شكلت الهجمات الإسرائيلية على دمشق صدمة لبعض الأمريكيين، فقبل ساعات من القصف الإسرائيلي، وصل مسؤولون تنفيذيون من ثلاث شركات طاقة مقرها الولايات المتحدة إلى دمشق لحضور اجتماعات، واتهم الشرع، الذي يسعى إلى توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة، إسرائيل بمحاولة شق الصف في سوريا وتقسيمها، وقال أردوغان إن تركيا لن تسمح بتقسيم سوريا...
في وقت سابق على اندلاع الصراع في السويداء، قال المبعوث الأمريكي بيريك علنا وفي اجتماعات خاصة في دمشق إن سوريا يجب أن تكون “دولة واحدة”، دون حكم ذاتي لطوائفها الدرزية والكردية والعلوية، في تناقض لضغوط إسرائيل في البداية على الولايات المتحدة لإبقاء البلاد ضعيفة وغير مركزية بعد سقوط بشار الأسد.
وفي وقت لاحق شكلت الهجمات الإسرائيلية على دمشق صدمة لبعض الأمريكيين في سوريا، فقبل ساعات من القصف الإسرائيلي للعاصمة السورية يوم الأربعاء، وصل مسؤولون تنفيذيون من ثلاث شركات طاقة مقرها الولايات المتحدة إلى دمشق لحضور اجتماعات تستمر لمدة يوم.
واتهم الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي يسعى إلى توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة، إسرائيل بمحاولة شق الصف في سوريا وتقسيمها. كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في رده على الحرب الإسرائيلية على النظام السوري إن تركيا لن تسمح بتقسيم سوريا أو المساس بتعدد ثقافاتها ووحدة أراضيها.
رسائل أمريكية واضحة ام متناقضة؟
هذا وقالت ثمانية مصادر مطلعة لرويترز إن الحكومة السورية أخطأت في تقدير الكيفية التي سترد بها إسرائيل على انتشار قوات سورية في جنوب البلاد في الأسبوع الماضي، إذ شجعتها الرسائل الأمريكية التي تقول إن سوريا يجب أن تدار باعتبارها دولة مركزية.
وقالت المصادر إن إسرائيل نفذت ضربات على القوات السورية وعلى دمشق يوم الأربعاء الماضي في تصعيد فاجأ الحكومة التي يقودها الإسلاميون، وذلك بعد اتهام القوات الحكومية بقتل العشرات في مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية.
ووفقا للمصادر التي تضم مسؤولين سياسيين وعسكريين سوريين ودبلوماسيين اثنين ومصادر أمنية إقليمية، فإن دمشق اعتقدت أنها حصلت على ضوء أخضر من الولايات المتحدة وإسرائيل لإرسال قواتها إلى الجنوب رغم التحذيرات الإسرائيلية المستمرة منذ أشهر من الإقدام على ذلك.
وقالت المصادر إن هذا الاعتقاد استند إلى تعليقات علنية وفي أحاديث خاصة من المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس بيريك، وكذلك إلى المحادثات الأمنية الوليدة مع إسرائيل. ودعا بيريك إلى إدارة سوريا بشكل مركزي “كدولة واحدة” دون مناطق حكم ذاتي.
ولم ترد تقارير من قبل عن الفكرة التي استوعبتها سوريا من الرسائل الأمريكية والإسرائيلية بشأن نشر قواتها في الجنوب.
وأحجم متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن التعليق على المناقشات الدبلوماسية الخاصة، لكنه قال إن الولايات المتحدة تدعم وحدة الأراضي السورية. وقال المتحدث “الدولة السورية ملزمة بحماية جميع السوريين، بما في ذلك الأقليات”، وحث الحكومة السورية على محاسبة مرتكبي أعمال العنف.
وفي رده على أسئلة رويترز، نفى مسؤول كبير في وزارة الخارجية السورية أن تكون تصريحات بيريك أثرت على قرار نشر القوات الذي اتخذ بناء على “اعتبارات وطنية بحتة” وبهدف “وقف إراقة الدماء وحماية المدنيين ومنع تصاعد الحرب الأهلية”.
وأرسلت دمشق قوات ودبابات إلى محافظة السويداء يوم الاثنين لوقف القتال بين قبائل بدوية وفصائل مسلحة داخل الطائفة الدرزية، وهي أقلية لها أتباع في سوريا ولبنان وإسرائيل.
وذكرت مصادر سورية أن القوات التي دخلت مدينة السويداء تعرضت لإطلاق نار من الجماعات الدرزية المسلحة.
وذكر مصدران، أحدهما مسؤول خليجي كبير، أن أعمال العنف التي تلت ذلك ونُسبت إلى القوات السورية، بما في ذلك إعدامات ميدانية وإذلال لمدنيين دروز، دفعت إسرائيل إلى شن غارات على قوات الأمن السورية ووزارة الدفاع في دمشق ومحيط القصر الرئاسي.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل تدخلت لمنع القوات السورية من دخول جنوب سوريا، الذي قالت إسرائيل علنا إنه يجب أن يكون منطقة منزوعة السلاح، وللحفاظ على التزامها طويل الأمد بحماية الدروز.
وتعهد الرئيس السوري أحمد الشرع بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات ضد الدروز. وألقى باللوم على “الجماعات الخارجة عن القانون” التي تسعى إلى تأجيج التوترات في أي جرائم ضد المدنيين. ولم يذكر ما إذا كانت القوات الحكومية ضالعة في ذلك.
وسرعان ما تدخلت الولايات المتحدة وآخرون لوقف إطلاق النار بحلول مساء الأربعاء. ووصف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو التصعيد بأنه “سوء تفاهم” بين إسرائيل وسوريا.
وقال مصدر سوري وآخر غربي مطلع على الأمر إن دمشق اعتقدت أن المحادثات مع إسرائيل التي جرت قبل أيام في باكو أسفرت عن تفاهم بشأن نشر قوات في جنوب سوريا لإخضاع السويداء لسيطرة الحكومة.
وأحجم مكتب نتنياهو عن التعليق ردا على أسئلة رويترز.
وقالت إسرائيل أمس الجمعة إنها وافقت على السماح بدخول محدود للقوات السورية إلى السويداء خلال اليومين المقبلين. وبعد فترة وجيزة، قالت سوريا إنها ستنشر قوة مخصصة لإنهاء الاشتباكات الطائفية التي استمرت حتى صباح اليوم السبت.
وقال جوشوا لانديس، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، إنه يبدو أن الشرع تحرك بثقة أكبر من اللازم الأسبوع الماضي.
وأضاف “يبدو أن المسؤولين العسكريين في حكومته أخطأوا في تفسير دعم الولايات المتحدة، كما أخطأوا في تفسير موقف إسرائيل من جبل الدروز (في السويداء) من محادثاتهم مع إسرائيل في باكو”.
وقال مسؤول عسكري سوري إن المراسلات مع الولايات المتحدة جعلت دمشق تعتقد أن بإمكانها نشر قواتها دون أن تواجهها إسرائيل.
وأضاف أن المسؤولين الأمريكيين لم يعقبوا لدى إبلاغهم بخطط نشر القوات، مما دفع القيادة السورية إلى الاعتقاد بأن هناك موافقة ضمنية على ذلك و”أن إسرائيل لن تتدخل”.
وقال دبلوماسي مقيم في دمشق إن السلطات السورية كانت “مفرطة في الثقة” في عمليتها للسيطرة على السويداء، “بناء على الرسائل الأمريكية التي اتضح أنها لا تعكس الواقع”.
كان المبعوث الأمريكي بيريك قد قال علنا وفي اجتماعات خاصة في دمشق إن سوريا يجب أن تكون “دولة واحدة”، دون حكم ذاتي لطوائفها الدرزية والكردية والعلوية، التي لا تزال لا تثق إلى حد بعيد في القيادة الجديدة بقيادة الإسلاميين.
ودفع انعدام الثقة هذا الدروز وجماعة كردية كبيرة في شمال شرق سوريا إلى مقاومة انتشار الجيش السوري، والمطالبة بدمج مقاتليهم في الجيش كوحدات قائمة بذاتها تتمركز في مناطقهم فقط.
وقال لانديس إنه يبدو أن الشرع فهم تصريحات بيريك الرافضة لأي نظام اتحادي في سوريا “على أنها تعني أن الحكومة المركزية يمكن أن تفرض إرادتها على الأقلية الدرزية بالقوة”.
وقال المسؤول الخليجي الكبير إن دمشق ارتكبت “خطأ كبيرا” في طريقة تعاملها مع السويداء، قائلا إن القوات مارست انتهاكات شملت قتل وإهانة الدروز. وذكر المسؤول الخليجي ومصدر آخر أن طبيعة العنف منحت إسرائيل فرصة لاستخدام القوة.
وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مراقبة مستقلة، أمس الجمعة إن عدد القتلى جراء أعمال العنف بلغ 321 شخصا على الأقل، من بينهم عاملون في المجال الطبي ونساء وأطفال. وأضافت أن العنف شمل إعدامات ميدانية من جميع الأطراف.
وتمكنت رويترز من التحقق من توقيت وموقع بعض مقاطع الفيديو التي تظهر جثث القتلى في السويداء، لكنها لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من الجهة التي نفذت عمليات القتل أو متى وقعت.
وقال مصدر مخابراتي من المنطقة إن الشرع لم يسيطر على الأحداث على الأرض بسبب عدم وجود جيش منضبط واعتماده بدلا من ذلك على خليط من جماعات مسلحة، أغلبها له خلفية إسلامية متشددة.
وخلال العنف الطائفي الذي شهدته منطقة الساحل السوري في مارس آذار، قُتل المئات من الأقلية العلوية على أيدي قوات متحالفة مع الشرع.
وقال المسؤول الخليجي الكبير إن هناك “مخاوف حقيقية من أن سوريا تتجه نحو تقسيمها إلى دويلات”، في ظل إراقة المزيد من الدماء وتزايد الشعور بعدم الثقة في حكومة الشرع بين الأقليات.
وقال المسؤول في وزارة الخارجية السورية إن الهدف من عملية السويداء لم يكن الانتقام أو التصعيد، بل الحفاظ على سلام ووحدة البلاد.
وأضاف المسؤول، الذي تحدث قبل إعلان إسرائيل الموافقة على دخول محدود للقوات السورية إلى السويداء، إن القوات السورية مستعدة للتدخل مرة أخرى لإنهاء العنف الطائفي هناك “متى توفرت الظروف المناسبة، بما في ذلك ضمانات واضحة من الولايات المتحدة بعدم تدخل إسرائيل”.
واشنطن لم تدعم الضربات الإسرائيلية
ذكرت رويترز في فبراير شباط أن إسرائيل ضغطت في البداية على الولايات المتحدة لإبقاء البلاد ضعيفة وغير مركزية بعد سقوط بشار الأسد.
وفي مايو أيار، التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الشرع وقال إنه سيلغي جميع العقوبات الأمريكية وحث إسرائيل على التعامل مع دمشق، لكن جزءا كبيرا من المؤسسة السياسية الإسرائيلية لا يزال متشككا في القيادة السورية الجديدة.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية يوم الخميس إن الولايات المتحدة “لم تدعم” الضربات الإسرائيلية على السويداء الأسبوع الماضي.
وشكلت الهجمات صدمة لبعض الأمريكيين في سوريا. فقبل ساعات من القصف الإسرائيلي للعاصمة السورية يوم الأربعاء، وصل مسؤولون تنفيذيون من ثلاث شركات طاقة مقرها الولايات المتحدة إلى دمشق لحضور اجتماعات تستمر لمدة يوم.
وقال العضو الرئيسي والمنظم، الرئيس التنفيذي لشركة أرجنت للغاز الطبيعي المسال جوناثان باس، لرويترز إنه تلقى تطمينات كافية من واشنطن بأن العنف الذي اندلع في السويداء لن يتصاعد ويصل إلى دمشق.
وكان المسؤولون التنفيذيون في دمشق لعرض مشروع طاقة على وزير المالية السوري عندما وقع القصف الإسرائيلي.
شركات أمريكية تعد خطة شاملة للطاقة
وقال جوناثان باس الرئيس التنفيذي لشركة أرجنت للغاز الطبيعي المسال يوم الجمعة إن شركات بيكر هيوز وهانت إنرجي وأرجنت، ومقرها جميعا الولايات المتحدة، ستعد خطة شاملة لقطاع النفط والغاز وتوليد الكهرباء في سوريا، في شراكة تهدف لإعادة تأسيس البنية التحتية للطاقة التي تضررت من الحرب الأهلية التي استمرت 14 عاما.
وتمثل الخطوة تحولا سريعا إذ ستشهد دخول شركات أمريكية إلى بلد كان يخضع من قبل لأحد أشد أنظمة العقوبات في العالم. وقرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلغاء العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا في نهاية يونيو حزيران.
وتعتزم تلك الشركات المساعدة في عمليات التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما وإنتاج الكهرباء لمنح الاقتصاد دفعة في وقت تسعى فيه الحكومة إلى إعادة إعمار سوريا وإعادتها للساحة العالمية.
وتأتي الخطة بعد مسارعة شركات أخرى، العديد منها من دول خليج عربية، لتوقيع اتفاقيات لتعزيز البنية التحتية لتوليد الطاقة وللموانئ في سوريا.
ولم تنشر تفاصيل هذه الخطة الشاملة من قبل.
وقال باس لرويترز عبر الهاتف "نبادر بتطوير خطة أساسية وشاملة للطاقة ولتوليد الكهرباء في سوريا بناء على تقييم مبدئي للفرص المتاحة لتحسين قدرة التوليد وإيصال الخدمة في المدى القريب".
وأضاف "تهدف جهودنا إلى دعم إنعاش قطاع الطاقة بالتنسيق مع الجهات المعنية".
وقال "يشمل ذلك أنشطة محتملة في كل مراحل سلسلة القيمة، من التنقيب والإنتاج إلى توليد الكهرباء، بما في ذلك محطات توليد الطاقة ذات الدورة المركبة". وأحجم عن الخوض في مزيد من التفاصيل.
ووقعت شركة أرجنت للغاز الطبيعي المسال، التي تطور منشأة لتصدير الغاز الطبيعي المسال في ولاية لويزيانا الأمريكية، في يناير كانون الثاني اتفاقية غير ملزمة لتزويد بنجلادش بما يصل إلى خمسة ملايين طن من الوقود سنويا، وهي أول اتفاقية رئيسية لتوريد الغاز المسال من الولايات المتحدة منذ أن بدأ ترامب ولايته الثانية.
لم تتلق رويترز أي رد بعد على أسئلة أرسلتها عبر البريد الإلكتروني إلى شركة بيكر هيوز. وأحجمت شركة هانت إنرجي، ومقرها تكساس، عن التعليق.
وتضع الخطة تصورا للبدء بمناطق خاضعة لسيطرة الحكومة السورية إلى الغرب من نهر الفرات.
ولا يزال شرق سوريا، حيث أغلب إنتاج النفط، خاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، التي تدعمها الولايات المتحدة ويقودها الأكراد. وحثت واشنطن قوات سوريا الديمقراطية على الاندماج في السلطات الجديدة في دمشق بعد الإطاحة ببشار الأسد.
وبسبب الحرب التي استمرت 14 عاما، لحقت أضرار جسيمة بقطاع الكهرباء في سوريا، ولا ينتج حاليا سوى 1.6 جيجاوات من الكهرباء، نزولا من 9.5 جيجاوات قبل 2011. ويحتاج إصلاح هذا القطاع إلى استثمارات بمليارات الدولارات، لذا تتطلع الدولة التي تعاني من ضائقة مالية إلى الاستثمار الخاص أو الجهات المانحة لتغطية مثل تلك التكلفة.
وفي مايو أيار، وقعت سوريا مذكرة تفاهم مع شركة أورباكون القابضة القطرية لتطوير مشاريع توليد طاقة كهربائية بقيمة سبعة مليارات دولار، تشمل أربع محطات بتوربينات غاز تعمل بالدورة المركبة ومحطة طاقة شمسية بقدرة ألف ميجاوات في جنوب سوريا.
في منشور على موقع لينكدإن يوم الخميس، قال محمد يسر برنية وزير المالية السوري إن الشركات الثلاث تشكل تحالفا للاستثمار في سوريا وتطوير قطاع الطاقة في البلاد.
وقال "تشير هذه الزيارة إلى اهتمام متزايد بين الشركات والمستثمرين الأمريكيين بالتعامل مع سوريا".
وصل باس، والرئيس التنفيذي لشركة هانت إنرجي، هانتر إل.هانت، ومسؤول تنفيذي كبير في شركة بيكر هيوز، إلى سوريا على متن طائرة خاصة صباح يوم الأربعاء. وقال باس إنهم كانوا في اجتماع مع برنية عندما شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية على دمشق هزت المدينة.
ووصف باس الأمر بأنه كان "كبيرا". ويعمل باس على مشروع الطاقة منذ زيارة دمشق ولقاء الرئيس السوري أحمد الشرع في أبريل نيسان.
وشارك باس في جهود رسمية وغير رسمية لحث ترامب على لقاء الشرع.
وعقد بالفعل هذا الاجتماع التاريخي في منتصف مايو أيار بتشجيع كبير من زعيمي تركيا والسعودية. وأعلن ترامب إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا. ومع رفعها تدريجيا، ازداد اهتمام المستثمرين بالبلاد.
لكن أعمال عنف شهدتها محافظة السويداء بجنوب البلاد على مدى أسبوع أدت إلى أجواء قاتمة في البلاد. وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن أعمال العنف تلك أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 321 شخصا.
وقال باس "لتعمل في سوريا هناك عثرات وعقبات وحفر... إذا لم يكن لديك الفريق الذي لديه العزم لتقبل وجود تلك العثرات، فلا تأتي إلى هنا".
وقف إطلاق النار
بدورها قالت الحكومة السورية التي يقودها الإسلاميون إن قوات الأمن الداخلي التابعة لها بدأت الانتشار في مدينة السويداء الجنوبية ذات الأغلبية الدرزية يوم السبت، وحثت جميع الأطراف على احترام وقف إطلاق النار، وذلك في أعقاب أعمال عنف في المنطقة خلفت مئات القتلى.
وأكد الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في خطاب منفصل أن “الوساطات الأمريكية والعربية” ساهمت في تحقيق الهدوء، وانتقد إسرائيل لشنها غارات جوية على قوات الحكومة السورية في الجنوب وفي دمشق خلال الأيام الماضية.
وشهدت محافظة السويداء أعمال عنف على مدى أسبوع تقريبا بدأت باشتباكات بين مقاتلين بدو وفصائل درزية، قبل أن ترسل دمشق قوات الأمن الحكومية للتدخل.
ونفذت إسرائيل غارات جوية على جنوب سوريا وعلى مقر وزارة الدفاع في دمشق بزعم حماية الأقلية الدرزية التي يوجد عدد كبير منها في إسرائيل وهضبة الجولان المحتلة.
وأعلنت الرئاسة السورية في بيان صدر يوم السبت “وقفا شاملا وفوريا لإطلاق النار”، ودعت “جميع الأطراف، دون استثناء، إلى الالتزام الكامل بهذا القرار، ووقف كافة الأعمال القتالية فورا في جميع المناطق”.
وقالت وزارة الداخلية إن قوات الأمن الداخلي بدأت الانتشار في السويداء.
ودعا الشرع إلى الهدوء وقال إن سوريا لن تكون “ميدانا لتجارب مشاريع التقسيم أو الانفصال أو التحريض الطائفي”.
وأضاف في خطاب بثه التلفزيون “التدخل الإسرائيلي دفع البلاد إلى مرحلة خطيرة تهدد استقرارها نتيجة القصف السافر للجنوب ولمؤسسات الحكومة في دمشق”.
وأعلن المبعوث الأمريكي توم بيريك يوم الجمعة اتفاق سوريا وإسرائيل على وقف إطلاق نار بدعم من تركيا والأردن ودول مجاورة.
ودعا بيريك، وهو سفير الولايات المتحدة لدى تركيا وكذلك مبعوث واشنطن إلى سوريا، الدروز والبدو والسنة “إلى إلقاء السلاح وبناء هوية سورية جديدة وموحدة مع الأقليات الأخرى”.
وهاجمت إسرائيل منشآت عسكرية سورية ومخازن أسلحة خلال الأشهر السبعة التي تلت الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وتقول إنها تريد أن تظل مناطق جنوب سوريا القريبة من حدودها منزوعة السلاح.
وقال مسؤول إسرائيلي يوم الجمعة إن إسرائيل وافقت على السماح للقوات السورية بالدخول إلى منطقة السويداء بشكل محدود خلال اليومين المقبلين.
وثمّن الشرع “الدور الكبير الذي قامت به الولايات المتحدة الأميركية في تأكيدها الوقوف إلى جانب سوريا في هذه الظروف الصعبة وحرصها على استقرار البلاد”، مشيدا بجهود دول عربية وداعمته تركيا وأطراف أخرى.
واعتبر أن الضربات الإسرائيلية في خضم الاشتباكات في السويداء دفعت سوريا “إلى مرحلة خطيرة تهدد استقرارها، نتيجة القصف السافر للجنوب ولمؤسسات الحكومة في دمشق”.
وسبق لإسرائيل أن أكدت أنها لن تسمح بالتعرض للأقلية الدرزية أو أن تنشر الحكومة السورية قوات عسكرية في جنوب البلاد قرب هضبة الجولان التي تحتلها.
وانتقد الشرع في كلمته “المصالح الضيقة لبعض الافراد في السويداء” معتبرا ان “الاستقواء بالخارج واستخدام بعض الأطراف الداخلية للسويداء كأداة في صراعات دولية لا يصب في مصلحة السوريين بل يفاقم الأزمة ويهدد وحدة البلاد”.
كما انتقد تصرفات “بعض المجموعات” من العشائر التي “حاولت أن تدافع عن نفسها بشكل منفرد”، مشددا على أن هذه “التصرفات لا يمكن ان تكون بديلا عن دور” الدولة “القادرة وحدها على الحفاظ على هيبتها وسيادتها في كل بقعة من الأراضي السورية”.
وسقط 718 شخصا على الأقل جراء أعمال العنف التي بدأت الأحد، بينهم 391 من أبناء محافظة السويداء من مسلحين ومدنيين، وفق حصيلة جديدة للمرصد السبت. ومن بين هؤلاء 245 مدنيا، 165 منهم “أُعدموا ميدانيا برصاص عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية”.
وتقوّض أعمال العنف الأخيرة جهود الشرع في بسط سلطته على كامل التراب السوري بعد أكثر من سبعة أشهر على إطاحته الحكم السابق، وتعيد طرح تساؤلات إزاء قدرة السلطات على التعامل مع الأقليات على وقع أعمال عنف على خلفية طائفية طالت مكونات عدة خلال الأشهر الماضية.
وكانت الرئاسة الروحية لطائفة الموحّدين الدروز، المرتبطة بالشيخ حكمت الهجري، وهو أحد ثلاثة مراجع دينيين في السويداء، اكدت فجر السبت أنها “تمد يدها للتعامل مع كل إنسان شريف لإنهاء الاشتباكات الحالية ووقف إطلاق النار والاحتكام لصوت العقل والحكمة والإنسانية لا للسلاح والفوضى”.
وأرغمت أعمال العنف نحو 80 ألف شخص على النزوح من منازلهم في السويداء، وفق ما أعلنت الجمعة المنظمة الدولية للهجرة.
ونفت اسرائيل الجمعة أنباء نقلتها وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن تنفيذها مزيدا من الضربات الجوية قرب السويداء ليل الخميس.
وقال متحدث عسكري لفرانس برس “ليس لدى الجيش الإسرائيلي علم بضربات جوية خلال الليل في سوريا”.
وكانت اسرائيل هدّدت الأربعاء بمزيد من التصعيد ضدّ القوات الحكومية ما لم تنسحب من محافظة السويداء بعدما قصفت مواقع عدة أبرزها مجمّع هيئة الأركان العامة ومحيط القصر الرئاسي في دمشق.
وكانت الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل والداعمة للسلطات السورية الجديدة، أعلنت الخميس أنها لم تساند الغارات الاسرائيلية على سوريا.
وأفاد ثلاثة مراسلين لفرانس برس في السويداء بأن مقاتلين من العشائر السنية توافدوا من مختلف المناطق السورية دعما للبدو وتجمّعوا صباح الجمعة في قرى محيطة بالمدينة.
وقال شيخ إحدى العشائر علي العناد لمراسل فرانس برس قرب قرية ولغا في ريف السويداء إن رجاله جاؤوا من منطقة حماة وسط سوريا بعدما “استنجد بنا أبناء البدو وجئنا لدعمهم”.
وشاهد مراسل منازل ومتاجر وسيارات تحترق في قرية ولغا الدرزية التي باتت بيد العشائر.
وبحسب المرصد السوري فإن “انتشار المسلحين من العشائر في محافظة السويداء جاء بتسهيل من القوات الحكومية غير القادرة على الانتشار هناك بسبب التهديدات الاسرائيلية”.
ويقدّر تعداد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف يعيش معظمهم في جنوب البلاد في محافظة السويداء خصوصا. ويتوزّع الدروز كذلك بين لبنان واسرائيل.
واتهم الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي يسعى إلى توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة، إسرائيل بمحاولة شق الصف في سوريا ووعد بحماية الأقلية الدرزية في بلاده.
وفي كلمة وجهها للسوريين يوم الخميس، اتهم الرئيس المؤقت الشرع إسرائيل بالسعي إلى "تفكيك وحدة شعبنا"، قائلا إنها "دأبت على استهداف استقرارنا وخلق الفتنة بيننا منذ سقوط النظام السابق".
وقال الشرع "الكيان الإسرائيلي الذي عودنا دائما على استهداف استقرارنا وخلق الفتن بيننا منذ إسقاط النظام البائد، يسعى الآن مجددا إلى تحويل أرضنا الطاهرة إلى ساحة فوضى غير منتهية، يسعى من خلالها إلى تفكيك وحدة شعبنا وإضعاف قدراتنا على المضي قدما في مسيرة إعادة البناء والنهوض".
من جهته قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن تركيا لن تسمح بتقسيم سوريا أو المساس بتعدد ثقافاتها ووحدة أراضيها، وذلك بعد أن سعت أفعال إسرائيل إلى “تخريب” وقف إطلاق النار في البلاد. وأضاف إن أفعال إسرائيل تظهر أنها لا تريد السلام.
اضف تعليق