رسالة الأربعين هي نور في زمن الظلام، وهي ليست مجرد ذكرى لفاجعة ومأساة تاريخية، بل هي رسالة متجددة في كل عام. رسالة تؤكد على نصرة الحق وإحقاقه، وأن الحق لا يموت، وأن صوت الحرية والكرامة سيبقى حيًا مهما حاول الطغاة إخماده. رسالة توحّد الملايين...

مسيرة الأربعين، المسيرة الفريدة من نوعها التي تتجدد في كل عام، تجاوزت الرحلة بالقدمين إلى الرحلة بالروح والعشق. حيث تتدفق ملايين الأجساد صوب كربلاء، مدينة التضحية والفداء، مدينة الحسين (عليه السلام)، في مشهد مهيب يُظهر عمق الولاء ويُجدد العهد والوفاء. فهي ليست مسيرة اعتيادية، بل هي رحلة استثنائية تجمع بين ألم الأجساد وسمو الأرواح، لتُعيد كتابة وصياغة معنى التضحية والوفاء في كل خطوة يخطوها السائرون.

هنا تبدأ رحلة التحدي، تحدي الروح للجسد، وهي تُقطع المسافات الطويلة سيرًا، والتي تُعد اختبارًا حقيقيًا للقدرة على التحمل والصبر. ففي مقابل تعب الأقدام وتثاقل الأجساد، تزداد الروح قوةً وإصرارًا. فكل خطوة يخطوها الزائرون هي فعل إيماني، يهدف إلى الوصول والاقتراب من الإمام الحسين (عليه السلام) واستذكار عظم تضحيته.

وإن ما يمنح المسيرة الأربعينية طابعًا خاصًا هو هذا التناغم المنسجم بين الجسد والروح. فنرى في كل استراحة على الطريق، مواكب العشق تُقدم الخدمات للزوار بكل حب وإخلاص. يُقدم فيه أنواع من الطعام والشراب، وتُوفر أماكن للراحة والمبيت مجانًا من دون مقابل؛ ليصبح طريق المسيرة بأكمله جسرًا من السخاء والجود الإنساني. وهذا الكرم الذي يفوق الفعل المادي، هو تجسيد لمعاني المحبة والتآخي التي زرعها الإمام الحسين (عليه السلام) في قلوب محبيه.

فرسالة الأربعين هي نور في زمن الظلام، وهي ليست مجرد ذكرى لفاجعة ومأساة تاريخية، بل هي رسالة متجددة في كل عام. رسالة تؤكد على نصرة الحق وإحقاقه، وأن الحق لا يموت، وأن صوت الحرية والكرامة سيبقى حيًا مهما حاول الطغاة إخماده. رسالة توحّد الملايين من مختلف الجنسيات والمذاهب والأديان تحت راية واحدة، لتؤكد أن الإمام الحسين (عليه السلام) هو رمز للإنسانية جمعاء وليس ملكًا لطائفة معينة. حيث نجد في هذا المشهد المهيب من المسيرة المليونية، تلاشي الفروقات، وذوبان الفواصل، وانصهار القلوب لتكون قلبًا واحدًا.

إنها رحلة تُظهر وتؤكد أن المحبة أقوى من الكراهية، وأن الأمل أقوى من اليأس، وأن النور الذي أضاءه الإمام الحسين (عليه السلام) في أرض كربلاء قبل أربعة عشر قرنًا، ما زال يضيء دروب السائرين على نهجه؛ لأنه رمز للتضحية والفداء، والنهضة ضد الظلم والفساد. إنه يمثل تجسيدًا لقيم الحق والعدل والحرية، واستمرارًا لنهج النبوة والإمامة في مواجهة الباطل.

لذا يمكن عدّ مسيرة الأربعين نحو كربلاء الحسين رحلة جسدية روحانية تطهّر النفوس وتُجدّد العهود، وتُعيد البريق للأمل في عالم يملؤه اليأس. إنها درب النور الذي يقود إلى منارة كربلاء، قبلة الأحرار، مدينة التضحية والإباء بكل حب ووفاء.

اضف تعليق