حان الوقت لأن تُغيّر النساء العراقيات هذا الواقع، لا بالتصويت فحسب، بل بالوعي، والتنظيم، والمحاسبة، كي لا يبقين مجرد وقود لصناديق الاقتراع، بل محركات حقيقية للتغيير. يجب على المرأة العراقية أن تدرك أن دورها يتجاوز كونه رقمًا انتخابيًا أو صورة تجميلية لبرامج حزبية لا تؤمن فعليًا بحقوقها...
مع اقتراب كل دورة انتخابية في العراق، تعود إلى الواجهة مشاهد التجمعات النسائية، التي تحشدها الأحزاب السياسية بعناوين براقة ووعود وردية. المرأة العراقية، التي تمثل أكثر من نصف المجتمع، تُستدعى مؤقتاً لتكون رقماً انتخابياً ، أو صورة تجميلية لبرامج حزبية لا تؤمن فعلياً بحقوقها. في الوقت الذي يجب أن تكون فيه هذه التجمعات منصات للمطالبة بحقوق النساء السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تتحول إلى ساحات تعبئة مؤقتة، ينتهي دورها بانتهاء التصويت، لتعود النساء بعدها إلى واقع الإهمال والتهميش.
إن هذا الاستغلال الموسمي للنساء في العراق يعكس خللاً بنيوياً في النظرة إلى المرأة كشريكة فعلية في بناء الدولة. فبرغم شعارات التطوير والمساواة التي ترفعها الأحزاب، إلا أن الواقع يقول إن نسبة كبيرة من النساء العراقيات ما زلن يعانين من الأمية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء لا تجيد القراءة والكتابة، خصوصاً في المناطق الريفية والفقيرة.
هذا التراجع في التعليم يتزامن مع ارتفاع معدلات الفقر بين النساء، نتيجة البطالة، وتضييق فرص العمل، وغياب التشريعات الداعمة لريادة المرأة الاقتصادية.
الضغوط المجتمعية والعشائرية تلعب دوراً كبيراً في تقييد حركة النساء وقراراتهن، حتى داخل العملية السياسية. فالكثير من النساء يتم توجيه أصواتهن من قبل الأسرة أو الزعيم العشائري، وتُمنع بعضهن من الترشح أو التعبير عن آرائهن، لتبقى الحرية السياسية للمرأة شعاراً لا يُطبق. أما من تصل منهن إلى البرلمان، فكثيراً ما تُدفع لتكون تابعة لقرار الحزب أو الكتلة، بدلاً من أن تمثل صوت النساء فعلياً.
وفي خضم هذه المعاناة، يظهر مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية الجعفري الجديد ليشكّل تهديداً مباشراً لما تبقى للمرأة من حقوق قانونية. فالمواد المقترحة تُضعف من حق الأم في الحضانة، وتُسهّل التعدد، وتُقلّص دور القضاء في حماية النساء والأطفال. هذه التعديلات لا تنبع من حاجة مجتمعية حقيقية، بل تُفرض تحت غطاء ديني أو عشائري، في محاولة لسلب النساء ما حصلن عليه بشق الأنفس عبر عقود.
المرأة العراقية لا تحتاج إلى خطابات في أيام الانتخابات، بل إلى سياسات حقيقية مستدامة تضمن لها التعليم، والعدالة، والفرص المتكافئة. تحتاج إلى من يرفع صوتها تحت قبة البرلمان لا من يصادره، وتحتاج إلى قوانين تحميها لا تسحقها. إن استمرار هذا النهج في تهميش النساء، والاكتفاء باستغلالهن كأدوات انتخابية، سيعمق فجوة الثقة بين النساء والنظام السياسي، ويضعف المشاركة الديمقراطية.
ختامًا، حان الوقت لأن تُغيّر النساء العراقيات هذا الواقع، لا بالتصويت فحسب، بل بالوعي، والتنظيم، والمحاسبة، كي لا يبقين مجرد وقود لصناديق الاقتراع، بل محركات حقيقية للتغيير. يجب على المرأة العراقية أن تدرك أن دورها يتجاوز كونه رقمًا انتخابيًا أو صورة تجميلية لبرامج حزبية لا تؤمن فعليًا بحقوقها. إن الاستغلال الموسمي للنساء في العراق يعكس خللاً بنيوياً في النظرة إلى المرأة كشريكة فعلية في بناء الدولة، وهذا الخلل لا يمكن إصلاحه إلا بنضال مستمر وواعٍ.
المطلوب اليوم هو تحويل هذه التجمعات النسائية، التي تحشدها الأحزاب بعناوين براقة ووعود وردية، إلى منصات حقيقية للمطالبة بحقوقهن السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فالمرأة العراقية، التي تمثل أكثر من نصف المجتمع، تستحق سياسات حقيقية مستدامة تضمن لها التعليم، والعدالة، والفرص المتكافئة، لا مجرد خطابات في أيام الانتخابات. يجب أن ترفع صوتها تحت قبة البرلمان لا أن يُصادر، وأن تُسن لها قوانين تحميها لا تسحقها. هذا يتطلب منها الخروج من دائرة التهميش والإهمال التي تعود إليها بعد انتهاء التصويت، وأن تصبح قوة فاعلة في تغيير واقعها، متجاوزةً الضغوط المجتمعية والعشائرية التي تُقيد حركتها وقراراتها. إن استمرار هذا النهج في تهميش النساء، والاكتفاء باستغلالهن كأدوات انتخابية، سيعمق فجوة الثقة بين النساء والنظام السياسي، ويضعف المشاركة الديمقراطية.
اضف تعليق