ربما المشهد ليس بجديد، ترقب واسع وشارع يغلي لمعرفة ملامح الحكومة القادمة، سباق محموم بين المحللين السياسيين لتوضيح او رسم الشكل الأولي للحكومة المقبلة، لكن ربما وبحسب المؤشرات الأولية بان الحكومة القادمة لا تختلف عن السابقات، نظرا لبقاء ذات الأساليب في التعامل مع الملف...

ربما المشهد ليس بجديد، ترقب واسع وشارع يغلي لمعرفة ملامح الحكومة القادمة، سباق محموم بين المحللين السياسيين لتوضيح او رسم الشكل الأولي للحكومة المقبلة، لكن ربما وبحسب المؤشرات الأولية بان الحكومة القادمة لا تختلف عن السابقات، نظرا لبقاء ذات الأساليب في التعامل مع الملف.

هذه التحليلات والتوقعات تظهر في الوهلة الأولى مخيبة للآمال، اذ سرعان ما يتم معرفة ما يدور خلف الكواليس من طرح أسماء وحقائب وزارية واضحة، وبذلك يتبدد الضجيج، وتأتي الحكومة الجديدة محملة بدفعة من المفاجآت، غالبا ما تكون صادمة، لا لأنها جديدة، بل لأنها تعيد إنتاج المألوف بوجوه مختلفة.

خلال السنوات الماضية، يصعب العثور على لحظة رضى حقيقية عن الحكومات المتعاقبة، الخط الأول في الحكم يرضِ جماهيره الواسعة بدوره المتعثر، والمواطن ظل أسير شعور دائم بالإحباط، فيما بدت الحكومات نفسها، وهي ترصد صورتها في الشارع، مدركة لعمق الفجوة بينها وبين الناس.

 هذا التباعد لم يكن وليد لحظة عابرة، بل نتاج تراكم طويل من الوعود المؤجلة، والبرامج التي تُعلن ولا تُنفذ، واللغة التي تُستهلك حتى تفقد معناها.

ما يجعل السخط الشعبي اليوم ليس حالة انفعالية طارئة، بل مزاج عام تشكّل عبر التجربة، وهو سخط يتخذ أشكالا متعددة، من الاحتجاج الصريح إلى السخرية اللاذعة، خصوصا من مفردات الخطاب الحكومي التي تتكرر حتى تصبح لقمة شهية بافواه الجائعين للنقط والنيل من مكانة الدولة والحكومة على حد سواء.

عبارات من قبيل "الصب في المصلحة" و"خدمة المواطن" و"المرحلة الحساسة" لم تعد تُقرأ بوصفها التزامات سياسية، بل كقوالب جاهزة تُستدعى عند الحاجة، لتؤكد معنى الضحك على الجمهور أكثر مما تنفيه.

المفارقة أن هذا الخطاب لا يفشل فقط في إقناع الشارع، بل يكشف عن أزمة أعمق في فهم طبيعة العلاقة بين السلطة والمجتمع، فبدل أن تكون اللغة أداة لشرح السياسات وتحديد المسؤوليات، تحولت في كثير من الأحيان إلى غطاء لغوي يخفف وطأة الإخفاق، أو يؤجل مواجهة الأسئلة الصعبة، ومع كل حكومة جديدة، يُعاد تدوير المفردات نفسها، وكأن المشكلة تكمن في سوء الحظ لا في بنية القرار.

الترقب الحالي للحكومة القادمة يحمل في طياته هذا الإرث الثقيل، فالتوقعات المرتفعة لا تنبع من ثقة راسخة، بل من حاجة نفسية لدى الشارع إلى أي بارقة أمل، حتى وإن كانت هشة، أما التحليلات فكثير منها يدور في فلك التوازنات السياسية والأسماء المتداولة، أكثر مما يتوقف عند جوهر السؤال: هل ثمة إرادة حقيقية لكسر الحلقة المفرغة؟

التجربة تشير إلى أن الصدمة لا تأتي من فشل الحكومة بقدر ما تأتي من اكتشاف أن سقف التغيير كان منخفضا منذ البداية، وعندها يعود الإحباط إلى نقطة الصفر، وتستعيد السخرية مكانها كوسيلة دفاع اجتماعي، وكأداة نقد لا تقل فاعلية عن المقالات والخطابات.

بين الترقب والواقع، ثمة مساحة ضائعة كان يمكن أن تُملأ بالشفافية، وبخطاب صادق يعترف بالمحدودية قبل أن يعد بالإنجاز، إلى أن يحدث ذلك، ستظل الحكومات القادمة تُستقبل بالتحليل وتُودع بالخيبة، فيما يبقى الشارع شاهدا ساخرا، لا لأنه لا يفهم السياسة، بل لأنه خبرها أكثر مما ينبغي.

اضف تعليق