يوم بعد آخر تتعاظم الشعائر الحسينية المقدسة، انطلاقا واستنادا إلى النص القرآني الكريم (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، والدليل المرئي والمثبّت والحاسم على هذا القول ذلك الزخم المتعاظم من الشعائر الذي بدأ في الأول من شهر محرم لهذه السنة مرورا بالعاشر من محرم يوم استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وذويه وصحبهِ الأطهار...
(اليوم تقام الشعائر الحسينية المقدّسة في كل البلاد، بكل أنواعها، وبكل قوّة وعظَمة)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
يوم بعد آخر تتعاظم الشعائر الحسينية المقدسة، انطلاقا واستنادا إلى النص القرآني الكريم (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، والدليل المرئي والمثبّت والحاسم على هذا القول ذلك الزخم المتعاظم من الشعائر الذي بدأ في الأول من شهر محرم لهذه السنة مرورا بالعاشر من محرم يوم استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وذويه وصحبهِ الأطهار، واستمرارا إلى يومنا هذا، مع زيادة هذا الزخم وصولا إلى زيارة الأربعين وحتى نها شهر صفر.
وخلال هذه الشعائر، كان ولا يزال هنالك صفّان، الأول هو الصفّ المناصر للحسين عليه السلام (وامتداده) وهو المقيم للشعائر المقدسة والمستمر فيها، على الرغم مما تعرّض له من أذى ومذلّة ولا يزال يتعرض لهذه الضغوط الهائلة حتى هذه اللحظة، أما الصف الثاني فهو النقيض للصف الأول، حيث توجد هناك أطراف (وخصوصا الحكام الظالمين)، حاولوا بكل ما يمتلكونه من قوة وبطش وجبروت أن يضعفوا أو يوقفوا إقامة الشعائر، لكن جميع محاولاتهم باءت بالفشل.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في سلسلة نبراس المعرفة: محاضرة (بشارة لمقيمي الشعائر الحسينية):
(من يوم استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه في عاشوراء من السنة الواحدة والستين للهجرة النبوية الشريفة صلى الله عليه وآله، وإلى اليوم، اصطفّ صفّان. صفّ للحسين ولأهل البيت ولرسول الله صلى الله عليه وآله وللقرآن الكريم وللإسلام وهما النجباء والصفوة، وصف آخر في مقابل ذلك).
وحين نسعى لمعرفة من أين حصل الصف الأول على (النجابة والصفوة)، فإننا سوف نعرف بأنهم تحملوا جميع صنوف الأذى والتعذيب وحتى الإذلال، من الظالمين (حكّاما أو غيرهم)، وقد صبروا على كل ما تعرضوا له، وواصلوا الشعائر في انتظام وفي أساليب شتى، منها مثلا إقامة مجالس العزاء الحسيني خفْية، وبعيدا عن عيون السلطات، أو في أماكن بعيدة عن المراقبة السلطوية المشددة.
التضحية الكبرى من أجل الشعائر
ولم يكن الأذى أو الإذلال ليمنعهم عن مواصلة إقامة الشعائر، بل كان يزيدهم ذلك على الإصرار والتمسك بإقامتها في زخم أشدّ وأكبر، لقد كان المعادون لأهل البيت يصرّون على إلحاق الأذى والإذلال بكل من يتمسك بالشعائر المقدسة، وكان أشد إيذاءً لكل من يؤيد هذه الشعائر ويقيمها، أو يشارك فيها، فإن مثل هذه الأعمال كانت تعرض أصحابها لمخاطر كبيرة تصل حد التضحية بالنفس وبأفراد العائلة، كل هذا حدث للصف الأول لكنهم لم يحيدوا عن الخط الحسيني.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(إنّ النجابة والصفوة هي نتيجة تحملّهم للمذلّة والأذى، أي تحمّلهم الأذى في سبيل أهل البيت صلوات الله عليهم ولتحمّلهم المذلّة في ذلك. فقد كان الظالمون يذلّون أنصار أهل البيت صلوات الله عليهم، خصوصاً الذين يتظاهرون بنصرة أهل البيت ويقيمون شعائرهم المقدّسة، أي لأهل البيت صلوات الله عليهم كلّهم، وللإمام الحسين صلوات الله عليه خاصّة).
وكما تبيّن في أعلاه فإن المذلة والأذى ستكون من نصيب كل من ينصر شعائر الحسين عليه السلام ويتمسك بها، ويدعمها ويقيمها، ولهذا وصف الرسول صلى الله عليه وآله هؤلاء الصفوة والنجباء بأنهم (الـمخصوصون بشفاعتي)، فهل هناك مكافأة أصمن من ذلك، وهؤلاء بالذات يحصلون على شفاعة النبي صلى الله عليه وآله في الدنيا والآخرة.
شفاعة الدنيا تتجسد في قاء حاجاتهم الدنيوية المستعصية وتيسير أمورهم الصعبة، أما شفاعة الآخرة فهي الأعظم حيث يجد الإنسان شفيعه في يوم الحساب، وما أكثر الهفوات التي يقع فيها الإنسان ويحتاج إلى محو ذنوبه، والذهاب إلى يوم الحساب بصفحة بيضاء لا تشوبها شائبة، وهذا يعني الجائزة الكبرى حيث يكون جزاؤه المستحَق الفوز بالجنة، والخلاص من عذاب جهنم.
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يقول:
(الظالمون يتعاملون معهم بأمرين، بالمذلّة والأذى، والصفوة والنجباء يتحمّلون المذلّة والأذى، والنتيجة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وصفهم بقوله (المخصوصون بشفاعتي). وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله في الدنيا لحوائج الناس، وفي الآخرة للنجاة من النار ودخول الجنّة).
وحتما هناك شفاعة لعامة الناس، الذين يأذن الله تعالى باستحقاقهم هذه الشفاعة، ولكن الصفوة والنجباء لهم شفاعة مخصوصة من الرسول الأكر صلى الله عليه وآله، وهذه الشفاعة بمثابة استحقاق حصري لهم، فهؤلاء وحدهم يستحقون هذه الشفاعة العظيمة، لأنهم ناصروا الإمام الحسين بكل شيء ولم يترددوا في ذلك، ولم يخشوا جور الحاكم الجائر، ولا ظلم الحاكم الظالم، ولم ترهبهم أساليب القتل والتعذيب والتشريد والملاحقة.
نور الفكر الحسيني يملأ قلوبهم
ولم تثْنِهم أساليب التضييق على مناصري الحسين عليه السلام في كل شيء، حتى في أرزاقهم، وملاحقة أبنائهم، ومن ثم زجهم في السجون والطوامير المظلمة، ومع ذلك يبقى نور الإيمان بالفكر الحسيني يسطع في عقولهم، ويملأ قلوبهم، ويزيدهم صبرا على ما يتعرضون له من أساليب التجويع والحرمان وإلصاق التهم المزيفة والمفبركة، لكن كل هذا لم يقلل من إيمانهم وتمسكهم بمبادئ عاشوراء وبالشعائر الحسينية المقدسة.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله على هذه النقطة، فيقول:
(هذه الشفاعة لعامّة الذين يأذن الله تعالى لرسوله بشفاعتهم، ولكن اولئك الذين يتحمّلون المذلّة والأذى في سبيل العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، مخصوصون بشفاعة النبي صل الله عليه وآله، أي لهم شفاعة خاصّة من رسول الله صلى الله عليه وآله).
وكما نلاحظ ذلك في الواقع الذي عشناه، هذان الصفان كانا يعيشان بيننا، ومنهم أولئك الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل الحسين عليه السلام وهؤلاء لا يغيبون عن بصائرنا، ولا عن ساحات ومواكب الشعائر الحسينية، ولا يترددون في ذلك، وكأنهم يحملون (توابيتهم) على ظهورهم، لا يخشون البطش والترهيب بكل أنواعه وأشكاله.
في المقابل الفريق الذي يؤذي الصف الحسيني ويفرض عليهم الإذلال، كانوا أيضا يعيشون بين الناس، وهؤلاء أذناب الظالمين، وأدواتهم التي حاولت أن تنفذ أوامر الحكام وأصحاب السلطة في تقويض الشعائر، ولكنهم جميعا فشلوا في ذلك، الحكام وأدواتهم، على الرغم من أنهم لم يدّخروا جهدا في تقليل الشعائر وتخريبها ومقاومتها، ولكنهم فشلوا بسبب قوة الصف المناصر لسيد الأحرار وللفكر الحسيني وللشعائر التي يتجسد فيها هذا الفكر.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في قوله:
(بلى، إنّ الصفين المشار إليهما، كانا ولا يزالان اليوم وسيبقيان، لأنّ الدنيا دار اختبار وامتحان. فهناك من يذلّون القائمين بالشعائر الحسينية المقدّسة عندما تكون لهم القدرة والسلطة، ويؤذونهم. وهناك الصف الذي يتبع القرآن ورسول الله والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين، ويقيمون الشعائر الحسينية المقدّسة، يتحمّلون ذلك.
وهكذا نلاحظ اليوم مضاعفة إحياء هذه الشعائر المقدسة، ونشرها في كل مكان، وقد انتشرت بكل فخر وقوة، أما المعارضون، الذين حاولوا إطفاء نور الفكر الحسيني فإنهم ولّوا إلى غير رجعة، وغيّبتهم بطون النسيان، وظل مناصرو الإمام الحسين عليه السلام في مكانتهم العالية المحفوظة الموقرة في الدنيا، وفازوا بالبشرى النبوية العظيمة، وهي الشفاعة المخصوصة لهم من النبي صلى الله عليه وآله.
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، يقول:
(اليوم تقام الشعائر الحسينية المقدّسة في كل البلاد، بكل أنواعها، وبكل قوّة وعظمة. واولئك الذي آذوا وعذّبوا وأذلّوا، قد ذهبوا إلى النسيان في التاريخ. وهذه بشارة عظيمة من رسول الله صلى الله عليه وآله لكل من يقيم الشعائر الحسينية المقدّسة، بما يتمكّن عليه، ولكل من يعظّم شعائر الله تعالى بإقامته للشعائر الحسينية المقدّسة، وتأييدها وترويجها وتنشطيها ويبذل المال لها ويبذل الوقت لها ويدافع عنها، على جميع المستويات، ومن كل الطبقات).
هذا بالضبط ما يستحقه كل إنسان ينصر الحسين عليه السلام، ويقيم شعائره، ويتمسك بها، ولا يبالي بمن يعترض أو يسعى لتقويض الشعائر، سواء كان حاكما أو سلطويا أو أي إنسان كان، فالمهم هو الالتزام بهذه الشعائر، والسعي لنشرها، وترك الخوف جانبا والاستعداد التام لتحمّل الأذى وحتى الذل، لأن البشارة النبوية العظيمة يستحقها هؤلاء الذين يكونوا دائما وأبدا على استعداد تام بالتضحية بكل غال ونفيس من أجل الشعائر الحسنية المقدسة.
اضف تعليق