غالبية الموظفين -وأنا منهم- في بداية توظيفنا كنا نحاول الاجتهاد ومضاعفة الجهد من أجل إثبات أنفسنا أولاً، ومن أجل الإتيان بنتائج مختلفة ومؤثرة ثانياً. وبعد مرور سنوات من العمل، يبدأ مستوى الإنجاز بالانخفاض، أو أننا نريد إكمال مهامنا من دون تقصير لكن من دون زيادة في ذات الوقت. وهذه العملية تحدث بدافع إصابتنا بما يعرف بـ الإحباط المهني...

غالبية الموظفين -وأنا منهم- في بداية توظيفنا كنا نحاول الاجتهاد ومضاعفة الجهد من أجل إثبات أنفسنا أولاً، ومن أجل الإتيان بنتائج مختلفة ومؤثرة ثانياً. وبعد مرور سنوات من العمل، يبدأ مستوى الإنجاز بالانخفاض، أو أننا نريد إكمال مهامنا من دون تقصير لكن من دون زيادة في ذات الوقت. وهذه العملية تحدث بدافع إصابتنا بما يعرف بـ "الإحباط المهني"؛ فما هو، وما هي أبرز مسبباته، وكيف يجب أن يكون التعامل لمنع حصوله؟

ما هو الإحباط الوظيفي؟

الإحباط الوظيفي هو حالة نفسية تنتج عن العوائق المهنية والتنظيمية التي تمنع الموظف من تحقيق أهدافه وتوقعاته داخل بيئة العمل، ويعبر عنه الموظف بحالة من عدم الرضا عن حالته الوظيفية، ومشاعر سلبية مثل التوتر وانعدام الحافز.

إن الذي لا يفهمه الكثيرون من أرباب العمل والمديرين هو أن الإنسان له حوافز نفسية تدفعه صوب رفع مستويات الإنجاز في المهام أو انخفاضها، ولا يجب التعامل معه كآلة تعطي أوامر وتنفذ من دون أن تعرف ماذا تنفذ؛ لذا هي دعوة إلى من يدير دائرة أو أي مكان فيه عاملون أن يلتفت إلى الجانب النفسي لدى العاملين، ولا يغفل ذلك أو يهمله لأي سبب كان وتحت أي ضغط كان؛ لأن مردودات التجاهل والتغافل سلبية على العاملين، وبالتالي يتأثر النتاج.

الإحباط في العمل يعتبر واحداً من المشكلات النفسية التي يواجهها الأفراد والمؤسسات والشركات، ويرتبط هذا الشعور بانخفاض الحماس وفقدان الرغبة في الوصول إلى الأهداف المهنية، فيخلق ذلك مللاً كبيراً وهروباً من المسؤولية ورغبة عارمة في مغادرة مواقع العمل ولو قبل دقائق على أقل تقدير، مما يؤشر إلى غياب الروح في بيئة العمل.

ما هو أثر الإحباط الوظيفي على الأداء؟

ينتج عن الإحباط الوظيفي الكثير من المردودات السلبية على العاملين أنفسهم وعلى بيئات عملهم، وأبرز هذه المردودات هي:

تراجع الإنتاجية: يؤدي الإحباط في العمل إلى تراجع الإنتاجية وضعف الدافع الداخلي للموظف، مما يسبب انخفاضاً في قدرته على إتمام المهام بالكفاءة والجودة المناسبة؛ إذ يشعر الموظفون الذين يعانون من الإحباط غالباً بالتعب النفسي والجسدي، وهذا يقلل من تركيزهم ويدفعهم لارتكاب أخطاء أكثر.

زيادة الغياب والاستقالات: كما أن الإحباط الوظيفي يؤدي إلى زيادة الغياب وتقديم الاستقالات؛ إذ تتسبب مشاعر القلق والتوتر النفسي في جعل الموظف أكثر ميلاً للتغيب عن وظيفته أو للبحث عن فرص عمل جديدة، فترفع هذه المشاعر من معدلات الاستقالة وتزايد تغيير الموظفين، مما يؤثر على استمرارية العمل وقدرة المؤسسة على الاحتفاظ بالمواهب.

لماذا يصاب العاملون بالإحباط؟

1. ضعف الإدارة والعدالة: يحدث الإحباط في العمل نتيجة لعدم كفاية الإدارة ونقص الدعم وعدم وجود عدالة عند التقييم، بالإضافة إلى تدني الرواتب وعدم تحقيق توازن جيد بين الحياة الشخصية والعمل.

2. عدم التوافق المهني: والسبب الثاني للإحباط الوظيفي هو عدم التوافق بين المهارات ومتطلبات الوظيفة، حيث يخلق هذا التباين فجوة بين قدرات الموظفين ومتطلبات العمل، ما يجعلهم يشعرون بعدم الكفاءة وفقدان الحافز والثقة بالنفس، خاصة إذا لم تقدم الإدارة تدريباً أو دعماً يعالج هذا الخلل.

3. العوائق التشغيلية: ويمثل عدم الرضا عن الأداء الشخصي سبباً من أسباب الإحباط الوظيفي، حيث يتفاقم الإحباط عندما يشعر الموظفون أنهم قادرون على أداء أفضل لكنهم يواجهون عراقيل تحول دون تحقيق أهدافهم مثل نقص الموارد أو الدعم الكافي، وقد يدفع هذا الشعور الموظف إلى فقدان الشغف بوظيفته.

كيف يُعاد إشعال الشغف المنطفئ؟

من أجل إبعاد العاملين عن الإحباط، يجب على المديرين تقدير الجهود والاعتراف بالإنجازات، إذ يعد ذلك أمراً مهماً لرفع الروح المعنوية لدى الموظفين. ويمكن أن يكون التحفيز على هيئة مبالغ أو هدايا، أو حتى الكلمات الطيبة التي تقال عن جهودهم. كما أن برامج الحوافز، مثل الجوائز الشهرية أو العطلات الإضافية، تساهم في تعزيز شعور الموظفين بالتقدير، مما يزيد من ارتباطهم وانتمائهم للمكان الذي يعملون فيه، سواء كان في القطاع العام الحكومي أو الخاص.

كما على القائمين على الأعمال أن يستثمروا طاقات وإمكانات العاملين بوضع الفرد المناسب في الوظيفة المناسبة، لتجنب تعرضه للاحتراق الوظيفي الذي يؤدي بدوره إلى الإحباط الوظيفي.

وعلى العاملين ومديريهم البحث عن التجديد في أساليب ووسائل العمل لضمان عدم الاعتياد السلبي الذي يوصل الإنسان بعد فترة من الزمن إلى الإحباط الوظيفي. وبهذه الأمور، يمكن أن يبتعد الموظف عن الإحباط ليبقى يمارس أعماله كأنه في أيامه الأولى لدخوله في العمل.

اضف تعليق