إسلاميات - المرجع الشيرازي

الافتتان العظيم بالإمام الحسين عليه السلام

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

للإمام الحسين عليه السلام أناس كثر افتتنوا به، وهؤلاء الناس انقسموا الى قسمين، منهم الذين أخلصوا للإمام الحسين وأحبوه وساندوه في كل شيء، وهؤلاء هم المؤيدون للإمام والذين افتتنوا به حبا وتأييدا ونُصرةً، في حين كان هنالك قسم آخر من الناس افتتنوا بالحسين بشكل مختلف، لأنهم كان بالضد منه في كل شيء...

(لقد قام الإمام الحسين صلوات الله عليه ضدّ يزيد بن معاوية، قياماً مسلّحاً دفاعيا)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

للإمام الحسين عليه السلام أناس كثر افتتنوا به، وهؤلاء الناس انقسموا الى قسمين، منهم الذين أخلصوا للإمام الحسين وأحبوه وساندوه في كل شيء، وهؤلاء هم المؤيدون للإمام والذين افتتنوا به حبا وتأييدا ونُصرةً، في حين كان هنالك قسم آخر من الناس افتتنوا بالحسين بشكل مختلف، لأنهم كان بالضد منه في كل شيء، فكان هؤلاء ينتهزون الفرص لإلحاق الأذى بالإمام، بينما كان افتتان الناس المخلصين والمحبين للحسين ذا مصداقية عالية.

كُتِبَ للإمام الحسين أن يعيش عشر سنوات بوجود معاوية، وكان الإمام عليه السلام يقوم بشكل مستمر بما قام به السابقون من الشجرة النبوية الكريمة (النبي محمد صلى الله عليه وآله، الإمام علي عليه السلام، الحسن المجتبى عليه السلام)، فقد كتب رسائل شديدة اللهجة إلى معاوية يحذره من أية أخطاء يمكن أن تُرتكَب باسم الإسلام، ويطالبه بالتراجع عن كل خطوة لا تصب في صالح المسلمين ولا تلتزم بالثوابت التي وضعها الدين لتنظيم حياة المسلمين.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، تطرق إلى هذا الموضوع في محاضرته القيمة التي جاءت في سلسلة نبراس المعرفة: وعنوان المحاضرة (الافتتان العظيم)، فقال سماحته:

(لقد عاش الإمام الحسين صلوات الله عليه، بعد أخيه الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه، قرابة عشر سنوات في أيّام معاوية، وكان يكتب رسائل شديدة اللحن إلى معاوية ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر بشدّة. ولكن لم يقم ضدّ معاوية قياماً مسلّحاً لأنّ الشرائط لم تك مؤاتية في ذلك الزمان). 

وحينما مات معاوية ولفظ أنفاسه الأخيرة، قام الإمام الحسين عليه السلام على يزيد رفضا تسلطه على رقاب المسلمين، وكان هذا القيام ذا طابع دفعي، كما تعلم ذلك من أخيه وأبيه وجدّه، فجدّه الرسول صلى الله عليه وآله لم يبدأ الآخرين بحرب، بل اعتمد أسلوب الدفاع عن النفس وردّ الخطر والأذى عن النفس، وأبوه الإمام علي عليه السلام الذي تعلّم أسلوب الحرب الدفاعية من ابن عمه وأستاذه رسول الله صلى الله عليه وآله، فأخذ الحسين هذا الأسلوب من أبيه، وكذلك من أخيه الحسن المجتبى عليه السلام الذي كان يعد أيقونة السلام.

المنهج الحسيني والحرب الدفاعية

وهكذا جرت العادة أن لا يبدأ الأئمة الحرب ضد دولة أخرى او قوم آخرين، بل كانت الحرب الدفاعية أسلوبهم في دخول الحرب مضطرين، فلم يدخلوها إلا دفاعا عن النفس.

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في قوله:

(ولكن بمجرّد أن مات معاوية، قام الإمام الحسين صلوات الله عليه ضدّ يزيد بن معاوية، قياماً مسلّحاً دفاعياً، كجدّه رسول الله وكأبيه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، وكأخيه الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه، حيث جرت العادة أن لا يرفعوا السلاح والسيف إلاّ دفاعاً، وأن لا يبتدؤوا بالحرب مع أيّة جهة، سواء كانت جهة كفر أو جهة نفاق). 

ولكن ما أن أصبح الدفاع الإسلام واجبا لا يمكن التنصل منه، والدفاع عن المسلمين أمر لا تراجع عنه، قرر الإمام الحسين خوض الحرب ضد يزيد، وأعلن استعداده التام للتضحية بنفسه وإلحاق الهزيمة بالحاكم الظالم، وهذا ما حصل بالضبط في واقعة الطف التي زلزلت الأرض تحت عرش يزيد، ومن بعده عروش الحكام المستبدين، وإلى يومنا هذا لا تزال مبادئ عاشوراء ترعب جميع الطغاة بلا استثناء لهذا يكنون للحسين العداء كونه يهدد عروشهم الظالمة.

لذا فإن منهج الحسين عليه السلام المعلن للجميع، هو مواجهة الظالمين، والحكام الجائرين، وطريق التضحية بالغالي والنفيس نتيجة لا يمكن التهرب منها، فالتضحية بالنفس والأهل والممتلكات يمثل نوعا من أهم أنواع التضحيات، خصوصا أن يعض من يفتتن بالحسين يظن أن الأمر لا يتطلب سوى الموقف اللفظي لا أكثر، وعندما يعرف بأن الأمر يحتاج إلى تضحيات كبيرة فإنه يفر من المواجهة لأن إيمانه بالحسين عليه السلام شكليا.

وهذا حدث في يوم عاشوراء حيث التحق بالحسين 1500 رجل كلهم انتصروا للإمام وانضموا له، لكنهم عندما عرفوا بأن المواجهة سوف تحصل مع جيش يزيد فروا تحت جنح الظلام ولم يبق منهم سوى 100 شخص، وهذا ما يسمى بالافتتان السلبي، أما أصحاب المواقف الثبتة المؤمنة فإنهم لم يفروا بل ساندوا الحسين عليه السلام حتى آخر لحظة من المنازلة.

وهنا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(وعندما اجتمعت الشروط لمقارعة الظلم، والحرب الدفاعية مع الظلم، كانت التضحية طريقة الإمام الحسين صلوات الله عليه. فإنّ منهج الإمام الحسين صلوات الله عليه الذي يذكره في دعائه، هو منهج التضحية بكل غال ونفيس في سبيل الله تعالى، وفي سبيل القيم، وفي سبيل الفضيلة. وبكلمة واحدة، في سبيل الإسلام الذي هو جامع لكل القيم ولكل الفضائل).

إذن يتطلب الأمر إيمانا حقيقيا بمبادئ الإمام الحسين عليه السلام والثبات عليها، والذين فازوا في نهاية الأمر، هم الذين افتتنوا بالحسين مخلصين له، متمسكين بمنهجه، غير مبالين بالموت أو التضحية بأغلى ما يمتلكون، فقدموا أرواحهم فداءً وقربانا للإمام الحسين الذي حافظ على الإسلام من الانحراف والضياع، من خلال دمه الذي واجه به سيوف الشر والباطل، وهزم يزيد إلى يوم يبعثون، وفاز بالانتصار الأبدي ومن معه من الثلة الصالحة.

المخلصون الثابتون على العهد الحسيني

فالذين رافقوا الإمام الحسين ولم يتخلوا عنه افتتنوا بالإمام افتتان اجتباء لله تعالى واستخلاص منه سبحانه، وهذا هو الافتتان الإيجابي، حيث رافقوا الإمام الحسين من مكة المكرمة وبعضهم لحق به في الطريق، ثم دخلوا معه إلى كربلاء المقدسة، وقدموا أرواحهم دفاعا عن المنهج الحسيني. 

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

بأنه هناك من (افتتن بالإمام الحسين صلوات الله عليه، افتتاناً سقطوا فيه، وبعضهم افتتنوا افتتان اجتباء لله تعالى، واستخلاص من الله سبحانه. وذلك يظهر في العديد من المواقف ومن الأدوار ومن الأفراد، ومنه الذين دخلوا مع الإمام الحسين صلوات الله عليه مدينة كربلاء المقدّسة، وجاؤوا معه من المدينة المنوّرة إلى مكّة المكرّمة، ومن مكّة ساروا مع الإمام إلى كربلاء المقدّسة، وفي الطريق لحقوا به ودخلوا معه صلوات الله عليه كربلاء). 

ويضيف سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلا: (كما تذكر بعض التواريخ، دخل مع الإمام الحسين صلوات الله عليه إلى كربلاء ألف وخمسمئة شخص. ولكن الذين شملتهم فتنة أسقطتهم وابتعدوا عن الإمام الحسين صلوات الله عليه في ليلة عاشوراء، كانوا أكثر من ألف وأربعمئة من العدد المذكور آنفاً، فذهبوا وتركوا الإمام الحسين صلوات الله عليه بين الأعداء). 

المخلصون الأصلاء الثابتون على العهد، هؤلاء هم الذين أخلصوا لله تعالى، وللإمام الحسين عليه السلام، ودخلوا معه كربلاء، ولم يفروا من المواجهة كما فرّ آخرون وسقطوا في الاختبار، وتمسكوا بالدنيا وملذاتها، فيما صمد القلة القليلة من الصادقين المؤمنين الثابتين الذين فازوا بالحسنيين، ونالوا رضوان الله وشفاعة الإمام الحسين يوم يعز فيه الشفعاء.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(ولكن القلّة القليلة الموفّقة الذين اجتباهم الله سبحانه وتعالى واستخلصهم فتنة الاجتباء والاستخلاص، بقوا مع الإمام الحسين صلوات الله عليه، واستشهدوا معه يوم عاشوراء).

هذا الدرس الواضح، من المهم أن يطلع عليه من يحب الحسين عليه السلام، ويعلن بأنه حسينيّ الهوى والإيمان والمبدأ، فهو درس تاريخي يوضح لجميع المؤمنين بأنهم يقفون اليوم وكل يوم أمام الاختبار الإلهي وهو نوع من الافتتان العظيم بالحسين، ومن الأفضل للجميع أن يختاروا الاجتباء والاستخلاص، ومن ثم الفوز العظيم الذي يضمنون تلك المكانة التي يستحقونها لأنهم ناصروا سيد الشهداء في المبتدأ والمنتهى. 

اضف تعليق