الانتخابات العراقية 2025 لا تمثل مجرد استحقاق سياسي، بل اختبار أخلاقي وفلسفي للمجتمع العراقي، ومحطة مفصلية في الصراع بين العقل والانفعال، بين الدولة والخطاب الشعبوي، إن معركة مواجهة الشعبوية ليست فقط في صناديق الاقتراع، بل في بنية العقل الجمعي، وتعزيز المؤسسات، وفي الفهم العميق للديمقراطية كأداة بناء، لا هدم...

عقد مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية ملتقاه الفكري في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام تحت عنوان "الشعبوية الانتخابية.. تغييب الوعي وضياع المستقبل"، بمشاركة عدد من مدراء مراكز دراسات بحثية، وأكاديميين، وإعلاميين، قدّم الورقة البحثية الاستاذ حيدر عبد الستار الاجودي- باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، الذي سلط الضوء في ورقته البحثية على تحليل الشعبوية الانتخابية في العراق، من حيث الجذور، الآليات، والأثر المتوقع على انتخابات 2025، وابتدأ حديثه قائلا:

"في فضاءات الديمقراطية الهشة القائمة على المحاصصة الطائفية وفرض السلاح والمال للنفوذ السياسي، تشكل الشعبوية الانتخابية تهديدا متناميا للبنى السياسية والاجتماعية، خاصة في الدول التي تعاني من أزمات بنيوية كالعراق، حيث تظل الديمقراطية شكلا مفرغا من مضمونه ما لم تحصن بوعي جمعي ومؤسسات راسخة، لا تنشأ الشعبوية في فراغ، بل تستثمر في الخوف، التهميش، الإحباط، والتدين المشحون سياسيا، لتنتج سرديات سطحية تفتقر إلى العمق الفكري والرؤية المستقبلية، وتتغذى على كاريزما اللحظة لا على مشروع الدولة.

أولا: فهم ظاهرة الشعبوية

ترى أدبيات الفكر السياسي أن الشعبوية ليست أيديولوجيا قائمة بحد ذاتها بل أسلوب في الخطاب السياسي كما يعبر عنه إرنستو لاكلو، يقوم على تقسيم المجتمع إلى فسطاطين: الشعب النقي والنخب الفاسدة، مع تبني خطاب عدائي ضد المؤسسات والنظم القائمة، هذه الثنائية تستخدم لإضفاء شرعية على الزعيم الشعبوي، دون الحاجة لمأسسة تمثيله السياسي، هي إذن لا تنتمي إلى الفكر اليساري أو اليميني بالضرورة، بل تركب موجة السخط وتعيد تشكيلها شعبيا بشكل تبسيطي، وغالبا ما تختزل في شخص واحد يدعي تمثيل الإرادة الجمعية دون تفويض مؤسسي حقيقي.

وفي السياق العراقي، الشعبوية تأخذ طابعا مركبا من الهويات الدينية، العشائرية، والمظلومية التاريخية، وتتكئ على تراكم الإخفاقات السياسية منذ 2003، حيث النظام البرلماني الهش أتاح لموجات من الشعبويين صعودا سريعا عبر صناديق انتخاب مشوهة بالجهل، والمال السياسي، والميليشياوية.

ثانيا: الشعبوية في الانتخابات العراقية (2005 – 2021)

منذ أول تجربة انتخابية بعد 2003، برزت ملامح الشعبوية من خلال خلط الدين بالسياسة، واحتكار تمثيل الطائفة تحت شعارات المظلومية والهوية، وقد شهدت انتخابات 2010 تصعيدا لهذا الخطاب، إذ بات التنافس يتمحور حول من هو الأجدر بالدفاع عن الطائفة أو المذهب بدلا من البرامج الانتخابية.

وفي انتخابات 2014، ووسط تصاعد خطر داعش، أصبحت الخطابات الشعبوية أكثر حدة، حيث تم استثمار الأمن ومحاربة الإرهاب كشعارات انتخابية دون مراجعة نقدية لأسباب الانهيار الأمني، بينما في 2018، ومع بروز اللا مشروع كعنوان لما بعد النصر على داعش، اندفعت قوى جديدة بخطاب ثوري – شعبي، استثمرت في فشل الحكومات المتعاقبة، دون أن تقدم نموذجا مؤسساتيا بديلا.

أما في انتخابات 2021، فقد وصلت الشعبوية إلى ذروتها، إذ استثمرت انتفاضة تشرين عام 2019 شعاراتيا من أطراف متناقضة، فاختزلت المطالب التغييرية بوجوه جديدة تحمل الخطاب القديم نفسه: التجييش، التخوين، وشيطنة الآخر.

ثالثا: انتخابات 2025 وتفكك الوعي الانتخابي

المشهد الانتخابي المقبل في 2025 ينبئ بإعادة تدوير الخطاب الشعبوي بوسائل أكثر تأثيرا، لا بسبب طغيان الخطاب فقط، بل نتيجة غياب القوى البرامجية العقلانية القادرة على اختراق وعي الجمهور.

ما نشهده اليوم هو تصاعد المظلومية السياسية كأداة انتخابية، وتوظيف الدين في سياق تهييجي لا بنائي، حيث تحاول قوى شعبوية ارتداء لباس الإصلاح دون مساس ببنى الفساد، وتستعمل مفردات الإصلاح، السيادة، الكرامة، والعدالة بشكل انتقائي مضلل، كما أن الانتشار الواسع للمنصات الرقمية غير المنضبطة سهل عملية تسويق الخطاب الشعبوي، وأضعف دور الإعلام الرسمي والمجتمع الأكاديمي والديني في ترشيد الوعي.

تشير الدراسات إلى أن المجتمعات التي تنتخب وفق الانفعالات العاطفية لا المصلحة العقلانية، تميل إلى انتكاسات ديمقراطية لاحقة، وهو ما ينسجم مع مسار العراق السياسي في السنوات الأخيرة، حيث بات التراجع المؤسسي يقابل بزيادة في الخطاب الشعبوي، لا العكس. 

رابعا: فلسفة الشعبوية وعلاقتها بالدين والمجتمع

تنهل الشعبوية من روافد فلسفية سطحية؛ فهي تستبدل الفكر النقدي بـالانفعال الجمعي، وتفرغ الديمقراطية من مضمونها الفكري في إرادة الزعيم أو الغريزة الجمعية، في هذا الإطار، يستعيد مشهد الانتخابات العراقية مقولات فريدريك نيتشه حول إرادة القوة لا الحقيقة، فكل طرف يدعي امتلاك الحق والخلاص دون أي مساءلة معرفية أو أخلاقية.

أما من الناحية الدينية، فإن استخدام المقدس في التسويق السياسي يؤدي إلى تآكل خطير في الإيمان ذاته، حيث تختلط النصوص بالشعارات، ويستثمر الرمز الديني خارج سياقه الأخلاقي والإصلاحي، فينتج التدين المشوه الذي وصفه الإمام علي (ع) حين قال: ما أكثر العبر وأقل الاعتبار.

كما أن الشعبوية تفتت النسيج الاجتماعي عبر إنتاج العدو الداخلي (الناخب المختلف، المواطن المغاير)، وتغيب مفاهيم المواطنة والعدالة الاجتماعية لصالح الانتماء القبلي أو المذهبي أو الزبائني، وهو ما يؤدي إلى تطييف الديمقراطية، أي تحويلها من أداة لحكم الشعب إلى أداة لتكريس الانقسام.

خامسا: خطاب مضاد ومقاومة فكرية

لا يمكن مواجهة الشعبوية فقط عبر القوانين أو الوعظ، بل عبر بناء خطاب بديل يجمع بين العقلانية السياسية، النزاهة الأخلاقية، والحسّ الديني المتجذر، والمطلوب اليوم هو إنتاج قوى إصلاحية غير شعبوية، تؤمن بالمؤسسات، تتبنى رؤية طويلة الأمد، وتقاوم إغراء التجييش الانتخابي.

ويمكن تلخيص آليات محاربة الشعبوية في:

- الوعي الانتخابي: فلا بد من حملات تربوية وفكرية تبدأ من المدارس والجامعات والمساجد والحسينيات، لتعزيز فهم المواطن للديمقراطية كمسؤولية لا كغنيمة.

- المراجعة الدينية: ينبغي للمؤسسات الدينية أن تقف موقفا ناقدا من تسليع الدين في الحملات الانتخابية، وإحياء مفاهيم الإسلام السياسي الأخلاقي لا السلطوي.

- النخبة الواعية: تقع مسؤولية كبرى على النخبة المثقفة في إنتاج سرديات بديلة تقوم على التفكير النقدي والتخطيط العقلاني، بدلا من إعادة تدوير الشعارات.

- الإعلام النوعي: دعم المنصات الإعلامية المستقلة والرصينة التي تقدم تحليلات لا خطابات دعائية، وتكشف تناقضات القوى الشعبوية بدلا من ترويجها.

وخلاصة الامر، إن الانتخابات العراقية 2025 لا تمثل مجرد استحقاق سياسي، بل اختبار أخلاقي وفلسفي للمجتمع العراقي، ومحطة مفصلية في الصراع بين العقل والانفعال، بين الدولة والخطاب الشعبوي، إن معركة مواجهة الشعبوية ليست فقط في صناديق الاقتراع، بل في بنية العقل الجمعي، وتعزيز المؤسسات، وفي الفهم العميق للديمقراطية كأداة بناء، لا هدم، وتمكين المواطن من التصويت على أساس التفكير لا الانفعال.

وفي ضوء هذه الورقة البحثية، تجلت الأسئلة الجوهرية التي تشكلت محورا للنقاش الثقافي امام السادة الحضور بالاتي:

السؤال الاول: هل تمثل الشعبوية في الخطاب الانتخابي العراقي ارادة الشعب ام انها تكرس اللاوعي السياسي وتعيد انتاج الفشل؟

السؤال الثاني: كيف يمكن تحويل القوة الشعبية الى طاقة فاعلة مستدامة لبناء الدولة المستقرة؟

المداخلات

ديمقراطية بلا وعي تنتج الشعبوية

- د. خالد العرداوي/ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:

عند الحديث عن الشعبوية، فإنها قد تشكل تهديدا حقيقيا على الأنظمة الديمقراطية المستقرة، والتي تقوم على مؤسسات قوية ونخب مسؤولة وقوانين نافذة، في مثل هذه الأنظمة، الشعبوية تعد قوة اضطراب خطيرة لأنها تمكن قادة من خارج الإطار التقليدي من استخدام خطاب تعبوي يخاطب المشاعر الشعبية، ويدعي تمثيل الإرادة العامة، ويهاجم النخب والأنظمة تحت شعار العدالة والمظلومية.

لكن الواقع العراقي مختلف جذريا، فهنا لا توجد لدينا ديمقراطية حقيقية نخشى على استقرارها، ولا سيادة قانون نحميها من الشعبويين، ولا مؤسسات راسخة نخاف من تقويضها، نحن نعيش في دولة تنهب على العلن، حيث يسرق ما يقارب ملياري دولار من المال العام دون مساءلة، بل ويتواطأ بعض الشعبويين أنفسهم –الذين يدعون تمثيل الشعب– في التغطية على هذه الجرائم، في هذا السياق يصبح الخطاب الشعبوي أداة من أدوات التضليل وليس وسيلة للإنقاذ.

في دول العالم المتقدم، عندما يسقط جزء من أراضي الدولة بيد الإرهاب، تحاسب القيادات وتفتح التحقيقات وقد تسقط حكومات، أما في العراق فقد سقط ثلث البلاد بيد تنظيم إرهابي ولم تحاسب أي جهة، بل يعد من يتحدث عن مسؤولية هذا الانهيار مثيرا للفتنة، أصبحت النخبة السياسية متواطئة متسترة على الفساد، لكنها في الوقت ذاته تحاول أن تسوق نفسها كل دورة انتخابية تحت غطاء الديمقراطية.

لا فرق كبير بين الأطياف السياسية في العراق، فجميع القوى -على اختلاف انتماءاتها– تتبادل الاتهامات بالتزوير والفساد، بينما يتحدث الجميع عن الإصلاح ومحاربة الفساد والدفاع عن الحقوق والحريات، وفي دراسة اجريتها على البرامج الانتخابية للأحزاب الشيعية والسنية، وجدت أنها تتشابه إلى حد كبير، باستثناء اختلافات شكلية، في محاولة لكسب التعاطف الشعبي.

إن هذه الطبقة السياسية لا تمثل الإرادة الشعبية الحقيقية، بل تمثل مصالحها الضيقة وتسعى لإعادة إنتاج فشلها، مستثمرة في وعي مجتمعي مشوش، ووعي قائم على الطائفة والعشيرة والمنطقة، وشيطنة الآخر المختلف، وهو ما يستخدم كوقود انتخابي لبث الخوف والانقسام.

إن التاريخ يثبت أن الشعوب حين تمنح قيادة رشيدة وإرادة حرة، قادرة على تحقيق التغيير، فالثورة الفرنسية مثال حي، حيث واجه شعب فقير جيوشا نظامية وانتصر بإرادته، كذلك فإن تجربة العراقيين في مواجهة تنظيم داعش أظهرت أن الشعب يمتلك تماسكا وقدرة على التضحية والوحدة، تفوق بكثير ما تقدمه الطبقة السياسية.

لو وجدت لدينا قيادة وطنية حقيقية تعبر عن إرادة الناس وتحسن توظيفها، لتمكنا من بناء مؤسسات قوية، ومكافحة الفساد، وتعزيز اللحمة الوطنية، غير أن المشكلة الجوهرية تظل في النخبة السياسية التي تحتكر السلطة وتعيد إنتاج الخطاب الشعبوي ليس من موقع التغيير، بل من موقع الاستمرار في الحكم، ولو على حساب المستقبل.

الخطاب الشعبوي أداة تمزيق

- الاستاذ خليفة التميمي، كاتب واعلامي:

عند التأمل في مدلول كلمة الشعب، نجد أنها تحمل في جوهرها دلالتين متناقضتين، فهي من جهة تحتمل معنى التشعب والانقسام، ومن جهة أخرى يمكن أن تعبر عن الوحدة والانضمام، وقد أشار الشاعر صالح بن عبد القدوس فقال:

"احرص على حفظ القلوب من الأذى.. فرجوعها بعد التنافر يصعب

إن القلوب إذا تنافر ودها.. شبه الزجاجة كسرها لا يشعب".

وهذا المعنى العميق ينعكس بوضوح على واقعنا السياسي والاجتماعي اليوم، إذ أن الخطاب الشعبوي في العراق يتخذ أحد شكلين رئيسيين: إما خطابا طائفيا يكرسه النظام السياسي منذ عام 2003 وحتى اليوم، أو خطابا قوميا كما يتجلى في مسألة السعي الكردي نحو الانفصال عن المركز.

إن حالة الشعب اليوم لا تعالج بخطابات عاطفية أو بشعارات انتخابية متكررة، بل تحتاج إلى ثورة واعية –ليست ثورة الغضب والانفجار الفوضوي- وإنما ثورة فكرية، اجتماعية، سياسية، تعيد بناء الأدوات وتوظفها بما ينسجم مع متغيرات العصر ومتطلباته.

رغم أن هناك بذورا من الوعي بدأت تظهر لدى بعض الشخصيات المثقفة والواعية، إلا أن المشهد العام لا يمنح هذه النماذج فرصتها الكافية للتأثير، في ظل تسارع الإحباط، وضيق الوقت، وضغط المنظومة السياسية المتجذرة، التي تعمل على إقصاء أي مشروع تغيير حقيقي.

الشعبوية بين الجهل الذاتي والضغط الخارجي

- الاستاذ محمد علي جواد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:

الشعبوية ليست ظاهرة طارئة، بل هي نتاج شرطين أساسيين يتفاعلان في عمق البنية الاجتماعية والسياسية، أولا قلة الوعي داخل المجتمع، وثانيا تأثير الأزمات الخارجية التي تخلق بيئة خصبة لانتشار الخطاب الشعبوي، إنها أزمة ذات وجهين: مشكلة داخلية بنيوية، وأخرى خارجية ظرفية، تساهمان معا في تغذية الظاهرة وتعميق جذورها.

في العراق فعلى الرغم من أن النظام السياسي يصنف نظريا على أنه ديمقراطي، إلا أن الواقع يظهر سوء استخدام لهذا النظام بشكل واضح، حيث يجري تطويعه لصالح جهات سياسية معينة تمعن في التلاعب بمصائر الناس المغلوبين على أمرهم، ورغم ما يملكه العراق من ثروات وإمكانات تؤهله لأن يكون من الدول المتقدمة، إلا أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي يناقض هذه الصورة، إذ يعيش المواطن العراقي حالة متزايدة من الحرمان والتهميش، تقابلها طبقة سياسية تحسن استثمار هذا الحرمان في تكريس سطوتها.

وتتجلى الشعبوية هنا كأداة في يد بعض القوى التي تستثمر في الدين أو القومية ليس من أجل بناء مشروع وطني جامع، بل لتحقيق مطالب فئوية ضيقة، فتعبئ جمهورها بشعارات هوياتية، وتجعل من تجهيل الناس برنامجا ممنهجا، في هذا السياق، تتحول الشعبوية إلى أسلوب معيشة، تبنى عليه المكاسب السياسية، ويعاد إنتاجه كلما دعت الحاجة، في حلقة مفرغة لا تنتهي.

الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات الغاضبة، رغم شرعيتها ومبرراتها، باتت في ظل غياب الوعي وسوء التنظيم، مجرد صخب اجتماعي لا يؤدي إلى نتائج ملموسة، ويستنزف في دوامة متكررة من الهياج والعنف الرمزي والمادي، لذلك فإن المعالجة الحقيقية للشعبوية تبدأ من إعادة بناء الوعي، وتطوير الأدوات الاقتصادية والاجتماعية لحل الأزمات المزمنة، بما يمنح الناس بديلا واقعيا عن الانقياد وراء الخطابات التحريضية والمشاريع الفئوية.

إشكالية الديمقراطية وتكريس الجهل السياسي

- الاستاذ علاء الكاظمي، كاتب وباحث:

تعد قضية الوعي وضياع المستقبل من أبرز الإشكالات المتولدة عن النظام الديمقراطي نفسه، الذي وإن بدأ في ظاهره نظاما يتيح التعددية والتعبير الشعبي، إلا أنه في جوهره يكرس الشعبوية والجهل السياسي عند الشعوب، كما يشير إلى ذلك العديد من المفكرين والباحثين، من بينهم مؤلفا كتاب ما وراء الديمقراطية، اللذان تناولا هذا النظام بنبرة ساخرة، نظرا لحساسية في حال نقدهم الجاد والمباشر.

ويبرز غلاف هذا الكتاب المثير للتأمل تساؤلا واضحا: لماذا لا تؤدي الديمقراطية إلى الوحدة والرفاهية والحرية، بل إلى عدم الاستقرار والعنف غير المسيطر عليه وظهور حكومات استبدادية؟، لقد جمع المؤلفان في هذا الكتاب العديد من الشهادات البحثية والمراجع العلمية التي تسلط الضوء على نقاط الضعف البنيوية في النظام الديمقراطي.

في العراق يبرز هذا الخلل بشكل صارخ، فرغم أن النظام الديمقراطي يطبق نظريا، إلا أن آلية تطبيقه تنتج واقعا مشوها، خصوصا في مرحلة الانتخابات، إذ نرى المرشحين في كل دورة انتخابية يتسابقون إلى مناطقهم بعروض مغرية وبرامج شعبوية، تصاغ خصيصا لإرضاء الناخب وليس لخدمة المصلحة العامة، كل مرشح يسعى لإيجاد عرض يرضي رغبات الناس، بغض النظر عن واقعيته أو قابليته للتحقيق، مما ينتج تنافسا غير شريف يشجع السياسيين على الكذب والمبالغة، حتى يتحول هذا السلوك إلى سوق وهم كبير، يكرس الجهل ويغذي أوهام الناس.

في الديمقراطيات الغربية ورغم ما يشاع عن تقدمها، إلا أن النظام نفسه يسمح للاقتصاديات والسياسة أن تتحكم بمخرجات الانتخابات، فمصادرة الوعي تحصل هنا ليس فقط عبر المال السياسي، بل من خلال تضليل الجمهور ومنعه من التفكير المستقل، والخطورة لا تتوقف هنا، فـالمجتمعات الواعية يصعب خداعها لذلك يعمل السياسيون في كثير من الأحيان على تجهيل هذه المجتمعات عن عمد، لأن الناخب الواعي يفقدهم أدواتهم التقليدية في الخطاب والتجييش.

وفي المقابل، تقترح المنظومة الدينية الإسلامية بعدا آخر لمفهوم المشاركة السياسية، حيث تحمل كل فرد مسؤولية الوعي والتغيير والإصلاح لا فقط النخبة أو المرجعيات، قال تعالى في سورة الحديد:

"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط..."، هذه الآية توضح أن المرجعية الأساسية للعمل السياسي والأخلاقي يجب أن تكون "الكتاب والسنة"، أي القيم والعدل، وقد أجمعت آراء الفقهاء والمفكرين –من روسو وجون لوك إلى كبار مفسري القرآن– على أن القوة قد تستخدم في الإصلاح كحل أخير، ولكن ضمن شروط صارمة تحفظ كرامة الإنسان وأمن المجتمع.

الشعبوية حاجة اجتماعية للأمان المعيشي

- الشيخ مرتضى معاش، كاتب وباحث في الفكر الإسلامي المعاصر:

إن الشعبوية في جوهرها ليست انحرافا طارئا أو ظاهرة مصطنعة، بل هي حالة إنسانية طبيعية نابعة من غريزة الانتماء الجمعي لدى الفرد، تلك الغريزة التي تدفع الإنسان إلى البحث عن الأمان في الجماعة، وتجنب الشذوذ عن السلوك الجمعي، هذه الغريزة تمثل عاطفة جمعية متأصلة تتجلى بأشكال مختلفة في كل المجتمعات، وتؤثر في سلوك الأفراد على مستوى الوعي والقرار.

وقد ناقش هذا المعنى بعمق المفكر الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير، حيث وصف ما يعرف بعقلية القطيع التي تفسر تحركات جماعية غير عقلانية، من الأمثلة المعاصرة على ذلك، ما يحدث حين تطلق شائعة حول إفلاس بنك ما فيندفع الناس إلى سحب أموالهم، ما يؤدي فعليا إلى انهيار البنك رغم أنه لم يكن يعاني من أزمة حقيقية، هذه الظاهرة تتكرر أيضا في الأزمات الاقتصادية والفقاعات المالية وهي في جوهرها استجابات غرائزية جماعية.

وعلى الرغم من اختلاف أشكال الشعبوية حول العالم بين طائفية، قومية، يسارية، أو يمينية إلا أنها تشترك جميعا في الدافع الاقتصادي، إذ يعبر الأفراد من خلالها عن حاجتهم إلى الأمان المعيشي والاستقرار المالي، هذه الحاجة تستغل سياسيا لتوليد خطابات تعبوية تستند إلى الوجدان أكثر من العقل، ومع طفرة وسائل التواصل الاجتماعي بعد عام 2010، تحوّلت الشعبوية إلى نمط إعلامي واسع الانتشار وأصبحت تمارس من قبل قادة افتراضيين مؤثرين ومدونين يتابعهم الملايين يعزفون على وتر العواطف والغرائز، ويستثمرون في حاجات الناس من متعة ورفاهية وحتى تفاهة، هؤلاء المؤثرون شأنهم شأن السياسيين الشعبويين، باتوا يقودون اتجاهات الرأي العام ويخلقون واقعا زائفا.

وفي السياق الأمريكي، وصف دونالد ترامب بالشعبوية كاتهام سياسي استخدمه اليسار الليبرالي ضد اليمين المحافظ بهدف النيل من شرعيته هذه التهمة على الرغم من مضمونها السياسي، تكشف حجم الصراع الإيديولوجي داخل الديمقراطيات الغربية، حيث يستخدم مصطلح الشعبوية كأداة للنبذ لا كآلية للفهم والتحليل.

أما في العراق فالمشكلة لا تكمن في الديمقراطية كفكرة بل في الانتخابات كممارسة، فالنظام الانتخابي بحد ذاته أصبح مشروعا شعبويا يقوم على استثارة الغرائز وتسويق الوعود، تماما كما تفعل الشركات التجارية بإعلاناتها الجاذبة للجمهور، الانتخابات تحولت إلى عرض تسويقي استهلاكي يستثمر الإعلام الضخم والرسائل العاطفية ويبتعد عن جوهر الإصلاح.

الخلل الأعمق أن الناس أنفسهم من خلال حاجاتهم الآنية يفرضون على السياسيين أن يكونوا شعبويين، فالمرشح الذي يتحدث بلغة عقلانية ويقترح حلولا واقعية كخفض الإنفاق أو إعادة هيكلة الوظائف، يرفض مباشرة من الناخب الذي يبحث عمن يلبي حاجاته الآنية لا من يضع له خطة للمستقبل، وبالتالي الشعبوية ليست فقط وسيلة استغلال سياسي من قبل النخب، بل هي أيضا صناعة اجتماعية بتمام الكلمة.

هذا التراكم للتجارب الفاشلة الناتج عن اختيارات غير ناضجة وخطابات دعائية يؤدي إلى تآكل الثقة في النظام الديمقراطي نفسه ويمنع بروز أي تجربة سياسية ناضجة، المشكلة أن الكل مشترك في هذا الخلل سواء كانوا سياسيين أو رجال دين أو ناشطين والجميع يسهم بشكل أو بآخر في تكريس ثقافة الاستهلاك السياسي السريع لا ثقافة الإصلاح والبناء البطيء.

من هنا، الحاجات الآنية تحرمنا من التعلم من الفشل نعلم أن بعض التعيينات مثل التعيينات الشعبوية لا تخدم الدولة، ولكن يتم تمريرها لضمان الأصوات دون اعتبار للكفاءة أو الاستدامة فالجميع يريد راتبا ثابتا وحياة مستقرة فورا، دون استعداد لتحمل الألم المؤقت من أجل إصلاح طويل الأمد.

نحتاج اليوم إلى ثورة فكرية وتنموية تعيد توجيه القوة الشعبية نحو سياسات رصينة، لابد من الاستفادة من هذه الطاقة الجماهيرية في اتجاه إيجابي عبر بناء برامج واقعية تشبع حاجات الناس النفسية والاقتصادية، ولكن في إطار منظم ومخطط له فالدولة المستقرة تحتاج إلى استشراف المستقبل لا اجترار الشعارات.

الصبر على التجربة العراقية ضرورة لا ضعف

- الاستاذ علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:

حين ننظر إلى تجارب الديمقراطية الراسخة في العالم، ندرك أن هذه الأنظمة لم تبن في شهور أو حتى سنوات بل استغرقت قرونا من التدرج والإصلاح والتجريب والفشل أحيانا، فبريطانيا التي تعد إحدى أقدم الديمقراطيات الحديثة بدأت مسيرتها منذ مئات السنين ومرت بمراحل طويلة من الصراع والتهذيب والتطور، يشار إلى الكاتب والمسرحي الإنجليزي ويليام شكسبير –الذي عاش في أواخر القرن السادس عشر– كأحد الذين حاولوا نشر قيم العدالة والحرية عبر أدبه، وخصوصا في مسرحياته مثل مسرحية العدالة، التي كانت تنطوي على مفاهيم تمهد للوعي الديمقراطي.

إن الصبر على تجربة الديمقراطية في العراق لا يعني القبول بالظلم أو السكوت على الفساد، بل هو اعتراف بواقعية التحول التاريخي، وإيمان بقدرة الشعب على تطوير أدواته السياسية والرقابية، وهذا الصبر ليس علامة على الضعف بل دليل على أن العراقيين لم يفقدوا الأمل ولم يستسلموا ولم يتراجعوا عن حلم بناء وطنهم على أسس عادلة وإنسانية.

البيئة الاجتماعية وتقييد الإصلاح

- عصام حاكم، كاتب اعلامي:

في عالم كرة القدم، حين يتم التعاقد مع مدرب جديد لقيادة المنتخب، لا ينتظر منه أن يصنع المعجزات بل يمنح مساحة للعمل وفق رؤيته وإمكاناته وبالأدوات المتاحة، الأمر ذاته ينطبق على الطبقة السياسية في العراق، التي رغم ما عليها من مسؤوليات وأخطاء لا يمكن تحميلها فوق طاقتها خصوصا حين تعمل في بيئة اجتماعية مشوهة الوعي لا تستجيب للفساد كما ينبغي ولا تعتبره خطرا وجوديا.

لقد وجد السياسيون في المجتمع أدوات ساكنة، لا تبدي اهتماما بسرقات مليارات الدولارات من المال العام ولا تظهر رد فعل يتناسب مع حجم الكارثة، فالمواطن الذي يغرق يومه بالهموم الآنية والذي لا يرى أبعد من حاجاته اليومية يصعب إقناعه بجدوى الوعي أو المسؤولية الوطنية.

تتجلى هذه المفارقة في سلوكيات اجتماعية واضحة، فمثلا شخصية عشائرية تشيد لها مضيفا يستقبل من السياسيين ويهتف له وكأنه رمز قومي، رغم أنه لا يملك أي رؤية مستقبلية أو مشروع إصلاحي، يشارك الناس في إحياء شعائر ثورة الإمام الحسين (ع) رمز الرفض والعدالة، لكنهم في الوقت ذاته يصمتون على الظلم الواقع عليهم اليوم، هذا التناقض لا ينبع من الخبث بل من وعي مشوّه يعتقد أنه يدرك كل شيء بينما هو غارق في الجهل المركب.

ولأن الشعب نفسه لا يساعد ولا يطالب ولا يحاسب، تصبح إمكانية التغيير محدودة بل مستحيلة أحيانا، فالمستقبل يبدو مظلما في ظل هذا الركود الشعبي، وهنا تنتهي كل الأحلام العريضة وتبقى الحاجة ملحة لإعادة بناء الإنسان قبل إعادة بناء الدولة فلا نهوض حقيقي من دون وعي حقيقي.

هل تنطبق المقاييس الغربية على واقعنا؟

- الاستاذ احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

حين نناقش مفهوم الشعبوية كما تطورت في أوروبا أو أمريكا لا يمكن إسقاطه بحذافيره على المجتمعات الأخرى وبخاصة على المجتمع العراقي، فلكل شعب تاريخه وثقافته ونمط تفكيره ولكل بيئة ظروفها التي تنتج مفاهيمها وأزماتها الخاصة، لا يجوز مقارنة التجارب الديمقراطية في الغرب التي نشأت وتراكمت على مدى قرون بتجربة عراقية فتية ومعقدة لا تزال تصارع تناقضاتها البنيوية.

لتقريب الصورة، لو افترضنا وجود انتخابات في زمن الجاهلية وجاء ملك من السماء يخاطب قريشا ليختاروا من بين أبو سفيان وأبو لهب ومحمد بن عبد الله نبيا يبعث للناس فما الذي كان سيحدث؟، من المستبعد أن يختاروا اليتيم الفقير رغم صدقه وعدالته وأمانته لأن اختيار القائد في تلك المجتمعات لم يكن يستند إلى معايير الوعي أو الأخلاق بل إلى المصالح والمكانة والنفوذ، وهذا المثال التاريخي يعيدنا إلى الواقع العراقي حيث لا تبنى اختيارات الناس غالبا على أساس عقلاني أو موضوعي.

80% من المشاكل التي يعانيها العراق تعود إلى المجتمع ذاته وليس فقط إلى الطبقة السياسية، المجتمع هو من ينتج هذه الطبقة وهو من يعيد انتخابها وهو من يتسامح مع فسادها، في العراق توجد ديمقراطية شكلية دون وجود معارضة حقيقية فكيف يمكن الحديث عن تجربة ديمقراطية ناضجة، بينما من يفترض أنهم معارضون هم أنفسهم جزء من الحكومة!.

الانتخابات في العراق كما هي اليوم، لا تبنى على قواعد ديمقراطية حقيقية، بل هي مجرد آلية لتدوير المصالح وتوزيع الثروة بين مكونات طائفية وعرقية، فكيف يمكن للناخب أن يشعر بالمواطنة إذا كان يعلم مسبقا أن رئاسة الجمهورية للأكراد، والبرلمان للسنة، والحكومة للشيعة؟ إن هذا التوزيع المسبق ينسف مبدأ التنافس الديمقراطي من أساسه.

نحن نعيش في بيئة حيث الكل خبير في كل شيء: في السياسة، والطب، والهندسة، والدين، ولا أحد يستمع ولا أحد يتواضع للمعرفة والجميع يدلي برأيه في كل شأن، لذلك فإن إسقاط مفاهيم الشعبوية الغربية على هذا الواقع قد لا ينتج فهما حقيقيا بل يعزز الشعور الزائف بأننا نمر بذات المراحل التي مرت بها الأمم الأخرى.

غياب المعارضة وتزييف الوعي

- الدكتور منتصر العوادي، باحث اكاديمي:

لا يمكن للديمقراطية أن تزدهر أو أن تواجه خطر الشعبوية بفعالية ما لم تتوفر شروط التوازن السياسي، وعلى رأسها وجود قوتين متقابلتين: سلطة ومعارضة، غير أن الواقع العراقي يفتقر إلى هذا التوازن فـلا توجد معارضة حقيقية بل نظام سياسي مترهل ومتصلب في مواقعه ومستحوذ على كل مفاصل الدولة ويعمل باستمرار على إضعاف روح الديمقراطية لا عن جهل بل عن تصميم.

الشعبوية الانتخابية في العراق ليست حالة عارضة، بل أصبحت أداة متكررة لإعادة إنتاج الطبقة السياسية نفسها عبر استغلال الفقر والجهل والعصبية والانتماء العشائري، وذلك كله يتم بوعي أو تغافل من شريحة واسعة من الناخبين، إن الانتخابات التي لا تستند إلى وعي ليست أداة للتغيير بل وسيلة لإعادة تدوير الفشل، لقد أكدت المرجعية الدينية الرشيدة أكثر من مرة على أهمية الانتخابات كوسيلة مشروعة للتغيير، ولكنها اشترطت شرطا أساسيا وهو عدم انتخاب المجرب الفاشل، فلا يعقل أن يعاد انتخاب شخص أثبت فشله فقط لأنه يملك المال أو النفوذ العشائري أو جيشا إلكترونيا يلمع صورته، هنا يتقاطع الواقع مع العبث وتتحول العملية الانتخابية إلى سوق للمصالح لا لمنافسة البرامج.

ما يقدم اليوم في الحملات الانتخابية لا يرقى لأن يسمى برنامجا انتخابيا كما في بعض الدول العربية، فإن المرشح يطرح رؤى اقتصادية واستراتيجية: كيف يعزز الصناعة؟ كيف يطور التعليم؟ كيف يقوي الاقتصاد؟ كيف يجعل بلده لاعبا في الساحة الدولية؟ هذه هي السياسة الحقيقية لا الشعارات الاستهلاكية، من هنا تتجلى الحاجة الماسة إلى وعي جمعي وفردي، يبدأ من فهم عميق بأن الديمقراطية ليست ترفا كماليا بل هي ركيزة أساسية لتطور المجتمع وأداة مشروعة للتغيير.

علينا أن نؤمن بأن التغيير يبدأ من الذات، فالمجتمعات لا تنهض إلا حين يبدأ كل فرد بمراجعة نفسه وما الأخطاء التي يرتكبها؟ ما الذي يحتاج لتغييره في سلوكه واختياراته؟ كيف يسهم في إفساد المنظومة أو في صيانتها؟ من هذا الفهم تبدأ النهضة المجتمعية الحقيقية.

الديمقراطية التوافقية وتفريغ المضمون

- د. لطيف القصاب، كاتب اكاديمي واعلامي:

من المفارقات السياسية أن الشعبوية تزدهر في الأنظمة الديمقراطية، لاسيما حين تتوافر معادلة واضحة تتكون من سلطة حاكمة مستندة إلى حزب معين، تقابلها معارضة نشطة وقوية لكن هذا النموذج لا ينطبق على العراق بعد عام 2003، حيث اختزلت الديمقراطية إلى توافق سياسي وهو في حقيقته تفريغ للديمقراطية من جوهرها الحقيقي.

ما نراه من خطابات في المشهد السياسي العراقي اليوم، لا يمكن وصفه بأنه شعبوي بالمعنى السياسي المألوف بل هو أقرب إلى الخطاب الديماغوجي الذي يتاجر بالعواطف ويحرك الجماهير عبر مشاعر الكراهية والطائفية والمظلومية والانتصار الزائف، هذا النمط الخطابي يستخدم في كل الاتجاهات ما يعني أن الخلل بنيوي وغير مقتصر على جهة دون أخرى.

الحل الحقيقي لا يبدأ من تغيير الأشخاص، بل من تحول ثقافي ووطني يعيد للديمقراطية معناها، نحن بحاجة إلى حركة توعوية عميقة تعيد رسم مفهوم الديمقراطية ليس كآلية توافق على اقتسام الغنائم، بل كوسيلة لبناء الدولة على أسس المواطنة والمساواة والمحاسبة، هذا الواقع يمتد أيضا إلى المنظمات النقابية والمؤسسات المهنية، التي عادة ما تكون انعكاسا مباشرا لطبيعة النظام السياسي الأعلى، فإن كان النظام السياسي فاسدا ومنهارا في قيمه، فإن النقابات والاتحادات التابعة له لا يمكن أن تكون سوى امتداد له في الفشل والارتهان السياسي، وأن التغني بالديمقراطية لا يساوي شيئا دون مؤسسات مستقلة وإعلام حر ومجتمع مدني واعي ومعارضة قوية.

أزمة مجتمع لا يرى البديل

- د. خالد الاسدي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:

عند الحديث عن الشعبوية الانتخابية في العراق، فإننا لا نقف فقط أمام ظاهرة سياسية بل أمام مجتمع يمر بحالة عجيبة وغريبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا يوجد تنافس شريف ولا انتخابات حقيقية تبنى على البرامج والرؤى، ولا حتى ناخب حقيقي يتخذ موقفا نابعا من وعي واستقلال فكري، في هذا المشهد تغيب الثوابت وتستبدل بالمصالح، والقرارات لا تتخذ بناء على المبادئ بل وفقا لمعادلات النفع الآني.

خذ مثلا ما يتكرر في الشارع العراقي: تسأل أحدهم عن سبب تصويته لمرشح فاسد، فيجيب: "هو فائز، خلي نمشي أمورنا ونحصل منه شي"، هذا ليس مجرد تبرير بل عقلية مترسخة في ثقافة الناخب، تجعل من العملية الانتخابية أداة لتطبيع الفساد لا لمحاربته، هنا تكمن المشكلة الحقيقية لا في المرشحين وحدهم، بل في بيئة شعبية ترفض أن تؤمن بقدرتها على التغيير وتتعامل مع الفساد كأمر واقع لا يمكن تجاوزه بل يستثمر شخصيا.

ولكن رغم هذا الواقع القاتم تبقى هناك بارقة أمل، إذا أردنا أن نحدث تغييرا حقيقيا فلا بد من ثورة انتخابية واعية، ثورة لا تقاد بالعواطف بل تبنى على كتلة من النخبة المثقفة الأكاديميين وأساتذة الجامعات الذين يتحدون على مستوى وطني لتشكيل قوة سياسية بديلة، قائمة على العلم والنزاهة والكفاءة، إذا ما اجتمع لهؤلاء دعم شعبي حقيقي، وشعر الناس أن هناك أملا جديدا لا يرتبط بالماضي الفاشل، فقد نبدأ رحلة الخروج من الدوامة التي ندور فيها منذ سنوات، أما إن استمر الوضع كما هو عليه –حيث تختزل الانتخابات في مكاسب شخصية وتمنح الأصوات على أساس عشائري أو مصلحي– فسنظل نعيد إنتاج الفشل وتستمر الدوامة بلا مخرج.

الديمقراطية العراقية بين الشعارات والواقع

الاستاذ محمد علاء الصافي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:

من الطبيعي أن ترافق الشعبوية العملية الانتخابية في كل ديمقراطيات العالم، فهي في جوهرها أداة تعبئة سياسية تستخدم لتحفيز الجمهور واستمالته من خلال شعارات تعبر عن أحلامهم واحتياجاتهم، لكنها تختلف في طبيعة استخدامها من مجتمع لآخر بحسب حجم الفساد ومستوى الوعي وبنية النظام السياسي.

في العراق، فإن الشعبوية تتحول إلى أداة مضاعفة لتكريس السلطة، خصوصا من قبل المسؤولين الحاليين الذين يستفيدون من مواقعهم، ويستخدمون المال العام والموارد الحكومية للدخول في الحملات الانتخابية، في تناقض مباشر مع تصريحات كبار المسؤولين الذين يدعون الحياد.

من أخطر ما تواجهه التجربة الديمقراطية في العراق هو غياب الهوية الحزبية الواضحة، فالأحزاب لا تعلن عن توجهاتها الفكرية والسياسية، ولا يلتزم المرشحون بخطوط أيديولوجية واضحة، قد يكون المرشح محافظا لكنه لا يعلن ذلك، أو يساريا لكنه يرفع شعارات وسطية ترضي الجميع، هذا الازدواج أو بالأحرى التضليل المتعمد جعل البرامج الانتخابية مجرد قوائم أمنيات شعبية خالية من أي التزام حقيقي.

الأزمة لا تقتصر على الأحزاب بل تمتد إلى موقف المجتمع من العمل السياسي، إذ باتت كلمة الحزب تعد تهمة في نظر المواطن العادي، ما أدى إلى عزوف الأغلبية عن الانخراط في الأحزاب أو الترشح ضمنها، حتى المرشحون المستقلون يحرصون على إخفاء أي صلة تنظيمية خوفا من فقدان شعبيتهم، لكن الحقيقة أن أي نظام سياسي مستقر لا يمكن أن يعمل دون أحزاب، لا يمكن لأفراد عشوائيين أن يقودوا الدولة، بل لا بد من بنية حزبية منظمة تمتلك برامج واضحة وتستوعب المشاركة الشعبية.

ولهذا، لا يمكن تحويل القوة الشعبية إلى طاقة تغيير فعلية ما لم تنخرط هذه القوة في العمل السياسي المنظم، فالتظاهر والرفض دون بديل عملي لا يبني نظاما، والاحتجاج دون وعي لا يخلق مؤسسات، وحدها المشاركة الواعية والمنظمة بغض النظر عن التفاصيل يمكن أن تقود العراق إلى طريق ديمقراطي حقيقي.

الشعبوية والاقتصاد الريعي في الميزان

- الاستاذ حامد الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والبحوث الستراتيجية:

من الأسئلة الجوهرية التي ينبغي طرحها.. هل الديمقراطية مجرد أداة حكم، أم نظام حياة؟.

في التجربة العراقية، يظهر أن الديمقراطية تمارس كوسيلة انتخابية محدودة لا كنظام اجتماعي وثقافي متكامل، فغالبا ما ينحصر فهم الناس لها في يوم الاقتراع فقط ثم تنتهي العملية السياسية وكأنها مناسبة طارئة، بينما تهمل تماما القيم والممارسات التي تشكل أساس الديمقراطية كمنهج حياة.

المشكلة ليست في الانتخابات بحد ذاتها بل في غياب الثقافة الديمقراطية الاجتماعية، فالديمقراطية لا تبدأ من صندوق الاقتراع بل من الأسرة والمدرسة والمجتمع حيث تبنى قيمة الرأي والرأي الآخر، ويغرس في الفرد احترام التعددية وقبول المختلف ولا يمكن لمجتمع أن ينتج ديمقراطية سياسية حقيقية، إن لم يختبرها أولا في علاقاته اليومية وبيئته التربوية.

في هذا السياق، لا يمكن إغفال العلاقة الوثيقة بين الشعبوية والاقتصاد الريعي، ففي النظام الريعي، لا تعتمد الدولة على دافعي الضرائب، بل على عوائد الموارد الطبيعية (كالنفط)، ما يضعف العلاقة التعاقدية بين الحاكم والمحكوم، وبدلا من مساءلة الحكومة على سياساتها يصبح دور المواطن مستفيدا من عطاءات تقدم له مقابل الولاء السياسي.

وهنا، يستخدم المال العام بشكل مكشوف في شراء الولاءات سواء عبر التعيينات أو تبليط الشوارع أو منح مكرمات انتخابية، فتتحول الدولة إلى راعي يمن على الناس لا إلى مؤسسات تخدم المواطن وفقا للقانون، هذا الشكل من الاقتصاد يغذي الشعبوية بشكل مباشر ويمنح السياسي أدوات للهيمنة لا علاقة لها بالكفاءة أو المصداقية.

أما في الاقتصاد الحر، فإن المواطن ينتج دخله من نشاط اقتصادي مستقل ويصبح أقل اعتمادا على السياسي، مما يعزز استقلالية قراراته ويقلل من استعداده للبيع السياسي أو التبعية وهذا يفسر لماذا تكون المجتمعات ذات الاقتصاد الحر أكثر مقاومة للخطابات الشعبوية وأكثر ميلا لبناء دولة مستقرة ومؤسسات فاعلة.

قراءة في المعنى والإسقاط العراقي

- الاستاذ باسم الزيدي، مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:

يطرح سؤال جوهري: هل الشعبوية حالة إيجابية تعبر عن صوت الناس أم ظاهرة سلبية تشوه الديمقراطية؟، هذا السؤال بالذات حير الباحثين والمفكرين في العالم، لأن مفهوم الشعبوية بطبيعته غائم قابل للتأويل والتوظيف بحسب الجهة التي تستخدمه، ففي بعض الأحيان تقرب الشعبوية من مفاهيم مثل الديماغوجيا حيث يستغل غضب الجماهير ومخاوفهم لتعبئة غير عقلانية تقود إلى الفوضى، وفي حالات أخرى تصور الشعبوية على أنها صوت الأمة الحقيقية ضد النخبة الحاكمة أو الفاسدة.

لكن الإشكالية الكبرى تظهر حين نحاول إسقاط هذا المفهوم الغربي المركب على واقع مختلف تماما مثل الانتخابات العراقية، وإن كانت تمارس شكليا كعملية ديمقراطية من خلال صناديق الاقتراع إلا أنها لا تتكامل مع منظومة ديمقراطية حقيقية، إذ ينتهي دور الناخب فعليا عند لحظة الإدلاء بصوته في حين تغيب الرقابة والمساءلة وتختزل الديمقراطية في طقوس موسمية.

وقد يقول البعض: لم يجبرني أحد على انتخاب مرشح بعينه لا شعبوي ولا سياسي، وهذا صحيح على المستوى الظاهري لكن إذا تأملنا في العوامل العميقة المؤثرة في القرار الانتخابي، نجد أن اللاوعي الجمعي والضغوط المجتمعية والعشائرية والاقتصادية تلعب دورا حاسما في تشكيل القناعات واختيار المرشحين ولو بشكل غير مباشر، إذ لا تبنى القرارات الانتخابية على برامج أو قناعات فكرية بل غالبا ما تنطلق من حاجات فئوية أو ميول طائفية أو ضغوط وقتية.

وهنا نصل إلى لب المشكلة، الخلل في بنية المجتمع العراقي نفسه كما شخصه كبار المفكرين منذ عقود، يتمثل في غياب هوية اجتماعية وسياسية واضحة فهل هو مجتمع شعبوي، ديني، عشائري، ليبرالي...؟ هذا الغياب لهوية واضحة يجعل المجتمع يتلون سريعا حسب الظروف ويتحول من حالة إلى أخرى، من دون مرجعية ثقافية أو فكرية ثابتة وهذا ليس لأن العراقيين عاجزون بطبيعتهم بل نتيجة تراكمات الحروب والانقسامات والضغوط النفسية والاجتماعية التي أفقدت المجتمع تماسكه المرجعي.

في هذا السياق، يمكن الاستفادة من رؤية المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي الذي قدم نظرية فريدة في قراءته للمجتمع العراقي وهي نظرية الهدم والبناء التي تختلف جذريا عن المفهوم الشائع البناء والهدم، فوفقا لهذه النظرية لا يمكن بناء دولة أو مجتمع سليم فوق أساسات مشوهة أو فاسدة بل يجب أولا تهديم القيم والتقاليد الفاسدة والمعوقة ثم إعادة البناء على أسس نظيفة وصحيحة مع الحفاظ في ذات الوقت على القيم الأصيلة التي تشكل جوهر الهوية العراقية، وهذا ما ينسجم مع قوله تعالى: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا" فنحن اليوم نبني ونهدم باستمرار لأن الأساسات نفسها هشة والتراكمات ضعيفة والرؤية غائبة.

أزمة وعي تهدد الدولة من الداخل

- الاستاذ عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

من الطبيعي أن تواجه البلدان الخارجة من حقب الديكتاتورية والانقلابات الدامية صعوبات كبيرة في بناء ديمقراطية حقيقية، فالعراق بعد عقود من القمع والسلطوية ما زال يصارع سؤالا وجوديا عميقا: هل نحن نبني دولة مدنية؟ أم دينية؟ أم عشائرية؟ أم عسكرية؟، وهذا التداخل في الهوية السلطوية يفقد المشروع الوطني بوصلته ويجعل من كل خطوة نحو الديمقراطية خطوة ملتبسة مهددة بالارتداد.

إن المعضلة الحقيقية ليست في التطبيق السياسي فقط بل في منهجية التفكير العامة هل نريد ما ينفعنا كدولة وشعب؟ أم ما يرضينا كأفراد وجماعات؟، الفرق بين الخيارين هو الفرق بين بناء وطن وبين ترضية غرائز آنية، ما ينفعنا قد يكون مؤلما كأن يطبق القانون علينا جميعا أو تفرض رسوم على الخدمات لتستمر لكن ما يرضينا يكون غالبا شعارا عاطفيا.

في هذا السياق، تصبح الشعارات هي الحاكم الحقيقي وليس الدستور أو القانون، مرة ترفع شعارات عقائدية ومرة مناطقية ومرة عشائرية وكلها تتغول تدريجيا على حساب الدولة، حتى بات من يعمل بإخلاص داخل مؤسسات الدولة شخصا يتيما بلا غطاء ولا حماية، نحن نعيش اليوم حالة انقلاب مفاهيمي حيث يتعرض موظف الدولة الملتزم بالواجب والضمير للإضعاف والتهميش، بينما يكافأ أولئك الذين يتحركون خارج مؤسسات الدولة، يلوحون بشعارات ويمتطون المواقف فيستحوذون على النفوذ من دون مسؤولية.

إننا بحاجة ماسة إلى مراجعة معيار الحكم على الأشخاص والمواقف، يجب أن يقاس الناس من خلال مقدار إسهامهم في بناء الدولة لا من خلال خطاباتهم أو انتماءاتهم، يجب أن نعيد تعريف من هو رجل الدولة ومن هو متسلق الدولة، ما لم يتحول هذا المعيار إلى وعي جمعي سنبقى نبحث عن المصالح الفردية والترضيات الشعبوية ونخسر اللب بينما ننشغل بالقشور، هكذا تنهار الدول لا من الخارج بل من داخلها حين يتآكل وعيها ويتخلى شعبها عن مسؤولياته الحقيقية.

من شعارات العدالة إلى أداة تضليل ممنهج

- الاستاذ حسن كاظم السباعي، كاتب وباحث:

بداية لابد من تعريف مفهوم الشعبوية وكيف بدأت في التاريخ المعاصر، حيث يخبرنا التاريخ عن وجود شعارات براقة ومبدئية عرفت فيما بعد بالخطاب اليساري، والذي كان قائما على مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية ومكافحة استثمار المستثمرين الذين هضموا حقوق الكادحين والفقراء، فكان يدعو إلى إتحاد العمال ضد أصحاب الثروة والمال، ‎وحسب الظاهر فإن تلك الشعارات كانت كلمة حق إلا أن طمع القادة أرادوها باطلا حيث كانوا يستهدفون احتكار ثروة الأغنياء لأنفسهم لا للتوزيع العادل، فظهرت ظاهرة الشعبوية والتي أصبحت فيما بعد آفة السمة البارزة للعاملين في السياسة والاعلام، وهو فن صناعة أو تعليب الشعارات ودغدغة العواطف من أجل استهواء العامة وتمرير المشاريع الجاهزة وبكلمة واحدة، خداع الرأي العام واستغلال عطشهم لتحقق العدالة بشعارات جذابة للوصول إلى مآربهم دون إحقاق حقوق المخاطبين بتلك الشعارات، فحذت سائر التيارات هذا الحذو والتي منها التيارات اليمينية وحتى القائمة على الدعوة الدينية أو الرسالية حيث يرون أن قيادات المنظمة والحزب يجلسون في الأبراج العاجية، ويأمرون الأفراد بالأعمال الشاقة من السهر وإلقاء أنفسهم في المهالك والمشاكل ونحو ذلك.

وفيما يرتبط بالوضع الراهن في العراق، ترى بعض التيارات تركب موجات الكراهية والغضب الحاصل ضد الوضع القائم لتكرر الدوامة نفسها، وبالأساس فإنه لا يوجد شيء باسم إرادة الشعب، وإنما هي ردات فعل وعواطف جيّاشة تريد تغيير الواقع بأية طريقة فتتبع تلك التيارات التي هي الأخرى كانت مهمشة من قبل.

اضافة الى ذلك، لا يوجد تعريف عن القوة الشعبية، فالاستقرار ليس بحاجة إلى رأي الشارع بقدر حاجته إلى تثبيت قواعد الإستقرار، ناهيك عن أن معرفة رأي الشارع هو الآخر بحاجة إلى مؤسسة ودراسات لا إلى ما يشاع في الإعلام، وإلا ستكون تلك القوة ضحية لحظات الغضب وردود الأفعال. 

من هنا، فإن الخطوة الأولى هي بناء القاعدة والأساس، وبعد ذلك تحويله إلى طاقة فاعلة، أي كما قيل "ثبت العرش ثم النقش"، وهذه المهمة ملقاة على النخب الثقافية لتحديد المسار العام وتعريف الوجوه الصالحة للتصدي لمشروع مستقبلي تغييري، وعليه فإن الأولوية الراهنة، ليست فوز قائمة دون أخرى أو جهة على تلك، وإنما السعي لتعديل الوضع القادم من خلال إيجاد الأرضية وتوفير المناخ الصحيح.

من القيصرية إلى ترامب

- الاستاذ صادق الطائي، كاتب وباحث:

إن مصطلح الشعبوية يعود في جذوره الأولى إلى الدولة القيصرية عام 1838، أي قبل الثورة الفرنسية، حيث بدأ يستخدم في سياق يركز على علاقة الناس بالأرض والخيال الجمعي، باعتبارهم مصدرا للشرعية السياسية لكن الشعبوية لم تكن ذات تأثير كبير في تلك الحقبة، إلا أنها أخذت بالتصاعد والانتشار مع وصول الزعيم النازي أدولف هتلر إلى الحكم في ألمانيا حيث اتسم خطابه بمخاطبة الجماهير مباشرة مستخدما مفردات الأرض والانتماء والقومية المتطرفة.

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، تراجعت المصطلحات الشعبوية من الخطاب السياسي والإعلامي الغربي وغابت لعقود طويلة عن المشهد حتى عادت مجددا بقوة مع صعود دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة وبخطابه الحاد تجاه المهاجرين والمؤسسات الدولية والتحالفات الأوروبية مثل نموذجا واضحا للخطاب الشعبوي الحديث القائم على الوعد بالتغيير الجذري دون تقديم حلول واقعية، بل بالاعتماد على شعارات قومية نرجسية وخيالات مفرطة في تبسيط الواقع.

من هنا، تقع مسؤولية كبيرة على النخب المثقفة وطلائع الأمة في أن تسهم في تفكيك هذا الخطاب المضلل وتوضيح أن الشعبوية لا تمثل إرادة الشعب كما تدعي بل هي مجرد وسيلة خاطئة تستغل وجدان الناس ومخاوفهم.

وفي ختام الملتقى الفكري أجمع المشاركون على اهمية تكاتف الجهود بين الاكاديميين ورجال الدين والمثقفين لتعزيز الحوار البناء وايجاد حلول شاملة تلبي تطلعات المجتمع في مختلف المجالات، كما تقدم مدير الجلسة الاستاذ حيدر الاجودي بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك برأيه حول الموضوع سواء بالحضور او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتوجه بالشكر الى الدعم الفني الخاص بالملتقى الفكري الاسبوعي.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net

اضف تعليق