في حكومة أمير المؤمنين (ع) الاتحاد الإسلامي بأفضل مظاهره وبأفضل ما يمكن أن يكون. فكل الفئات الإسلامية، ورغم اختلافها في أصول العقائد وفي الأحكام وفي الأخلاق وفي الأساليب، كانوا يجتمعون متّحدين تحت حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حتى الذين لم يقبلوا بحكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه...

(كانت حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حكومة اتحاد إسلامي كما يتوقّعه المسلمون في كل وقت وفي كل زمان وكل مكان)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

وحدة المسلمين لا تزال حلم لكل مسلم ومسلمة، لاسيما في عصرنا الحالي المتخَم بالنزاعات والخالي من الأمان، حيث تسود الفرقة بين الدول، ويحل محلها التصادم والصراع على المغانم والمصالح المشروعة وغير المشرعة، واعتماد الاستحواذ لمصلحة الذات على حساب الآخرين، وهذا ما جعل الحاجة إلى الاتحاد الإسلامي غاية لكل المسلمين.

فالهدف الأول أن يعيش المسلمون في حالة من الانسجام والالتزام والمودة، وإبعاد جميع مظاهر الخلافات والنزعات فيما بينهم، لكي تسود حياتهم المحبة والوئام، ويكونوا يدا واحدة وكلمة واحدة حيث تكمن قوَّتهم وجودة حياتهم في وجود الاتحاد الإسلامي الذي يضمن لهم الرفعة والأمان وسط عالم بلغ فيه التصادم أوجهُ، وصار فيه البشر يقاتل حتى نفسه.

في ضوء أوضاع كهذه ليس أمام المسلمين سوى الوحدة الحقيقية التي تجمعهم بغض النظر عن الاختلافات فيما بينهم، فاختلاف الرأي والمعارضة السياسية والإدلاء برأي مختلف لا يعني أن يتحول المسلمون إلى أعداء يتقاتلوا فيما بينهم، فيستغل الآخرون الكارهون هذه الحالة فيزيدوا المسلمين ضعفا وتراجعا وخلافا.

النموذج الحي النموذجي للاتحاد الإسلامي، نشأ بصورته المثلى في عهد الإمام علي عليه السلام، حيث كان القائد يدرك تماما أهمية وحدة المسلمين وتماسكهم، وفي نفس الوقت يدرك حق اختلاف الرأي ويسمح به ولا يقتص ممن كان يعارضه في شؤون الحكم.

 سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول ضمن سلسلة نبراس المعرفة في محاضرة الأمان من الفرقة والنزاع:

(في حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه الاتحاد الإسلامي بأفضل مظاهره وبأفضل ما يمكن أن يكون الاتحاد الإسلامي. فكل الفئات الإسلامية، ورغم اختلافها في أصول العقائد وفي الأحكام وفي الأخلاق وفي الأساليب، كانوا يجتمعون متّحدين تحت حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حتى الذين لم يقبلوا بحكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه).

الحاكم الأعلى وضمان الأمان والوئام

فقد كان معارضو حكم الإمام علي عليهم السلام يعلنون معارضتهم من دون أن يحاسبهم أحد، بل كانوا يُظهرون ذلك في مجلس واحد يجمعهم مع الحاكم الأعلى أمير المؤمنين عليه السلام، وفي المقال تُصان كرامتهم، ويُسمح لهم بطرح ما يؤمنون به من اختلاف في الرأي.

أما قضية الحسم في تلك الاختلافات الفكرية والسياسية فهي متروكة إلى الله تعالى، فهو الذي يبيّن من كان على سلامة الموقف والرأي ومن كان على عكس ذلك، أما المسلمون فقد كانوا يعيشون مع بعضهم في سلام وأمان، وكان الحاكم الأعلى يضمن لهم العيش السليم والأمان المكتمل، وفي نفس الوقت يحمي الرأي حتى لو كان مختلفا.

هذا ما أوضحه سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في قوله:

(كان المعارضون في حكومة الإمام علي عليه السلام يصرّحون برأيهم المعارِض ويعلنونه حتى في وجه أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ومع ذلك كانوا يعيشون عيشة إسلامية. والله سبحانه وتعالى هو الذي يحاسب الذين علموا الحقّ وعرفوه وتركوه. ولذا قال االله تعالى في القرآن الحكيم للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) سورة الرعد: الآية 40.

فالمهم في هذا الجانب أن يكون الحاكم الإسلامي نفسه هو الضامن لرصانة الاتحاد الإسلامي، فلا يكون هو أول من يكمم الأفواه أو يحجّم الرأي الآخر، بل على العكس، الحاكم الأعلى هو أول من يطبق مقومات الحرية في الرأي بل ويحمي المعارضين، وهذا بالضبط ما كان يجري في حكومة الإمام علي عليه السلام.

لذلك بلغ الاتحاد الإسلامي ذروته، وكان المسلمون جميعا يصلّون مع بعضهم واخلفت آرائهم عن بعضها، وإن اختلفت أصول عقائدهم، فالجميع كان يمتلك حرية الرأي والقول، ولا سلطة عليه فيما يريد أن يقول ويعلن حتى لو كان مناقضا لرأي الحاكم وحكومته، لذلك تحقّق الاتحاد الإسلامي في أبهى صوره وجوهره ابان حكومة الإمام علي عليه السلام.

كما يرى ذلك سماحة المرجع الشيرازي دام ظله حيث يقول: 

(إنّ المهم في الحكومة الإسلامية أن يكون الحاكم الأعلى هو الذي يمهّد للاتحاد الإسلامي بجميع أصنافه وأنواعه، ويعيشن الناس معاً ويصلّون في مساجد المسلمين، بعضهم مع بعض، سواء اعتقد هذا بذاك أو لم يعتقد).

إمامة أهل البيت وتحقيق الاتحاد الإسلامي

وهذا يؤكد بأن الاتحاد الإسلامي له (ملاك واحد) وليس هنالك سواه، ألا وهو (إمامة أئمة أهل البيت)، وهذا ما ثبت في سجلات التاريخ، عبر المصادر الأمينة والموثوقة، حيث دلَّت سِيَر أهل البيت على أنهم لا يفرقون بين مسلم وآخر، وعنوانهم الأصيل هو المسالمة والتسامح والتكافل، والتمسك بكل القيم الصالحة.

لذلك من غير الممكن أن يتحقق الاتحاد الإسلامي بعيدا عن الإمامة، وهناك دور لمن يسير في ظلها، ويلتزم بالعترة الطاهرة، ولذا نلاحظ وجود مسؤولية كبيرة لتبيان هذا الأمر، وتوضيحه والعمل به حتى يصبح المسلمون موَّحدين متماسكين متعاونين متكافلين.

ليس المسلمون وحدهم المشمولين بهذه الرؤية التي أعلنتها السيدة فاطمة الزهراء علسها السلام في إحدى خطبها العظيمة، بل هذه الرؤية شملت العالم كله والبشرية كلها، حتى يتخلص عالمنا من النزاعات، ويكون أقرب إلى السلام والوئام من سواه.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: 

(إنّ الاتحاد الإسلامي له ملاك واحد لا ثاني له، وهي إمامة أئمة أهل البيت من العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين، ولا يمكن الاتحاد الإسلامي إلاّ في ظلّها، وكذلك الذين يكونون على طريقة العترة الطاهرة من أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم. وهذه مسؤولية مهمّة للجميع أن يحملوها عن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، إلى العالم كلّه، في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية).

ولابد من القول إن الله تعالى يريد من المسلمين أن يعيشوا في ظل الاتحاد الإسلامي، ولكن يوجد شرط واضح لابد من أن يتحقق ضمن هذا الهدف الجوهري، وهو الاجتماع على (إمامة أئمة العترة الطاهرة) أهل البيت عليهم السلام.

بالطبع هذه مسؤولية كبرى، تكون مخرجاتها في صالح المسلمين جميعا، فيرفلون بالحريات الكبيرة الحقيقية، ويعيشون في رفاه إنساني حقيقي، تحت ظل الاتحاد الإسلامي الذي يجمع المسلمين كلهم ضمن حكومة تتخذ من حكم الإمام علي عليه السلام نموذجا لها في قضية تعامل الحاكم مع الناس، وانتشار العدالة فيما بينهم، وانتعاش الحريات، وحماية الرأي المعارض، وتصويب مسار الحكم بعيدا عن النزاعات والتوترات.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: 

(إنّ الاتحاد الإسلامي لا يتحقّق كما يريده الله سبحانه وتعالى وكما يريده رسول الله صلى الله عليه وآله إلاّ في الاجتماع على إمامة أئمة العترة الطاهرة من أهل البيت صلوات الله عليهم. وهذه هي المسؤولية العظيمة التي تكون نتيجتها الأمور الكبيرة من الحريّات والرفاه والإنسانية والفضيلة في ظل اتحاد إسلامي دعا إليه الله سبحانه وتعالى حيث قال: (ولا تنازعوا)، ودعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: (كتاب الله وعترتي أهل بيتي).

لذا فإن ما تقدم يؤكد للجميع بأن الاتحاد الإسلامي النموذجي المستخلَص من سيرة أهل البيت عليهم السلام، يضمن للمسلمين ولغيرهم أيضا، الأمان من خلال احتواء النزاعات والسعي إلى تجنّبها، وذلك من خلال حماية الرأي والرأي الآخر، والتقاء المسلمين معا بغض النظر عن اختلاف الرأي، فالمهم أن يكون هناك اتحاد إسلامي يحمي فيه الحاكم الحريات، ويعطي للمعارضة دورها الحقيقي في الحياة السياسية أو سواها، وينمّي هذه الأطر والقواعد ويجعلها ساعية في بناء دولة ووحدة المسلمين كافة.  

اضف تعليق