يسعى معظم اللاعبين الكبار في مجال الذكاء الاصطناعي إلى تطوير ما يُعرف بالذكاء الاصطناعي العام، وهي مرحلة يُعادل فيها الذكاء الاصطناعي كل القدرات الفكرية البشرية، فضلا عن الذكاء الخارق الذي يتجاوز هذه القدرات. وفي كلمة قال سام ألتمان، أنه يمكن الوصول إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق في غضون خمس سنوات...
دعا أكثر من 700 عالِم وسياسي ورائد أعمال في مجال التكنولوجيا وشخصية عامة، إلى وقف العمل على تطوير ذكاء اصطناعي قادر على تجاوز القدرات البشرية، نظرا إلى المخاطر التي قد يُشكّلها على البشرية.
وجاء عبر صفحة المبادرة التي أطلقتها منظمة “فيوتشر أوف لايف إنستيتيوت” غير الربحية التي دائما ما تُحذّر من أضرار الذكاء الاصطناعي “ندعو إلى وقف تطوير الذكاء الاصطناعي الخارق ما لم يكن هناك إجماع علمي على إمكانية بنائه بطريقة مضبوطة وآمنة، وحتى يحظى بدعم شعبي”.
من بين الموقعين عدد من روّاد الذكاء الاصطناعي الحديث مثل الحائز جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2024 جيفري هينتون، وأستاذ المعلوماتية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي ستيوارت راسل، والأستاذ في جامعة مونتريال يوشوا بنغيو.
تضمّن القائمة أيضا شخصيات من مجال التكنولوجيا بينهم مؤسس مجموعة “فيرجن” ريتشارد برانسون، وأحد مؤسسي شركة “أبل” ستيف وزنياك، وشخصيات سياسية مثل ستيف بانون المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسوزان رايس مستشارة الأمن القومي في عهد باراك أوباما، ومسؤولون دينيون منهم مستشار البابا والخبير في مجال الذكاء الاصطناعي في الفاتيكان باولو بينانتي، ومشاهير كالمغني الأميركي وليام آي.آم والأمير هاري وزوجته ميغن ماركل.
يسعى معظم اللاعبين الكبار في مجال الذكاء الاصطناعي إلى تطوير ما يُعرف بالذكاء الاصطناعي العام، وهي مرحلة يُعادل فيها الذكاء الاصطناعي كل القدرات الفكرية البشرية، فضلا عن الذكاء الخارق الذي يتجاوز هذه القدرات.
وفي كلمة خلال حدث نظمته مجموعة “أكسل سبرينغر” الإعلامية في أيلول/سبتمبر، اعتبر رئيس شركة “اوبن ايه آي” مبتكرة “تشات جي بي تي” سام ألتمان، أنه يمكن الوصول إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق في غضون خمس سنوات.
وقال رئيس منظمة “فيوتشر أوف لايف إنستيتيوت” ماكس تيغمارك، لوكالة فرانس برس “لا يهم إن كان ذلك سيتحقق بعد عامين أو خمسة عشر عاما، فإنّ بناء تكنولوجيا كهذه أمر غير مقبول”، مؤكدا أن الشركات “لا ينبغي أن تعمل على هذا النوع من المشاريع من دون أي ضوابط”.
وأضاف “قد يؤيد المرء تطوير أدوات ذكاء اصطناعي أكثر قوة، لعلاج السرطان مثلا، بينما يعارض الذكاء الاصطناعي الخارق”.
انقلاب تكنولوجي يلوح في الأفق
خلال السنوات القليلة الماضية، تخطت أنظمة الذكاء الاصطناعي حدود التوقعات، متفوقة على البشر في مجالات معقدة مثل الرياضيات، والبرمجة، والتشخيص الطبي، ومع كل يوم تتقدم فيه عجلة التكنولوجيا، تزداد هذه الأنظمة تطوراً وذكاءً.
وقريباً جداً، ربما في عام 2026 أو 2027 أو حتى خلال العام الحالي، قد تعلن إحدى شركات الذكاء الاصطناعي عن تحقيق إنجاز تاريخي وهو ولادة الذكاء الاصطناعي العام (A.G.I) أو ما يُعرف بالذكاء الاصطناعي الخارق، الذي سيكون قادراً على أداء جميع المهام المعرفية التي يقوم بها الإنسان، وربما بشكل أكثر كفاءة.
والذكاء الاصطناعي الخارق لن يكون مجرد إنجاز تقني، بل محركاً اقتصادياً مهماً يولّد تريليونات الدولارات، وسلاحاً استراتيجياً يُرجّح كفة الدول التي تسيطر عليه، حيث تدرك الحكومات والشركات الكبرى هذه الحقيقة، ولذلك نراها تُنفق مبالغ طائلة للوصول إلى هذا النوع من الذكاء الاصطناعي أولاً.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" فرغم أنه من السابق لأوانه الجزم بما إذا كان الذكاء الاصطناعي الخارق سيشكل نعمة أم نقمة للبشرية، إلا أن احتمال ظهوره على المدى القصير، يطرح تساؤلات جوهرية على عدة أصعدة، فالحقيقة الصادمة هي أن معظم الأفراد والمؤسسات في العالم، لا يزالون غير مستعدين للتعامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، فكيف سيكون الحال مع التقنيات الأكثر تقدماً وقوة؟
في المقابل، تدرك كبرى شركات الذكاء الاصطناعي أنها على وشك إطلاق قوة لم يسبق لها مثيل، ولهذا تراقب نماذجها بحذر، بحثاً عن إشارات مقلقة، مثل قدرة هذه البرامج على التآمر والخداع، واتخاذ قرارات مستقلة، لأن هذه التقنية ليست مجرد أداة، بل كيان قادر على التفكير، والتخطيط، وربما إعادة تشكيل ميزان القوة في العالم.
وهذا الحذر بحد ذاته غير مسبوق، إذ لم يفكر أحد في عام 2010 عندما ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي، في أن تلك التطبيقات قد تؤدي إلى فوضى اجتماعية، أو تُستخدم كأسلحة معلوماتية، ولم يكن مارك زوكربيرغ يختبر فايسبوك، بحثاً عن إمكانية تسخيره لشنّ هجمات إلكترونية للسيطرة على العالم.
وما يثير الدهشة حقاً في سباق الذكاء الاصطناعي الخارق، هو مخاوف أولئك الذين يقفون في قلب هذه الثورة، أي المهندسون والمديرون التنفيذيون في المختبرات الرائدة، الذي يقرون أن ما يحصل داخل مختبراتهم ليس مجرد تقدم تقني، بل لحظة فاصلة قد تعيد رسم ملامح العالم، وتحمل في طياتها تحولاً لم يشهده البشر من قبل.
وبينما يشكك البعض في واقعية التقدم نحو الذكاء الاصطناعي الخارق، ويرونه مجرد خيال مبالغاً فيه، يؤكد خبراء مستقلون أن بوادر هذا التطور بدأت تتجلى بوضوح، حيث يحذّر هؤلاء من أن إنكار حقيقة وجود الذكاء الاصطناعي الخارق، قد يمنح البشرية شعوراً زائفاً بالأمان، في حين أن كبرى شركات وادي السيليكون باتت تتعامل مع بناء أنظمة أذكى من البشر، كهدف أساسي لا رجعة فيه.
ولكن رغم التقدم الحاصل، فإن ثورة الذكاء الاصطناعي الخارق قد تواجه عقبة غير متوقعة، تتمثل في نقص الطاقة اللازمة لتشغيل مراكز البيانات العملاقة التي تتطلبها هذه الأنظمة، ما يعني أن الوصول للذكاء الاصطناعي الخارق، قد يستغرق وقتاً أطول مما يُتوقع.
ومع ذلك، سواء تحقق هذا الاختراق في عام 2026 أو تأخر عقداً حتى عام 2036، فإن الاستعداد لظهور الذكاء الاصطناعي العام، يجب أن يبدأ من الآن، لأن تأثيره على العالم سيكون أعمق وأسرع مما يمكن تصوره.
في متناول يد "ميتا"
بدوره يرى مارك زوكربيرغ المدير التنفيذي لشركة "ميتا" أن تطوير الذكاء الاصطناعي الخارق أصبح في متناول يديه بفضل التطورات التي طرأت على نظم الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة، وذلك وفق ما جاء في تقرير غارديان.
ورغم أن رسالة زوكربيرغ لم توضح ماذا يقصد بمفهوم الذكاء الاصطناعي الخارق، فإنها اكتفت بالإشارة إلى أن هذه التقنية تثير مخاوف أمنية جديدة أكثر من الذكاء الاصطناعي التقليدي لدرجة أن "ميتا" ستكون صارمة وحذرة في إطلاق النماذج مفتوحة المصدر من أجل تهدئة هذه المخاوف الجديدة.
ويتابع زوكربيرغ وصفه لقسم الذكاء الاصطناعي في "ميتا" قائلا إن ما يفعلونه يختلف عن بقية شركات الذكاء الاصطناعي بشكل عام، إذ تسعى "ميتا" لطرح ذكاء اصطناعي خارق شخصي يمكن استخدامه من قبل الجميع.
وذلك مقارنة مع ما تحاول الشركات الأخرى تقديمه وهو ذكاء اصطناعي خارق يعزز من إنتاجية الموظفين وقادر على استخدام المزيد من خيارات الأتمتة والانتقال بها إلى مستويات جديدة.
كما نشر زوكربيرغ مقطعا عبر حسابه في "إنستغرام" يتحدث فيه عن جهود الشركة ومساعيها في الذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى أن الشركة تسعى لجعل استخدامات الذكاء الاصطناعي الخارق شخصية أكثر من عملية، وذلك حتى تساعد المستخدمين في الوصول إلى أهدافهم الشخصية.
ويشبه زوكربيرغ أثر تقنيات الذكاء الاصطناعي الخارق بأثر الثروة الصناعية التي شهدت تحول غالبية سكان العالم من مزارعين إلى العديد من الأعمال والقطاعات المختلفة حول العالم، مضيفا أنه يسعى لجعل هذه التقنية تعمل عبر النظارات الذكية وغيرها من الأجهزة التي يتفاعل معها المستخدم يوميا.
ويشير التقرير إلى أن مصروفات "ميتا" من أجل تحقيق الذكاء الاصطناعي الخارق ارتفعت بمقدار 12% عن العام الماضي مع توقعات بأن تنفق أكثر من 114 مليار دولار خلال عام 2025 وبأن ترتفع مصروفاتها أكثر في العام القادم.
ما هو الذكاء الاصطناعي الخارق؟
الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) هو نظام ذكاء اصطناعي افتراضي يعتمد على البرمجيات، يتمتع بنطاق فكري يتجاوز الذكاء البشري. على المستوى الأساسي، يتميز هذا النوع من الذكاء بوظائف إدراكية متطورة ومهارات تفكير عالية المستوى تفوق تلك التي يمتلكها أي إنسان.
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي الفائق الذكاء لا يزال فكرة افتراضية، إلا أن هناك تقنيات حالية تمثل اللبنات الأساسية لتحقيقه في المستقبل. ولكن أولاً، لتوضيح بعدنا عن تحقيق ASI، تجدر الإشارة إلى أن المستوى الحالي للذكاء الاصطناعي يُشار إليه غالبًا باسم الذكاء الاصطناعي المحدود (ANI)، أو الذكاء الاصطناعي الضعيف، أو تقنيات الذكاء الاصطناعي المحدودة.
يتفوق الذكاء الاصطناعي الضعيف في مهام محددة مثل لعب الشطرنج أو ترجمة اللغات، لكنه غير قادر على تعلم مهارات جديدة أو تطوير فهم عميق للعالم. يعتمد هذا النوع من الذكاء على خوارزميات مبرمجة مسبقًا وبيانات مُدخلة، ويتطلب تشغيله تدخلًا بشريًا.
هناك اختلاف بين الباحثين بشأن إمكانية تحقيق الذكاء الاصطناعي الفائق فالذكاء البشري هو نتاج عوامل تطورية محددة، وقد لا يمثل الشكل الأمثل أو العام للذكاء. كما أن آلية عمل الدماغ البشري لا تزال غير مفهومة بالكامل مما يجعل من الصعب محاكاتها عبر البرمجيات والأجهزة.
هل يمكن تحقيق الذكاء الاصطناعي الفائق؟
تتمثل الخطوة الكبيرة نحو تطوير الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) هي تحقيق ما يُعرف بـ الذكاء الاصطناعي العام (Artificial General Intelligence - AGI) أو الذكاء الاصطناعي القوي. يشير الذكاء الاصطناعي العام (AGI) إلى أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على فهم العالم والتعلم وحل المشكلات بمرونة وشمولية تضاهي القدرات البشرية. كما يتميز هذا النوع من الذكاء بالقدرة على التعلم عبر مجالات متعددة وربط المعرفة بين مختلف التخصصات. ورغم ذلك، لم يتم تطوير ذكاء اصطناعي عام حقيقي حتى الآن، شأنه في ذلك شأن الذكاء الاصطناعي الفائق.
تحقيق الذكاء الاصطناعي الفائق يتطلب تطورًا كبيرًا في تقنيات رئيسية. فيما يلي بعض العمليات الأخرى التي تشكل اللبنات الأساسية للذكاء الاصطناعي الفائق. ستحتاج هذه التخصصات إلى مزيد من التطور قبل أن يصبح الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) حقيقة واقعة.
يحتاج الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) إلى الوصول إلى مجموعات بيانات ضخمة لفهم العالم وتعلّمه. ستساهم معالجة اللغة الطبيعية (NLP) في النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) في تمكين الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) على فهم اللغة الطبيعية والتفاعل مع البشر.
يُمكّن الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) من معالجة أنواع مختلفة من البيانات مثل النصوص، الصور، الصوت والفيديو، مما يتيح له اتخاذ قرارات دقيقة وأداء المهام المتنوعة. يختلف هذا النهج عن أنظمة الذكاء الاصطناعي أحادية الوسائط (Unimodal AI) التي تتخصص في معالجة نوع واحد فقط من البيانات، مثل النصوص أو الصور.
الشبكات العصبية: تعتمد هذه الشبكات على برامج التعلم العميق المستوحاة من آلية عمل الخلايا العصبية في الدماغ البشري. ومع ذلك، سيحتاج الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) إلى شبكات عصبية أكثر قوة وتعقيدًا وابتكارًا مقارنة بالجيل الحالي.
الحوسبة العصبية: كما أن الشبكات العصبية مستوحاة من عمل الدماغ البشري، فإن الحواسيب العصبية هي أنظمة أجهزة مستلهمة من البنى العصبية والروابط التشابكية في الدماغ البشري.
الحوسبة التطورية: هي شكل من أشكال تحسين الخوارزميات المستوحاة من التطور البيولوجي. تعمل الخوارزميات التطورية على حل المشكلات من خلال تحسين مجموعة من الحلول المرشحة بشكل تكراري، مما يحاكي عملية الانتقاء الطبيعي.
البرامج المُنتجة بالذكاء الاصطناعي: يشير هذا المفهوم إلى الأكواد البرمجية والتطبيقات والبرامج التي يتم إنشاؤها بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي دون أي تدخل بشري.
السبل نحو تحقيق الذكاء الاصطناعي الفائق
تُعتبر التطورات في علوم الكمبيوتر، والقدرات الحسابية، والخوارزميات من العوامل الرئيسية التي تُعزز التوقعات حول الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI). ومع ذلك، فإن امتلاك قوة حسابية أولية وحده لا يكفي لتحقيق هذا الهدف. إحدى المسارات المحتملة للنجاح تكمن في محاكاة العمليات المعقدة للعقل البشري. على الرغم من القيود التي تواجهها العقول البشرية، لكنها معقدة للغاية وتمتلك قدرات استثنائية في الإبداع، وحل المشكلات، والتفكير النقدي. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في بعض المجالات، إلا أنه لا يزال يواجه تحديات لمضاهاة قدرة الإنسان على التعلم والتكيف مع المواقف الجديدة.
تُعتبر خوارزميات التعلم، المستوحاة من كيفية تعلم العقل البشري، عنصرًا أساسيًا لتحسين أداء الذكاء الاصطناعي مع مرور الوقت. هذا التعلم المستمر أمر بالغ الأهمية لتحقيق ذكاء بمستوى البشر، مما يسمح للذكاء الاصطناعي باكتساب المعرفة والتكيف مع المواقف الجديدة دون الحاجة إلى برمجة صريحة.
تعدّ روبوتات المحادثة والذكاء الاصطناعي التوليدي أمثلةً بارزة على التطورات المتزايدة في الذكاء الاصطناعي. تُظهر هذه التقنيات تقدم الذكاء الاصطناعي المتزايد في فهم اللغة البشرية والاستجابة لها. على الرغم من أن هذه الأنظمة ليست واعية، فإن قدرتها على فهم اللغة الطبيعية والتفاعل بها بشكل طبيعي تُعد لبنة أساسية لتحقيق ذكاء بمستوى البشر.
الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) يمكن أن يتطور ذاتيًا مع مرور الوقت من خلال تحسين نفسه أثناء عملية التعلّم. كما يمكن أن يولّد ابتكارات جديدة مثل أدوية متطورة، ومواد مبتكرة، ومصادر طاقة مستدامة. سيؤدي التكامل السلس إلى تمكين تفاعل أكثر طبيعية مع الذكاء الاصطناعي، سواء عبر الأوامر الصوتية بلغة طبيعية أو حتى الأوامر الفكرية، مما يستلزم تحقيق اختراقات كبيرة في مجال التفاعل بين الإنسان والحاسوب، وصولًا إلى ما يُعرف بـ التفرُّد التكنولوجي (Technological Singularity).
فوائد الذكاء الاصطناعي الفائق
التقنية المستخدمة في تطوير الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) ستحدث نقلة نوعية في طريقة عمل العالم على مستوى جوهري، ويعتقد البعض أن الذكاء الاصطناعي الفائق سيكون آخر اختراع للبشر على الإطلاق. تشبه فوائد هذه التقنية ما نراه في قصص الخيال العلمي. وفي جوهره، سيكون الذكاء الاصطناعي الفائق بمثابة كيان خارق الذكاء لا ينضب. سيكون حاسوبًا خارقًا مثاليًا متاح على مدار الساعة، ولديه القدرة على معالجة وتحليل أي كمية من البيانات بسرعة ودقة تتجاوز قدتنا على الفهم.
بفضل هذه القدرات، يمكن للبشر الاستفادة من الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) لاتخاذ أفضل القرارات وحل المشكلات الأكثر تعقيدًا في مجالات مثل الرعاية الصحية، والتمويل، والبحث العلمي، والسياسة، وكل الصناعات الأخرى. يمكن لمثل هذا التفكير المتقدم أن يحل الألغاز الطبية الأكثر تعقيدًا، ويطور أدوية وعلاجات منقذة للحياة، ويفك أسرار الفيزياء، مما يساهم في تحقيق أهداف البشرية، مثل استكشاف النجوم. وبفضل قدرته على تقليل الأخطاء البشرية بشكل كبير، لا سيما في البرمجة وإدارة المخاطر، يمكن للذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) كتابة وتصحيح البرامج، بالإضافة إلى نشر الروبوتات لأداء مهام مادية خطيرة مثل إبطال مفعول القنابل أو استكشاف أعماق البحار.
نظرًا لقدرة الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) على العمل بشكل مستمر، يمكن أن يكون مثاليًا لمهام مثل التنقل الآمن في شبكات السيارات ذاتية القيادة والمساعدة في استكشاف الفضاء. إضافةً إلى ذلك، يمكن لقدراته الفائقة على الإبداع وتحليل كميات هائلة من البيانات أن تؤدي إلى حلول لا يمكن للبشر حتى تخيلها، مما قد يسهم في تحسين جودة الحياة وربما إطالة عمر الإنسان.
المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي الفائق
رغم الفوائد العظيمة التي يعد بها الذكاء الاصطناعي الفائق، يحذر العلماء من المخاطر الجوهرية المرتبطة بهذا الابتكار. أحد المخاوف الرئيسية يتمثل في احتمال تجاوز الذكاء الاصطناعي الفائق السيطرة البشرية ليصبح واعيًا بذاته، مما قد يؤدي إلى عواقب غير متوقعة وربما تهديدات وجودية. قد تتيح له قدراته الإدراكية الفائقة التلاعب بالأنظمة، أو حتى التحكم في الأسلحة المتقدمة.
المشكلات المرتبطة بمستوى الذكاء الاصطناعي الحالي قد تتفاقم بشكل كبير مع تطور الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI)، إذ يمكن أن تؤدي الأتمتة واسعة النطاق إلى انتشار البطالة على نطاق واسع، مما يتسبب في اضطرابات اقتصادية واجتماعية، ويؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة وتعطيل صناعات بأكملها.
في المجالات العسكرية والدفاعية، يمكن للذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) تطوير أسلحة فتاكة ومستقلة، مما يزيد بشكل كبير من الإمكانات التدميرية للحروب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تستغل أطراف خبيثة القدرات المتقدمة لأنظمة الذكاء الاصطناعي الفائق لتحقيق أهداف ضارة مثل السيطرة الاجتماعية وجمع البيانات وتعزيز التحيزات. وأخيرًا، قد يضع الذكاء الاصطناعي الفائق أهدافًا تبدو مفيدة ظاهريًا، لكنها قد تشكل خطرًا وجوديًا على البشرية. ولكن من وبدون تدخلات مناسبة، قد لا تتماشى أنظمته المتقدمة مع القيم الإنسانية.
تُعدّ برمجة هذه الأنظمة لتتماشى مع الأخلاقيات البشرية عمليةً معقدةً للغاية، خاصة في ظل غياب توافق عالمي حول المبادئ الأخلاقية، مما قد يؤدي إلى معضلات أخلاقية وعواقب غير مرغوبة، خصوصًا إذا بدأت هذه الأنظمة العمل خارج السيطرة البشرية. قد تؤدي القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي الفائق إلى سلوكيات غير متوقعة يصعب السيطرة عليها. ويمكن أن تزيد قدرته على التعلم والتكيف السريع من صعوبة التنبؤ بأفعاله ومنع الأضرار المحتملة له.
لذلك، يصبح من الضروري وضع أنظمة حماية ولوائح تنظيمية دولية لمنع حدوث هذه السيناريوهات. وعلى الرغم من المخاطر المحتملة المرتبطة بهذا النوع من الذكاء الاصطناعي، فإنه يحمل وعودًا هائلة لحل المشكلات المعقدة وتحسين حياة البشر. يجب التعامل مع هذه التقنية بحذر ومسؤولية، مع إعطاء الأولوية لسلامة الذكاء الاصطناعي والتزامه بالمعايير الأخلاقية في جميع مراحل التطوير والنشر.
يتمتع الذكاء الاصطناعي الفائق بإمكانات هائلة يمكن أن تح نقلة نوعية في مختلف جوانب الحياة البشرية. لكن تبرز الحاجة الملحة لمعالجة التحديات الأخلاقية والاجتماعية المرتبطة بهذه التقنية القوية. يجب على الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، وعلماء الكمبيوتر، وشركات التقنية الكُبرى، والحكومات العالمية النظر بعناية في الفوائد والمخاطر المحتملة لضمان استخدام هذه التقنية بشكل مسؤول وأخلاقي لما فيه صالح البشرية.
اضف تعليق