معظم الفتيان، بنسبة 73%، يشاهدون بانتظام محتوى يتعلّق بما يُعرف بـ"الرجولة الرقمية"، ويشمل منشورات عن القتال، وبناء العضلات، وكسب المال، وتبيّن أنّ الفتيان الذين يتعرّضون أكثر لهذا النوع من المحتوى يعانون من تدني احترام الذات، والشعور بالوحدة، وأكثر ميلًا لإخفاء مشاعرهم والاعتقاد بأنه لا ينبغي لهم التعبير عن العواطف...
تقدم تطبيقات الوسائط الاجتماعية بانتظام للمراهقين محتوى محددًا خوارزميًا يوصف في كثير من الأحيان بأنه "من أجلك"، مما يشير ضمنيًا إلى أن المحتوى المنسق ليس فقط "من أجلك" ولكن أيضًا "عنك" - مرآة تعكس إشارات مهمة حول الشخص الذي تريده. نكون.
ويتعرض جميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لهذه الإشارات، لكن الباحثين يدركون أن المراهقين يمرون بمرحلة مرنة بشكل خاص في تشكيل الهوية الشخصية. وبدأوا في إثبات أن التكنولوجيا لها تأثيرات في تشكيل الأجيال، ليس فقط في الطريقة التي تؤثر بها على النظرة الثقافية والسلوك والخصوصية، ولكن أيضًا في الطريقة التي يمكن أن تشكل بها شخصية أولئك الذين نشأوا على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويثير شيوع رسالة "من أجلك" تساؤلات مهمة حول تأثير هذه الخوارزميات على كيفية إدراك المراهقين لأنفسهم ورؤيتهم للعالم، والتآكل الدقيق لخصوصيتهم، وهو ما يقبلونه مقابل وجهة النظر هذه.
فإذا كان ابنك المراهق يستخدم الإنترنت، فمن شبه المؤكد أنه يشاهد محتوى يروّج لمفاهيم عن الرجولة ويقدّم أفكارًا مقلقة حول الفتيات.
فمعظم الفتيان، بنسبة 73%، يشاهدون بانتظام محتوى يتعلّق بما يُعرف بـ"الرجولة الرقمية"، ويشمل منشورات عن القتال، وبناء العضلات، وكسب المال، وفقًا لمسح جديد أجرته مؤسسة "كومون سنس ميديا" (Common Sense Media).
وتبيّن أنّ الفتيان الذين يتعرّضون أكثر لهذا النوع من المحتوى يعانون من تدني احترام الذات، والشعور بالوحدة، بحسب المسح الذي أُجري في يوليو/تموز، وشمل أكثر من 1000 فتى تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عامًا، في الولايات المتحدة. كما أنّ هؤلاء الفتيان أكثر ميلًا لإخفاء مشاعرهم والاعتقاد بأنه لا ينبغي لهم التعبير عن العواطف، مثل البكاء أو إظهار الخوف.
من المثير للاهتمام أن الفتيان في الغالب لا يبحثون عن هذا النوع من المحتوى من تلقاء نفسهم، وفق مايكل روب، المؤلف الرئيسي للدراسة ورئيس قسم الأبحاث لدى منظمة "كومون سنس ميديا" غير الربحية، التي تأخذ من سان فرانسيسكو مقرًا لها، وتساعد الأهل والأساتذة على تنمية مهارات التفكير النقدي لدى الأطفال.
وأوضح روب أنّ "عددًا قليلًا جدًا منهم أشار إلى أنه كان يبحث عن هذا النوع من المحتوى بالفعل، فيما قال 68% منهم إن هذه المنشورات بدأت تظهر على صفحاتهم من دون البحث عنها".
ويرجّح روب أنّ مردّ ذلك إلى أنّ الخوارزميات تعلّمت أنّ الفتيان المراهقين غالبًا ما يكونون أكثر تقبّلًا لهذه المنشورات.
وفق المسح، فإن غالبية الفتيان، بنسبة 91%، يشاهدون رسائل تتعلق بصورة الجسد أو المظهر، مثل ارتداء ملابس بطريقة معيّنة، أو الحفاظ على بشرة صافية. وأظهر البحث أن الذين يتعرّضون بكثرة لمثل هذه الرسائل، فإنّ احتمال شعورهم بأنّ وسائل التواصل الاجتماعي تجعلهم يعتقدون أنهم بحاجة إلى تغيير مظهرهم يفوق أربعة أضعاف.
كما كشف المسح أن معظم الفتيان، بنسبة 69%، يشاهدون بانتظام محتوى يروّج لأدوار نمطية بين الجنسين بشكل مقلق، مثل منشورات توحي بأنّ الفتيات يفضّلن نوعًا معيّنًا من الشبان، أو أنّهنّ يستخدمن مظهرهنّ لتحقيق أهدافهنّ.
واعترف روب بأن "هذه النتائج تبدو مقلقة جدًا بالنسبة لي، لأنّ أبحاثي تُشير إلى أنه عندما تُطبَّع الرسائل السلبية حول النساء والفتيات عبر الإنترنت، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى عنف في الواقع".
ولفت روب إلى أنّ استخدام الفتيان لوسائل التواصل الاجتماعي لم يحظَ بدراسة كافية في الماضي، مضيفًا: "نحن هنا نوثّق كيف أن الخوارزميات التي يتعامل معها الأطفال تشكّل هويتهم بشكل مباشر خلال هذه المرحلة الحساسة من المراهقة، وهي فترة بناء الهوية".
لكن روب أقرّ بأنّ الدراسة لا يمكنها إثبات أنّ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يسبّب تلك الآثار تحديدًا. كما أشار إلى أنّ النتائج ربما قلّلت من تقدير مدى تبنّي الفتيان لمعتقدات ذكورية، لأن الذين يحملون هذه المعتقدات قد لا يكونون مستعدين للاعتراف في الاستبيان بأنّهم يُعانون من مشاكل عاطفية أو يشعرون بالضعف.
لحسن الحظ، يمكن للوالدين مساعدة أبنائهم المراهقين على التعامل مع ما يتعرضون له على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة صحية والتقليل من تأثيراته السلبية.
التحدث عن "الرجولة الرقمية"
في حديثها لـCNN، نصحت ميليسا غرينبرغ، اختصاصية علم النفس الإكلينيكي لدى مركز برينستون للعلاج النفسي، غير المشاركة في الدراسة، الافتراض بداية، أنّ أطفالك سيتعرّضون لهذا النوع من المحتوى "حتى إذا راقبنا وحدّدنا ما يشاهده أطفالنا في المنزل، فهم سيتعرضون لمحتوى لا نعلم به في أماكن أخرى، وعبر أصدقائهم وزملائهم".
لذلك، من المهم التحدث مع المراهقين حول هذا الموضوع، كأن تسألهم عمّا يتابعونه على الإنترنت.
وأضاف روب، أنّ "إحدى النصائح السرية تكمن في أنّ الأطفال يتحمّسون جدًا للحديث عن استخدامهم للإعلام ووسائل التواصل".
ونبهت جاستين كارينو، معالجة نفسية مقيمة في ويستشستر بنيويورك، وتعمل مع الشباب، وغير المشاركة في الدراسة، في حديثها لـCNN، من أنه "في حال شعرت بأنّ هذه المحادثات غير مريحة، جرّب تناولها في السيارة. الجلوس جنبًا إلى جنب أقل تهديدًا من التواصل البصري المباشر، ووجود مساحة محددة يساعد المراهقين على الشعور بالأمان والانفتاح".
وأوضحت غرينبرغ أنه يجب شرح سبب أهمية التساؤل حول المحتوى الذي يشاهدونه على وسائل التواصل الاجتماعي. فـ"عندما نرى أشياء على الإنترنت، خصوصًا عند تكرار الرسائل نفسها مرارًا، أو عند مشاهدة منشورات تحصل على عدد كبير من الإعجابات، قد نميل ضمنيًا لتصديقها. وقد لا ندرك حتى أن هذا يحدث".
وأضافت أنه إذا بدا أن الطفل قد تقبّل بعض الرسائل المقلقة التي شاهدها، فلا تكتفِ بإخباره أنه مخطئ، بل ستقوم بردود فعل تلقائية بحسب غرينبرغ، كأن توقفها على الفور. لكن نتيجة هذا التصرف عكسية، لأنه قد يعلّم طفلك أنكم ’لا تفهمون‘ أو أنه لا يمكنه التحدث معكم عن أسئلته حول هذه الأفكار".
عوض ذلك، أوصت بمحاولة الاعتراف بأن محتوى وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون مقنعًا جدًا، خصوصًا عندما يشارك أشخاص نحبهم هذا المحتوى. واقترح عليهم مثالًا حدث معك، وناقشوا الأمور معًا بطرح أسئلة مثل: "حين كنت صغيرًا، شاهدت برامج تلفزيونية وأفلامًا تسخر من الفتيان أو تُعيب عليهم البكاء أو إظهار المشاعر"، بحسب غرينبرغ. مضيفة "لكن لماذا يجب أن يكون الأمر كذلك؟ هل صحيح أن المشاعر تجعلنا ضعفاء؟ هل يمكننا النظر إلى هذا من وجهات نظر أخرى؟".
مع وجود كل هذا الكم من المعلومات المضللة على شبكات التواصل الاجتماعي، يمكن لمثل هذه المحادثات أن تنقل مهارات حياتية مهمة يحتاجها المراهقون ليتمكّنوا من تحديد ما إذا كان ينبغي تصديق ما يسمعونه أو يرونه، مثل تقارير إخبارية مزعومة.
تنمية نماذج يحتذى بها ومجتمعات قوية
أوضح روب أن أحد أسباب استهلاك الفتيان لهذا النوع من محتوى وسائل التواصل الاجتماعي يتمثّل ببحثهم النشط عن التواصل أو الإلهام أو التوجيه، لأن هذه الأمور مهمة لهم من الناحية التنموية في هذه المرحلة. فـ"هي احتياجات أساسية للتطور لديهم".
يمكن للأهل مساعدة الأطفال على تلبية هذه الاحتياجات بطرق صحية خارج الإنترنت.
وبحسب روب، أظهرت الدراسة أن الأطفال الذين لديهم على الأقل شخص واحد يمكنهم اللجوء إليه للحصول على الدعم في العالم الواقعي كان لديهم نتائج أفضل من حيث الصحة النفسية.
واقترح تنمية قدوات إيجابية للفتيان مثل الأهل وأفراد الأسرة، والأساتذة، والمدربين أو قادة الكشافة. ذلك أنهم برأيه يحتاجون إلى أن يسمعوا ويروا أّن الرجال في حياتهم يمكنهم التعبير عن مجموعة واسعة من المشاعر، وأن هناك طرقًا مختلفة ليكون المرء رجلًا، من دون التشدد كثيرًا بشأن كيفية تصرف أو شعور الفتيان والرجال".
وأشار إلى ضرورة ضمان مشاركة الفتيان في مجتمعات فعلية من خلال أنشطة مثل المسرح أو الرياضة. وشدّد على أهمية الإبداع في هذه العملية.
اضف تعليق