياه”.
في بستانه في رافو على الحدود الشمالية لطاجيكستان مع أوزبكستان وقيرغيزستان، يسحب كوزيف المياه من نهر إسفرا، الذي تستخدمه الدول الثلاث بكثافة.
يرى المزارع البالغ 72 عاما أنّ إمدادات المياه كافية هذا الموسم، لكن محدودة “كما هي الحال دائماً”، وقد ضحى في الماضي بنباتات القمح “لإنقاذ أهم ما لديهشيء: أشجار المشمش”.
في طاجيكستان، حيث تُزرع 10% من بساتين المشمش في العالم، تُعدّ هذه الفاكهة منتجا “استراتيجيا” و”موردا اقتصاديا حيويا”، بحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو).
في حديث إلى وكالة فرانس برس، يقول مومندجون محمدجونوف، نائب مدير شركة “إسفارا” للأغذية، وهي شركة رئيسية لإنتاج الفواكه المجففة إنّ “زراعة المشمش في شمال طاجيكستان بالغة الأهمية اقتصاديا واجتماعيا: فهي تُوفر فرص عمل وتُحسّن مستوى معيشة السكان”.
في هذا البلد الذي تُغطيه الجبال بنسبة 93%، تنتشر غالبية أشجار المشمش في واحات تُحيط بها أراضٍ شبه صحراوية بالقرب من إسفارا، عاصمة المشمش غير الرسمية في آسيا الوسطى.
ثُبّتت في وسط أسفارا حبة مشمش عملاقة تشكل معلما سياحيا وتبدو تحت أشعة الشمس مشابهة للخوخ الأبيض.
زراعة المشمش مهمة جدا لطاجيكستان، التي تُعد من أبرز مصدّري المشمش المجفف في العالم، في سوق تهيمن عليها تركيا، التي تضرر محصولها عام 2025 بشدة نتيجة موجة برد قاسية.
يخشى المنتجون في طاجيكستان من كارثة. يوضح مومندجون محمدجونوف “عندما ترتفع درجات الحرارة أو تنخفض بشكل حاد، حتى ليوم أو اثنين، لا نحصل على المحصول المطلوب”.
يحصل محمدجونوف على منتجاته من أسواق إسفارا، حيث يبيع صغار المزارعين بضعة أكياس من المشمش لكسب عيشهم.
تقول البائعة موبوراك إيسويفا إنّ “الأمطار تؤثر على الحصاد، فالمشمش لدينا عليه شعيرات أو بقع، مما يقلل من قيمته بشكل كبير”.
هذه الأمطار المبكرة لا تُساعد حتى في فصل الصيف، نظرا إلى نقص البنية التحتية للتخزين، كما أنها تواجه صعوبة في التسرب إلى التربة الطاجيكية المتدهورة جدا، وهي ظاهرة تُدمر الطبقة الماصة.
وهذه الاضطرابات الموسمية تتسارع.
في السابق، “لم يكن الناس يعرفون شيئا عن الصقيع. لكن على مدار السنوات العشرين الفائتة، تجمدت الأشجار خمس أو ست مرات، خلال فترة الإزهار أو بعدها مباشرة”، على ما يوضح بختيار جليلوف، الخبير الزراعي في بلدية إسفرة.
يُجبر هذا التغير المناخي المزارعين على التكيف.
قامت بلدية إسفرة “بتجديد 1500 هكتار من بساتين الفاكهة منخفضة الغلة خلال خمس سنوات” بهدف “تحسين الإنتاجية”، وفق جليلوف، و”زُرعت بساتين من المشمش الصالح للاستهلاك طازجا ومجففا”.
وجدت شركة إسفرة للأغذية بديلا للمشمش: البرقوق.
يوضح محمدجونوف “على عكس المشمش، يزهر البرقوق متأخرا قليلا، ويتحمل الحرارة والبرودة بشكل أفضل. عندما يكون محصول المشمش سيئا، نكون قادرين على تصدير البرقوق”.
ويقول محمدجونوف الذي قام بتركيب نظام ري بالتنقيط “في مواجهة تغير المناخ، قررنا استخدام الأراضي البور الجافة من خلال حفر آبار”.
لكن بالنسبة إلى صغار المنتجين، مثل إيسويفا وكوزييف اللذين يختبران أصنافا أكثر مقاومة، فإن معظم الحلول (الري بالتنقيط، والدخان لتدفئة الهواء، والري الشتوي) معقدة التنفيذ بحسب البنك الدولي.
في أفقر دولة في الاتحاد السوفياتي السابق، حيث يبلغ متوسط الراتب الشهري نحو 255 دولارا، فإن هذه الخيارات غير متاحة ماليا أو تقنيا. وقد كان لزيادة أسعار المياه بنسبة 150% بحلول عام 2024 أثر بالغ.
يشير المزارع كوزييف إلى أن “مياه نهر إسفارا أصبحت باهظة الثمن”.
ويُعدّ ذلك إجراء ضروريا لتحديث البنية التحتية وترشيد استخدام الموارد المائية، وضمان التوازن المحلي الهش بين المزارعين، ولكن أيضا على المستوى الإقليمي بين بلدان آسيا الوسطى.
زرع أنواع استوائية من الفاكهة في ألبانيا
وباتت بعض أنواع الفاكهة التي تنمو عادة في المناخات الاستوائية تُزرع في ألبانيا، إذ أن بعض المنتجين الحرصاء على تحويل الاحترار المناخي فرصة للكسب، يرون فيها صادرات المستقبل.
يملك إيراكلي شكوزا (75 عاما) الحاصل على شهادة في الهندسة الزراعية، بستانا صغيرا في ديفياكا. سعيا منه للتكيف مع درجات الحرارة التي تشهد ارتفاعا كل سنة، قرر قبل ست سنوات تنويع إنتاجه.
استورد في البداية بذورا من إفريقيا وأميركا وزرعها في أرضه التي تبلغ مساحتها حوالى هكتارين. وقد تكيفت كلّها بشكل ممتاز مع مناخ ألبانيا.
تقع منطقة ديفياكا بين أراض زراعية وساحل البحر الأدرياتيكي، وتُعدّ بمثابة سلة غذاء ألبانيا، حيث تُزرع الخضر والبطيخ للأسواق المحلية والخارجية.
لكن ارتفاع درجات الحرارة إلى جانب النقص الحاد في العمالة مع خسارة ألبانيا 400 ألف نسمة خلال عقد، يُشكلان ضغطا على الحقول.
يوضح إيراكلي شكوزا أن الفاكهة الاستوائية تتطلب كميات أقل من المياه واعتناء محدودا، مما يجعل تكاليف إنتاجها أقل.
تطوّر مناخ ألبانيا الذي يتميّز بصيف حار وجاف وفصول شتاء معتدلة، تحت تأثير الاحترار المناخي.
تتوقع عمليات محاكاة للظروف المناخية المستقبلية ارتفاعا في الحرارة في غرب البلقان بمقدار 3,5 درجات مئوية في ظل انبعاثات معتدلة من غازات الدفيئة، وتصل إلى 8,8 درجات في ظل سيناريو متمثل بانبعاثات مرتفعة، بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، على ما قال الباحثان الألمانيان دانيال مولر وماكس هوفمان، في دراستهما المتمحورة على آثار التغير المناخي على الزراعة في غرب البلقان.
وأشارا إلى أنّ موجات الحر “ستضر على الأرجح بكمية المحاصيل، لا سيما في ألبانيا حيث تكون درجات الحرارة المتوسطة في أعلى مستوياتها خلال الصيف”.
في هذا البلد، بلغت حصة الزراعة والغابات ومصايد الأسماك من الناتج المحلي الإجمالي 19% في العام 2020.
يعتبر إيراكلي شكوزا أنّ التغير المناخي ليس بالضرورة كارثة، مشيرا إلى ضرورة معرفة كيفية التكيف معه للاستفادة منه.
يقول شكوزا “على المزارعين الألبان البدء بإنتاج هذه المحاصيل على نطاق واسع، فالمناخ ملائم. هذه الفاكهة مطلوبة بشدة في السوق الأوروبية، حتى لو كانت من أماكن بعيدة، من أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا ونيوزيلندا وأستراليا وغيرها”، مؤكدا أن الرحلة إلى أوروبا لها تكلفة مالية وأخرى مرتبطة بمدى بقاء المحاصيل طازجة.
لو كانت المحاصيل من ألبانيا، “لكانت أقل تكلفة وطازجة أكثر”، بحسب ألتين هيلا، وهو مهندس زراعي آخر أنشأ متحفا للفراشات في ديفياكا.
يقول فاسيل نيكولوفسكي، وهو منتج من مقدونيا الشمالية يعيش في ديفياكا منذ سنوات عدة، إن البابايا الموجودة في الأسواق الأوروبية “تُحصد وهي لا تزال خضراء، ثم تُنقل إلى أوروبا حيث تنضج اصطناعيا. هنا، تنضج على الأشجار”.
ويشير إلى أنّ “ألبانيا تتمتع بكل الإمكانيات لتلبية احتياجات السوق الأوروبية وتحقيق مبيعات تتراوح بين 100 و200 مليون يورو” (بين 117 و234 مليون دولار).
وقد نجح إيراكلي شكوزا في ترسيخ مكانته في السوق الأوروبية من خلال تصدير فاكهة التنين، وفاكهة الباشن، وفاكهة البيبينو.
حديثا، وبالتعاون مع مزارعين آخرين في منطقته، تمكن من أن يصدّر إلى كرواتيا 30 طنا من الكيوانو، المعروف أيضا باسم البطيخ المقرن.
ويقول بفرح وهو يراقب براعم فاكهة التنين بعناية “يُبشر حصاد هذا العام بوفرة”.
على بُعد 55 كيلومترا جنوب ديفياكا، يزرع لولزيم بولاري الكيوي. وسط حقله الذي تبلغ مساحته 40 هكتارا من هذه الفاكهة التي تُزرع حديثا في ألبانيا وتُخصص بشكل شبه حصري للتصدير إلى سويسرا وهولندا، يقول “لا ينبغي أن نشتكي من ارتفاع درجات الحرارة، فعلى مدار العامين الفائتين كان إنتاج الكيوي نعمة”.
بدأ حديثا بزراعة مجموعة متنوعة من أشجار التين الأصلية في شمال إفريقيا، والتي تتميز بمقاومتها العالية لمناخات الشتاء المعتدلة، على مساحة تبلغ حوالى خمسة عشر هكتارا.
يقول إنّ “الحظ يُلازم الشجعان، وعليك الاندفاع لاقتناصه”.
زراعة الكاكاو
تسبّب التغير المناخي بتسجيل درجات حرارة تخطّت مرات عدة خلال العام الفائت، العتبة الحرجة في حزام الكاكاو في غرب إفريقيا، مما أثّر على محاصيل المنطقة التي تزوّد العالم بالشوكولا.
وفي العام 2024، تجاوزت الحرارة 32 درجة مئوية لأكثر من ستة أسابيع في 71% من المزارع التي شملتها الدراسة، بسبب ظاهرة الاحترار المناخي الناتجة عن الأنشطة البشرية، على ما أكّد باحثون من مركز الأبحاث المستقل “كلايمت سنترال”.
وفي حال تخطت الحرارة هذه الدرجة المثالية لنمو شجرة الكاكاو، يؤثر الحرّ على عملية التمثيل الضوئي ويزيد من الإجهاد المائي على النباتات، مما يؤدي إلى ذبول الزهور ونموّ نباتات أصغر حجما.
ولاحظ الباحثون أن الحرارة التي تزيد عن 32 درجة مئوية “باتت تُسجَّل بشكل أكبر” في هذه المنطقة التي تمثل 70% من إنتاج الكاكاو العالمي، تحديدا خلال موسم النمو الرئيسي (بين تشرين الاول/أكتوبر وآذار/مارس).
وأشاروا إلى أنّ التغير المناخي يؤدي أيضا إلى تساقط كميات استثنائية من الأمطار وتفاقم الآفات الحشرية، وكلّها عوامل تقوض الإنتاج وتؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار.
وهذا الاتجاه ملحوظ خصوصا في ساحل العاج وغانا، أكبر دولتين منتجتين للكاكاو، على ما أشار التقرير الذي استند إلى عشر سنوات من البيانات من 44 منطقة تقع في أربعة بلدان وإلى نماذج محاكاة.
وأضاف التقرير أنّ أشجار الكاكاو في ساحل العاج مثلا لكانت واجهت نصف عدد الأيام ذات درجات الحرارة الشديدة لولا الاحترار الناجم عن الغازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة البشرية.
وشهدت ساحل العاج أيضا كميات أمطار أكثر من المعتاد بنسبة 40% في تموز/يوليو 2024، مما أدى إلى إغراق الحقول في حين كان ينبغي أن تجفّ الحبوب في هذه المرحلة. وعلى عكس ذلك، “تساقطت كميات قليلة جدا من الأمطار أو لم تتساقط الأمطار خلال كانون الأول/ديسمبر” مع أنّها ضرورية في بداية موسم الزراعة.
وفي تقرير نُشر بشكل منفصل، أعربت منظمة “كريستشن إيد” البريطانية غير الحكومية عن قلقها إزاء الضرر المتزايد الذي يواجهه منتجو الكاكاو بسبب آثار التغير المناخي.
وقال مدير حملة “كريستشن إيد” أوساي أوجيغو “يُعدّ الكاكاو مصدر رزق حيوي لأشخاص كثيرين هم من الأفقر في العالم، ويشكل التغير المناخي الناجم عن أنشطة البشر تهديدا خطيرا”.
وتسبب ضعف المحاصيل بارتفاع الأسعار بشكل كبير منذ نهاية العام 2023 في أسواق لندن ونيويورك.
وصلت أسعار الكاكاو إلى ذروة عند أكثر من 12500 دولار للطن في 18 كانون الأول/ديسمبر في نيويورك، ومع اقتراب عيد الحب، كان لا يزال يُباع بأكثر من 10 آلاف دولار. وقبل أن تبدأ الأسعار بالارتفاع عام 2023، كانت عند مستوى يتراوح بين 2000 إلى 3000 دولار لأكثر من عشر سنوات.
منتجو الخرما في تايوان يعانون
بمقصّ تقليم، يقطع مُزارع الكاكي (أو الخرما) لو تشيه نينغ البالغ 65 عاما الثمار المتدلية من الأغصان، وهو واقف على سلّم في بستانه الضخم الذي يعاني موسما صعبا.
فمحاصيله تراجعت عام 2024، ولم تزهر بعض أشجاره، واقتلع إعصارا تشرين الأول/أكتوبر عددا كبيرا من أوراقها وفواكهها.
ويواجه القطاع أيضا صعوبة في جذب الشباب، بسبب المخاوف من تأثّر هذه الزراعة سلبا بالتغيّر المناخي، مما يجبر المنتجين على إيجاد وسائل بديلة للعيش، أو يدفعهم حتى إلى ترك هذا المجال كليا.
ولاحظ لو في تصريح لوكالة فرانس برس في مزرعته بتايتشونغ (غرب تايوان)، حيث تمتد أشجار الخرما واديا بأكمله، أن “الإنتاجية انخفضت كثيرا، بنسبة الثلث على الأقل”.
وشرح لو تشيه نينغ الذي توقع أن تبلغ قيمة خسارته من الإيرادات السنوية مليون دولار تايواني جديد (30400 دولار)، أن “الأعاصير هي السبب الرئيسي” لهذا التراجع.
وتُقطف الخرما خلال الفترة الممتدة من أيلول/سبتمبر إلى كانون الأول/ديسمبر، ويُرسَل معظمها لتجفيفه إلى مقاطعة هسينشو التي تبعد بضعة كيلومترات إلى الشمال من تايتشونغ.
وتُخصّص الكمية الكاملة تقريبا من الفواكه التي تُقطف سنويا للاستهلاك المحليّ في تايوان نفسها، ويجتاز السكان المحليون أحيانا مسافات طويلة اساعات من أجل شراء أكياس وصناديق من الفواكه المجففة لتقديمها للعائلة والأصدقاء.
يوضع محصول لو تشيه نينغ في صناديق، ويُحمَّل على شاحنة ويُنقَل إلى بستان ويويجيا في مقاطعة هسينشو، حيث تعمل عائلة لو لي شين منذ أكثر من قرن في مجال زراعة ثمار الخرما وتجفيفها.
ويُقبِل السياح بكثافة على مزرعة لو لالتقاط الصور لأنفسهم وسط صناديق الفاكهة التي تجف وتصبح داكنة بفعل الشمس والهواء، وهي طريقة تقليدية درجَ على استخدامها جماعة هاكا في تايوان للحصول على ثمار الخرما المجففة.
وفي رأي جوديث تشين التي جاءت من مدينة تايتشونغ للتموّن، أن الخرما المجففة “لذيذة حقا”،
وانخفض محصول الخرما السنوي في الجزيرة للعام الثاني على التوالي في 2023 ليصل إلى 59 ألف طن. ويُتوقع أن يشهد هذا الرقم تراجعا إضافيا بنسبة 13 في المئة أخرى، وفقا لتوقعات هيئة الزراعة والأغذية التابعة لوزارة الزراعة التايوانية.
وتقلّصت المساحة الإجمالية للأراضي المخصصة لزراعة الكاكي من 5300 هكتار قبل نحو عشر سنوات إلى 4700 هكتار فحسب، في حين تدنّى عدد المزارعين أيضا، وفق ما أفادمدير قسم الفاكهة والزهور في الهيئة سو تانغ تشاو،
وذكّر سو بأن تغييرات في مناطق الإنتاج وتقلبات في إنتاجية المنتج وجودته خلال السنوات الأخيرة بسبب عوامل بيئية كتغير المناخ واحترار كوكب الأرض”.
وتُسَلَّم الخرما عادة إلى مزرعة ويويجيا يوميا. لكنّ المحاصيل في 2024 كانت “منخفضة جدا” بحسب لو، ولم تكن عمليات التسليم تتم إلا كل يومين.
وقال “ليس لدينا إلاّ 20 في المئة فحسب من المخزون المعتاد”.
وأضاف “عندما أسأل المزارعين عن الأسباب، يجيبون بأن الأشجار لا تزهر بشكل صحيح، وأن الزهور لا تتفتح كما ينبغي”.
ورأى أن ذلك عائد إلى “ظروف مناخية شاذة” وإلى شيخوخة المنتجين الذين لا يرغب أبناؤهم دائما في تولّي المهمة بعد آبائهم.
وقال الرجل البالغ 68 عاما “لم يسبق أن واجهنا مثل هذا الوضع”.
ولتحقيق أقصى قدر من الإيرادات، يجمع موظفو لو قشور الخرما ويتولون معالجتها وتحويلها إلى صباغ. وتعتزم الشركة أيضا تصنيع منتجات للعناية بالبشرة.
وأشار خبير التشجير لو تشيه نينغ إلى أنه يأمل في أن يترك بستانه لابن أخيه في السنوات المقبلة إذا كان على مستوى التحدي.
واضاف “قلت له: إذا كنت تخاف من الصعوبات، فلن تتمكن من تولّي المهمة”.
اضف تعليق