إن الإنسانية ليست حالة ثابتة تُمنح للإنسان عند ولادته، بل هي مسار مستمر من التطور الروحي والفكري. هي القدرة على تجاوز الأنا والبحث عن المشترك مع الآخر، حتى وإن كان مختلفاً. هي الصوت الهادئ الذي يدعو للسلام في زمن الضجيج، واليد الممدودة التي تساند الضعيف في وقت العوز...
لو لا المحبة في جوانحهِ ما أصبح الإنسان إنساناً. وحتى تنال مرتبة الإنسان، عليك أن تحب الجميع دون قيود أو استثناءات؛ لأنها الخطوة الأولى للمحافظة على الإنسانية المودعة فينا، واكتساب ما فقدناه. إنها رتبة يصل لها بعض البشر، وهي روح الإنسان التي بها يستنير جسده ومنها يستمدّ قوته. وهو الذي يرى الأشياء كما يريد، فالأشياء تبدو قبيحة أو جميلة رهناً بوجهة نظر المتأمل. ذلك يعني أن الجمال ليس القائم خارج ذات الإنسان، ولكن الجمال الحقيقي هو الموجود في داخل الروح الإنسانية.
الإنسانية هي جوهر النفس البشرية، حيث أنها مجموعة الاعتبارات الخاصة بالإنسان ومشاعره وسلوكه، والتي هي تميزه عن الآخرين من ناحية، وعن غيره من الكائنات الأخرى في الكون بأنواعها. حيث أنها تشتمل على العوامل الإيجابية في نفسه ومدى ميله الفطري إلى فعل كل ما هو جيد وصالح للآخرين من حوله مثل الرحمة والعطاء والإحسان والعدالة.
أي مجموعة العلاقات التي تربطه بغيره من البشر أو حتى الكائنات الأخرى من حوله وهي التي تكون الأسس النبيلة فيها. هي المحرك والأساس في تعامله معها مثل ميله إلى المساواة، التحرر من الأنانية ومراعاة مصالح الآخرين، وتطبيق النظرة الكلية للأديان التي تقوم على تحقيق المصلحة الحياتية للإنسان وللآخرين من حوله دون انفراد بنفسه.
وهي أيضاً بغض الإنسان الفطري لكل ما يخالف الأسس الإيجابية مثل الأنانية والفضول والنزعات الحيوانية وحب الامتلاك والخداع. إذن فالإنسانية هي المعاملة التي يتعامل بها الإنسان وتنصب على الآخرين حوله مثل المعاملة اللطيفة والرضا والقناعة، البعد عن الظلم أو تفضيل النفس والميل إلى العنف سواء اللفظي الذي يتسبب في إيذاء مشاعر الآخرين كالسخرية منهم، أو العنف الجسدي كالاعتداء على الغير، تقدير الظروف الخاصة لمن حوله والتعقل ومعدلات الثبات والتحكم في النفس.
أي أنها مجموعة العادات والأخلاق المتحكمة في الإنسان والنبيلة منها، التي تعتمد على توقير الآخرين والحرص على كرامتهم وعدم إيذائهم بأي شكل كان.
هذه المجموعة من الفضائل ليست مجرد مفاهيم نظرية، بل هي ممارسات يومية تُصقل وتُنمى عبر الوعي والتربية. إن الإنسانية ليست حالة ثابتة تُمنح للإنسان عند ولادته، بل هي مسار مستمر من التطور الروحي والفكري. هي القدرة على تجاوز الأنا والبحث عن المشترك مع الآخر، حتى وإن كان مختلفاً. هي الصوت الهادئ الذي يدعو للسلام في زمن الضجيج، واليد الممدودة التي تساند الضعيف في وقت العوز. في جوهرها، الإنسانية هي تلك القوة الخفية التي تدفعنا نحو الخير، وتجعلنا نرى في الآخر مرآة تعكس أفضل ما فينا. إنها الكنز المدفون الذي يحتاج إلى من يكتشفه ويصونه ليُضيء العالم من حوله. هي الرحمة التي لا حدود لها، والتسامح الذي يمحو آثار الكراهية، والعدالة التي تضمن للجميع كرامتهم. إنها جوهر وجودنا ومعنى بقائنا على هذه الأرض.
اضف تعليق